كتاب عربي 21

مجافلة طوفان الأقصى ومفاجأتها

يقول الكاتب: "الأمر الوحيد الذي لم نفاجأ به، هو صمت الحملان العربي، وما لا يغفل عنه هو تمدد الحرب، فإسرائيل غاضبة، جريحة وتريد الثأر لكبريائها الجريح"- الأناضول
مجافلات طوفان الأقصى كثيرة.. منها أنّ رئيس وزراء إسرائيل غير اسم معركته من السيوف الحديدية إلى "حرب القيامة"، وكان أولها انجفال إسرائيل من طوفان الأقصى، ومن نفخة الغزيين في السور الواقي، وإن إسرائيل بقيت يومين مذهولة حائرة من قرى صغيرة محاصرة تغزوها بالدراجات والمشاة وبضعة طائرات شراعية، فهي جفلة القرن، إن لم تكن جفلة القرون الآخرة.

تقول تصريحات قادة حماس إنهم فوجئوا بنجاح الطوفان وصُعقوا بضعف إسرائيل التي أكلت دابَّةُ الْأَرْضِ مِنسَأَتَها، وإن لم تكن حماس فوجئت بالنجاح، فقد فوجئت بردّ إسرائيل المدمر والذي كان يزداد تدميرا يوما بعد يوم، غير عابئة بأسراها، وفيهم ضباط كبار، وكانت تظنُّ ونحن معها في الظنِّ أن إسرائيل ستحافظ على أسراها وتقايض بهم آلاف الأسرى الفلسطينيين. وكان الأسير "العملة" هو شاليط، شاليط واحد مقابل ألف ومائتي أسير فلسطيني، وقد شطح الخيال بمحللين أو حالمين أن حماس ستطالب بالإفراج حتى عن معتقليها في الدول العربية!

وفوجئ الناس في أدنى المعمورة وأقصاها بصمود أهل غزة وصبرهم، تحت النار والجوع والحرب والمرض، وفوجئوا بعجز المؤسسات الدولية، وصمت العالم "الحر"، وإن ظهرت أصوات أعلام وشخصيات ليس أولهم الأمين العام للأمم المتحدة الممنوع من زيارة إسرائيل، وكأنَّ رئيس وزراء إسرائيل أعلى رتبة من الأمين العام للأمم المتحدة، أو هو الأمين العام للأمة اليهودية القوية، وأن إسرائيل حولته إلى ناشط سياسي يقف على معبر رفح مستغيثا مستنجدا مثل الزعماء العرب!

فوجئ الناس في أدنى المعمورة وأقصاها بصمود أهل غزة وصبرهم، تحت النار والجوع والحرب والمرض، وفوجئوا بعجز المؤسسات الدولية، وصمت العالم "الحر"

وفوجئنا بأن الغرب ظاهرة صوتية فيما يخص أمر إسرائيل والعرب، وأنها صورية، وأن القوانين الدولية ليست سوى حبر على ورق.

كما فوجئ كثير من الخلق بردّ حزب الله، الذي يجد له محللون عذرا، وهو تحوله عن جبهة المشاركة في الأشهر الأولى للمعركة، إلى جبهة المشاغلة والمشاغبة والإسناد.

وفوجئوا بخطاب حسن نصر الله الصامت في فيديو "الإصبع" الشهير الذي خرج فيه مهددا في الشهر الثاني من الحرب، ووضع إصبعه على الخريطة، ثم غاب، ثم فوجئوا بتحوله إلى جبهة الإسناد بدلا من وحدة الساحات.

كما فوجئ جمهور حزب الله قبل خصومه بمعركة البيجر المرعبة والخبيثة، وفوجئوا أيضا بمقتل أمين عام الحزب و"إمامه"، ومقتل قادته من الصف الأول.

ثم ما لبثوا أن فوجئوا بغياب القائد الثاني، الذي لم "يهنأ" بالمنصب، صهر قاسم سليماني، وابن خالة الأمين العام الراحل، السيد صفي الدين هاشم، ولم يخطب بعد خطاب ولاية الحزب وأمانته العامة.

