الكتاب: "مقدمة مختصرة في العلاقات الخارجية الأمريكية"
المؤلف:أندرو بريستون
ترجمة: أحمد طارق البوهي
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2021
يرى أندرو بريستون، أستاذ التاريخ والدراسات الدولية والمتخصص في التاريخ الأمريكي، أن تاريخ العلاقات الخارجية الأمريكية يجب أن يكون محط اهتمام أي شخص في أي بلد كان. ذلك أن تأثير الولايات المتحدة، وبخلاف أي قوة عظمى، قد امتد وطال كل دول العالم، منذ بداية القرن العشرين، حيث بلغ حضورها الثقافي، والعسكري، والاقتصادي، والسياسي، حدا من العظم جعل من سلوكها في علاقاتها مع غيرها من الدول أهمية استثنائية.
إننا، كما يقول، نعيش في عالم خلقته إلى حد كبير، القيم والنظم والتقنيات والقوة الأمريكية، لذلك فإنه يبدو فهم تاريخ العلاقات الخارجية الأمريكية بالغ الأهمية لفهم العالم، مع ضرورة الانتباه إلى أن القول بعظمة القوة الأمريكية لا يعني دائما أنها كانت خيّرة، كما لا يعني أن أمريكا كانت مطلقة القوة في العالم أو أن نفوذها كان حاسما.
في مقدمة كتابه يشرح بريستون سبب استخدامه لمصطلح "تاريخ العلاقات الخارجية" بدلا من "التاريخ الدبلوماسي" المصطلح الأكثر شيوعا، معتبرا أنه أشمل، إذ لا يقتصر على سياسة الدولة والاستراتيجيا العسكرية الدبلوماسية العالية، ويتضمن إلى ذلك التفاعلات غير الدولية النابعة من التجارة والهجرة، والبعثات الدينية والثقافية، سيما أن الأثر العالمي الأمريكي لم يكن في الأغلب يتعلق بالدبلوماسيين والاستراتيجيين القابعين في واشنطن، على حد تعبيره.
الأحادية
يراجع بريستون في كتابه هذا سبعة مواضيع رئيسية يرى أنها تضيء الطريق لفهم وتحليل تاريخ العلاقات الدولية الأمريكية.
في الفصل الأول المعنون بـ "المبادئ الأولى" يتحدث عن قصة تأسيس الولايات المتحدة التي يعتبرها عملا من أعمال السياسة الخارجية، ويشير إلى الأهمية التي توليها الدول الكبرى في نشأتها لتبني مجموعة من القيم، يجد أن الولايات المتحدة اهتمت بها بشكل غير عادي، نظرا للاعتقاد السائد وقتها بخصوصية هذه الدولة وخصوصية الدور الذي من شأنها أن تؤديه، وهي كما يقول، الأيديولوجيا المعروفة بـ "الاستثنائية".
في هذا الفصل أيضا يتوقف بريستون عند أهم المعضلات التي واجهت هذه الدولة الوليدة في حرب الاستقلال، وانشغال الآباء المؤسسين بإقامة التحالفات مع الدول الأخرى مع الحرص على استقلالية دولتهم، حيث دشن الرئيس الخامس للولايات المتحدة جيمس مونرو ما عرف باسم "عقيدة الأحادية" التي تمتنع الولايات المتحدة بموجبها عن إقحام نفسها في المسائل الأوروبية وعليه يجب على القوى الأوروبية ألا تتدخل في الشؤون الأمريكية.
وتعهدت بموجب هذا المبدأ، أو العقيدة، الولايات المتحدة بعدم التدخل في المستعمرات الأوروبية في العالم الجديد، إلا أنها أكدت على أن نهاية أي حكم استعماري يجب أن تؤدي إلى الاستقلال الوطني لتلك المستعمرة. هذا عدا عن قاعدة أخرى تنص على أن الامبراطوريات الأوروبية لا يمكنها توسيع نطاق حكمها في الأمريكتين.
يقول بريستون: إن المبادئ الأولى المتمثلة في "الأحادية" الدولية و"الاستثنائية" الخلقية ترسخت بقوة منذ ذلك الوقت، بحيث اعتقد الأمريكيون أنهم أمة مختارة مختلفة عن بقية الأمم وأفضل منها، وأن بلدهم مقدر لها القيام بأمور عظيمة. وعليه فإن لها صلاحية العمل منفردة من دون إعاقة أي شراكات مع الدول الأخرى.
