الكتاب: "تحليل خطاب السخرية في زمن كورونا"
المؤلف: مجموعة من الكتاب
الناشر: مركز تكامل للدراسات والأبحاث، المغرب 2021
ليس أكثر صدمة لأفق التوقع البشري أن يواجه الإنسان مصيره المحتوم بسخرية.. إذ لا شيء يفوق الموت عند الإنسان.. ولقد تحولت جائحة كورونا التي حطت رحالها في عالمنا المعاصر منذ نحو عامين، إلى موت جوال يحصد كل من لانت عزائمه وخارت قواه المناعية في مواجهة الوباء..
وبينما يجتهد العلماء والباحثون في الوصول إلى التطعيم الواقي من الوفاة، والحامي من فتك الوباء، تبدع الشعوب أدواتها في مواجهة الأوبئة بطرقها الخاصة قياسا على تجاربها الخاصة.. لكن أغرب هذه الطرق في مواجهة وباء كورونا الذي اختطف مئات الآلاف من الأرواح، هو خطاب السخرية ليس تقليلا من خطورة هذا الوباء، وإنما فهما وتعاطيا مع تداعياته..
شكل خطاب السخرية نوعًا من المقاومة تجاه ما تعانيه البشرية من تهديد وجودي من قبل فيروس كورونا، واستهدف هذا الخطاب بالسخرية التدابير والإجراءات المواكبة لانتشار الفيروس، وكذلك السخرية من اللامبالين بقدرة هذا الوباء على الفتك بالأرواح. وتعطيل الاقتصاد. ودخول الدول في دوامة الحجر الصحي المؤلم.
في هذا السياق، صدر عن منشورات مركز تكامل للدراسات والأبحاث، كتاب "تحليل خطاب السخرية في زمن كورونا"، مجموعة من المؤلفين، (المغرب، 2021).
يقع الكتاب في 471 صفحةً من القطع الوسط، ويتألف من مقدمة، وأحدى عشر بحث، يتناول المؤلف في التقديم "إبراز مظاهر وأشكال ووظائف خطاب السخرية في زمن الجائحة، وكذلك بيان أهم أدواره وآليات اشتغاله، باختلاف المجالات الاجتماعية التي أنتج فيها. واستهدفت أيضًا تسليط الضوء على البعد النقدي لهذا الخطاب، ومحاولة تأويل دلالاته المختلفة، وعلاقته بكل الاقتصاد والسلطة والثقافة خلال فترة الجائحة. واستهدفت هذه الدراسات كذلك البحث في البنية الإقناعية للخطاب الساخر وقوته الحجاجية، وقدرته على تصحيح الأوضاع الإجتماعية المختلة، ومدى حضور البعد الأخلاقي والقيمي في هذا الخطاب، وفعاليته في مقاومة الوباء وبعض مظاهر الغباء في التعامل معه" (ص 8).
خطاب السخرية يتوفر على بنية إقناعية متنوعة تغري المتلقي بالاستجابة لهذا الخطاب، وقد استفاد الباحث من النظريات الحجاجية التي تسعف في تحقيق غرض الدراسة، خاصة البلاغة الجديدة عند رائدها شاييم بيرلمان، والحجاج اللغوي عند أزفالد ديكرو
تهدف رابعة سوساني، في دراستها "جائحة كورونا والسخرية الرقمية بالمغرب"، إلى "بيان دور السخرية في فترات الجائحات، وإبراز مظاهرها وأشكالها ووظائفها زمن (كورونا) في العالم الافتراضي، في المغرب، ثم تحليل الخطاب الساخر وآلياته وكيفية اشتغاله" (ص 10 ـ 48).
تسلط دراسة الزهديدي عبد الفتاح وأمين جبار، بعنوان: "الخطاب السياسي الساخر في زمن الأزمات ـ أزمة وباء كوفيد 19 نموذجًا ـ"؛ الضوء على البعد النقدي الذي يكتسيه الخطاب السياسي الساخر مع التركيز في الوقت نفسه على ميله العملي خصوصًا في أوقات الأزمات كما تجلى ذلك في أزمة "كوفيد 19". (ص 49 ـ 99).
يهدف محمد خالص، في ورقته البحثية "جائحة كورونا والغرافيتيا مضمرات خطاب السخرية"، إلى قراءة الخطاب الساخر الذي أبدعته الغرافيتيا في زمن انتشار جائحة كوفيد 19. يتخذ الباحث بعض القضايا التي أبدعتها الرسومات الجدارية كنماذج لفعل التأويل. وتحديدًا قضايا الموت والخلود ونقد السياسة. (ص 100 ـ 137).