وفوجئنا بتحليلات أكثر محللي الحزب، الذين نراهم على الفضائيات، وقد أخبرونا بأن المسّ بسماحة السيد يعني أن مفاعل ديمونا سيكون هو ديّة الثأر، بل إن الأمين العالم المقتول بثمانين طنا من القنابل لم يحظ بجنازة تليق بتاريخه. ووصفه محلل من محللي الحزب على الجزيرة، بالشهيد الأقدس! وهذه صفة مبالغة لا تليق إلا بالأنبياء، وتفوق وصف الحسين نفسه! وفوجئنا بارتداد المحللين الذين باتوا يقبلون بوقف إطلاق النار، بل فوجئنا بإعلان نائب سابق من نواب الحزب في البرلمان اللبناني بقوله إنَّ الأولوية لوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، دون ربطه بوقفه في غزة!

وفوجئنا بنزوح جموع من الشعب اللبناني، المجفول إلى سوريا، وكان قسم منهم يشمتون بالشعب السوري، ويظلمونه ويضربونه، بل ويقتلونه، ولم نعتد على العظة والاعتبار بهذه السرعة في تصاريف الأقدار!

وفوجئنا بنسيان أمر حسن نصر الله، أو أنَّ الرد على قتله لم يكن يليق بوزنه ومثابته لدى راعيته إيران، ولدى محبيه ومناصريه! وأن اسم الحزب يرد مرفوعا دائما في التحليلات السياسية، مبنيا غير معرب، فهو "حزبُ الله" بالنصب والجر، وجميع حالات الإعراب.

وإن تحليلات غير قليلة تقول إنّ الحزب قد أوهن، فقد قُتل معظم قادته. وقيل في التفسير والتحليل إن هذه نتيجة الصبر الاستراتيجي في عصر السرعة والخوارزميات والمفاجآت، فالعدو لا يبالي بقواعد الحرب، وإن سبب كسرة حزب الله هو أنه تمدد كثيرا، واحتل سوريا، وبات مكشوفا للعدو، وإن الحزب انشغل بالغنائم والحفاظ على تحالفاته وعلى أصدقائه في الداخل اللبناني.

فوجئنا بردّ حزب الله بالطائرات المسيّرة أمس على عكا وحيفا وهرتلسيا، والناس ينتظرون مفاجآت أخرى قادمة، مثل تحوّل المعركة إلى حرب عالمية كبرى، لأن طفلة مثل غزة قالت للملك: الملك عريان

وفوجئنا بردود إيران، فهو يهدد على لسان قادته ساعة، ويهادن ساعة! وفوجئنا بإفلاس الغرب أخلاقيا، فليس هناك سوى أصوات ضائعة، وبقلق قادة المجتمع الدولي، وأقوال زعمائه: حان الوقت لوقف إطلاق النار، إن يقولون إلا كذبا!

الأمر الوحيد الذي لم نفاجأ به، هو صمت الحملان العربي، وما لا يغفل عنه هو تمدد الحرب، فإسرائيل غاضبة، جريحة وتريد الثأر لكبريائها الجريح، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

وفوجئنا بحرمان رئيس وزراء إسرائيل الأمينَ العام للأمم المتحدة من زيارة إسرائيل، وليس بطرد إسرائيل من الأمم المتحدة، وفوجئنا بتحول الغرب في الشأن الفلسطيني إلى ظاهرة صوتية، وأن زعماء الدول اللاتينية والغربية مثل جنوب أفريقيا وأيرلندا وإسبانيا وفنزويلا ونيكاراغوا؛ أظهروا شجاعة أكثر من أشجع زعماء الدول العربية الصامتة الصامدة وجبنها الاستراتيجي. وفوجئنا بصمت الرئيس السوري "الاستراتيجي"، أحد أبطال محور المقاومة!

وفوجئنا بمظاهرات طلاب الجامعات في أمريكا وبسالتهم، وإجبارهم جامعاتهم على قطع العلاقات البحثية والأكاديمية مع إسرائيل، وبحرق ثلاثة أمريكيين أنفسهم احتجاجا على مشاركة حكومة دولتهم في الحرب على شعب بريء أعزل.

وفوجئنا بردود المجتمع الدولي على قصف إسرائيل لقوات اليونيفل، وبأثر قرارات محكمة العدل الدولية، التي كانت خبرا في الشهر الأول، وقد نُسيت، فليس قضاتها أكثر من عباءات سوداء وقلنسوات، وأن محكمتهم ليست سوى عرض مسرحي..

وفوجئنا بردّ حزب الله بالطائرات المسيّرة أمس على عكا وحيفا وهرتلسيا، والناس ينتظرون مفاجآت أخرى قادمة، مثل تحوّل المعركة إلى حرب عالمية كبرى، لأن طفلة مثل غزة قالت للملك: الملك عريان.

جفلنا والمجافلات تترى!

x.com/OmarImaromar