تستخلص أستاذة الأدب العربي، شهرزاد بلعربي، في دراستها "قراءة الصورة الكاريكاتيرية في زمن الكورونا": "أن الفن الكاريكاتيري يظل الفن الأقدر على النفاذ إلى أعمق القضايا الإنسانية طرحًا ومعالجة لما يملكه من أدوات تقنية، وأشكال تعبيرية تساهم بشكل فعال في معالجة القضايا الحساسة والتي تمس شريحة كبيرة من المجتمع(...) لذا ركز الفنانون العرب عليه منذ بداية ظهور الجائحة فتعاطوه بكل المواضيع المختلفة التي صاحبت تفشي الفايروس، كان منها تحديد خطورة الوباء، وتبين أهمية الالتزام بإجراءات الوقاية والحجر المنزلي إلى تعزيز صورة الطواقم الطبية بين أوساط العامة وقضايا أخرى أفرزها الحجر الصحي وكان لها تأثير واضح على المجتمع الإنساني بشكل عام" (ص 138 ـ 183).
يربط سيدي حسن ازروال، أستاذ الدراسات العربية، في ورقته البحثية "من خطابات الضحك والسخرية في سياق رأسمالية الوباء"، ظهور كوفيد 19، وما حمله من مستجدات، بالرأسمالية، ويطلق لقب "رأسمالية الوباء (الانتقال من الاهتمام بصحة الناس إلى الاهتمام بصحة الرأسمال)؛ من هنا ـ حسب رأيه ـ كان من المنطقي ظهور خطابات الضحك والسخرية، التي وصفت عدم قدرة الإنسان على تجاوز واقعة المرير، في وسائل التواصل الاجتماعي؛ وتنقسم هذه الخطابات إلى قسمين: خطابات الضحك والسخرية البسيطة التي تحاول أن تقترح نفسها علاجًا نفسيًّا للتذمر الذي أصاب الناس؛ وخطابات الضحك والسخرية العميقة التي فضحت الوباء الرأسمالي" (ص 184 ـ 229).
يكشف الباحث في علم الاجتماع، حمادي شربار، في ورقته البحثية، "الدلالة الاجتماعية (للنكتة الشعبية) زمن (جائحة كورونا) بمناطق الصحراء جنوب المغرب"، "عمق تأثير هذه الظاهرة [ظاهرة كورونا] والعلل التي يعاني منها المجتمع بمناطق الصحراء جنوب المغرب، وتبين ضرورة الاهتمام بالأبعاد الثقافية والانثروبولوجية للمنطقة، وتكشف عن قدرة الفرد على تفسير الظواهر الاجتماعية بطريقة فكاهية. في ظل زمن يتسم بالضغط النفسي والاجتماعي، في ظل زمن يتسم بالضغط النفسي والاجتماعي، وقد استحفل هذا الضغط في زمن الحجر الصحي، من خلال مجموعة من الممارسات التي يقوم بها الأفراد التي تبين سخريتهم من الواقع الذي يعيشونه، ففي غياب القدرة على تغيير الواقع الاجتماعي، يقوم المجتمع بالسخرية على مجموعة من السلوكات التي تظهر عمق الأزمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالمغرب" (ص 230 ـ 257).
"الشاعر المعاصر بحسه التوعوي راح يحذر من خطر الجائحة بأسلوب ساخر فيه من (الجد والدعبة والمزاح الشّيء الكثير)"
أما الباحث في الدراسات النقدية، لوالي خالد بو عبدالله، فيرى في دراسته: "سِيميائية الشعر الوبائي بين السخرية والجدية المعلقة الكورونية أنموذجًا"، بأن "الشاعر المعاصر بحسه التوعوي راح يحذر من خطر الجائحة بأسلوب ساخر فيه من (الجد والدعبة والمزاح الشّيء الكثير)". ويحدثنا عن الشاعر السوري خالد جميل الصدقة، "الذي نظم قصيدة يعارض بها الشاعر الجاهلي (عمرو بن كلثوم)، سماها (المعلقة الكورونية)، وبحسب الباحث، أنه يلمس من القصيدة "محاولة الشاعر غرس رسالة هادفة، تتمثل في بث روح المسؤولية في المتلقي، مع توضيح الأسباب الموضوعية التي أدت إلى تفشي هذا الطاعون" (ص 258 ـ 288).
يسعي الباحث في الدراسات العربية، بن الطيب يوسف، في دراسته: "وظائف الخطاب الصحافي الساخر في زمن الوباء" إلى "بحث الوظيفة الإصلاحية للسخرية، في مجالاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في عمود شُوفْ تْشُوف" لرشيد نيني، مركّزًا على ما نشره خلال فترة الحجر الصحي فقط، ودراسة بعض الأساليب التي اعتمدها في سخريته الحاملة للوظيفة الإصلاحية، وكيفيه تناولها من خلال الأحداث التي رافقت الجائحة، وبيان الموضوع الأهم في كتاباته الساخرة في مرحلة الوباء..." (ص 289 ـ 322).
أما الباحث في البلاغة وتحليل الخطاب، يحيى الشراع، فيسعى في دراسته: "وباء كورونا: السخرية والسلطة والخطاب" إلى "النظر في خطاب الوباء من خلال علاقته بالسلطة، مرتكزًا على ما أنتجه المغاربة في زمن وباء كورونا من تعابير ساخرة ومختلفة (صور، كاريكاتور، أغاني، شعارات،...) على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولوها فيما بينهم". وتوصل الباحث إلى "تَسًيُّد خطاب الوباء المشهد المجتمعي، بناء على امتلاكه مقومات الخطاب القوى من حضور وفاعلية وتأثير" (ص323- 360).
أما الباحث في الدراسات العربية، عبد الله شكربة، ينطلق في ورقته البحثية "بنية الإقناع في خطاب السخرية"، من "فرضية عامة مفادها أن خطاب السخرية يتوفر على بنية إقناعية متنوعة تغري المتلقي بالاستجابة لهذا الخطاب، وقد استفاد الباحث من النظريات الحجاجية التي تسعف في تحقيق غرض الدراسة، خاصة البلاغة الجديدة عند رائدها شاييم بيرلمان، والحجاج اللغوي عند أزفالد ديكرو" (ص 361 ـ 390).
يدرس الباحث في الدراسات الإسلامية، الخليل الواعر، في ورقته البحثية بعنوان: "خطاب السخرية وسؤال الأخلاق بين الفلسفة والدين"، الخطاب الساخر باعتباره "ردة فعل غريزية، وآلية رقابية تصحيحية للأوضاع الاجتماعية". يسعى الباحث في هذه الورقة إلى الإجابة عن "مدى حضور سؤال الأخلاق وروح القيم في الخطاب الساخر، وذلك بعرض مواقف ثلاثة، حيث أبانت عن آراء متبانية تجاه هذا النوع من الخطاب".
يمكن القول إن الموقف الأول والثاني "أجاز الخطاب الساخر شريطة أن ينطلق من عمل فكري وإبداعي، وأن يحمي منظومة القيم السائدة ينخرط في قضايا المجتمع، وكل عمل يخلوا من نسق الأخلاق ـ في رأيه ـ يظل عديم المعنى. فحين اختار (الموقف الثالث) منع الخطاب الساخر بين المسلمين وغيرهم، ولم يجزه إلا في حدود ضيقة تتعلق برد هجوم ساخر مماثل، لما له من مآلات سلبية على العلاقات الاجتماعية" (ص 391 ـ 434).
يخلص الباحث في الدراسات العربية، عبد الرزاق عاشق، في ورقته البحثية "السخرية في زمن كورونا بين مقاومة الوباء ومحاربة الغباء"، إلى أن "وظائف الخطاب الساخر باعتباره آلية دفاعية لمقاومة الأزمات تشتغل على مستويين: تمثل المستوى الأول في الدور السيكولوجي الذي يروم الحفاظ على توازن الفرد النفسي، والتخفيف من تداعيات الأزمة النفسية عبر بث روح الفكاهة والانشراح، فيما تجلى المستوى الثاني في الدور النقدي التصحيحي من خلال نقد السلوكات المستهترة والجاهلة بخطورة الداء. والإقناع بضدها" (ص 392 ـ 471).
*كاتب فلسطيني
الهوية الملتبسة عامل أساسي في تقويض دولة الاحتلال الإسرائيلي
جرح الجزائر الذي يأبى أن يندمل.. من جرائم الاحتلال الفرنسي
انتشار الفقر في الوطن العربي بسبب الفساد وفشل التنمية (2من2)