تغيير العالم
ينتقل برستون بعد ذلك للحديث عن فكرة "التوسعية" التي يرى أنها لعبت دورا مهما في الكيفية التي ينظر بها الأمريكيون للعالم من حولهم. يقول إن هذه الفكرة كان لها معنى حرفيا في البداية، تمثل في الاستحواذ على الأراضي، لتتحول الولايات المتحدة من ثلاث عشرة مستعمرة متناثرة على طول الساحل الشرقي لقارة أمريكا الشمالية إلى الولايات المتحدة التي نعرفها اليوم.
فكرة التوسعية هذه، التي جاءت نتيجة الشعور بالاستثنائية، ستصبح فيما بعد أهم ما يحرك السياسة الخارجية الأمريكية في كل مكان خارج حدودها. التوسع والتقدم كان يعني نشر القيم الأمريكية مدفوعا برغبة في تغيير العالم الخارجي، ليس لفائدة الأمريكيين فحسب، ولكن أيضا لمصلحة غيرهم، حتى وإن كان ترحيب غير الأمريكيين بهذا "التقدم" والتوسع" محل شك.
يتناول بريستون في الفصل الثالث الكيفية التي أصبحت بها الولايات المتحدة مع نهاية القرن التاسع عشر القوة الاقتصادية الأكثر تفوقا في العالم، حيث الوفرة في الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية، والموانئ على محيطين، ورؤوس الأموال. تبع ذلك دورا حيويا أكبر على الساحة السياسية الدولية، من التدخل المباشر ضد إسبانيا في حرب الاستقلال الكوبية وفي الفلبين أيضا، إلى مشاركتها في الحرب العالمية الأولى "التي قلب دخول أمريكا فيها الموازين".
الأمن الحر
واحد من الموضوعات التي يناقشها بريستون هو مركزية الحرب في التجربة الأمريكية على المستويين الخارجي والداخلي. يقول إن من أكثر الخرافات القومية انتشارا أن الولايات المتحدة لا تشن الحرب إلا لماما، وأنها لا تسارع إليها. ويضيف إن الأمريكيين في واقع الحال غالبا ما كانوا يلجأون إلى القوة المسلحة لتحقيق أهدافهم. لقد كانت الحرب هي الجانب الأكثر استمرارية في العلاقات الخارجية الأمريكية على مدار المئتين وخمسين عاما الماضية، وكان لها أثر عميق في تطور الثقافة والاقتصاد والضوابط الاجتماعية والمؤسسات السياسية الأمريكية. لكن الولايات المتحدة لم تكن دولة مثيرة للحروب بشكل استثنائي، لقد كانت كغيرها من الدول لا أكثر عدائية ولا أقل، بحسب بريستون.
التوسع والتقدم كان يعني نشر القيم الأمريكية مدفوعا برغبة في تغيير العالم الخارجي، ليس لفائدة الأمريكيين فحسب، ولكن أيضا لمصلحة غيرهم، حتى وأن كان ترحيب غير الأمريكيين بهذا "التقدم" والتوسع" محل شك.
يشير بريستون أيضا إلى أهمية الدور الذي لعبه الموقع الجغرافي للولايات المتحدة في علاقاتها الخارجية، فهي محاطة من جميع جوانبها بـ "غياب التهديد"، وهو ما يشير إليه المؤرخون بـ "الأمن الحر". فالولايات المتحدة على مدى تاريخها لم تواجه خطر الغزو أو الاحتلال الأجنبي، في حين عاش معظم منافسوها من القوى العظمى هذه التجربة بشكل متكرر. لكن يستدرك بريستون بأن ذلك لم يكن في يوم من الأيام ليعني انعزال الأمريكيين وانشغالهم بأمورهم فقط، وهو ما تحاول "خرافة" الانعزالية الترويج له.
يقول بريستون إن الأمريكيين جابوا الكوكب بحثا عن التجارة وعن الذين يمكن "هدايتهم" إلى القيم الأمريكية، بينما عكست الحرب الجانب الأكثر قتامة من التفاعل الأمريكي مع باقي العالم. إن الأمريكيين، في مجمل تاريخهم، يتصرفون "أحاديا" ووفقا لشروطهم الخاصة، لكن هذا يختلف عن "الانعزالية .. المصطلح الانفعالي الذي انتشر بوصفه نعتا سياسيا خلال الجدل الذي دار حول التدخل في الحرب العالمية الثانية". من جهة أخرى فقد سمح هذا المصطلح "الخرافة" للأمريكيين بـ "الاعتقاد بوجود عصر ذهبي لا وجود له كانت فيه الأمور أقل تعقيدا، وتحكم خلاله الأمريكيون بمصيرهم".
القوة الفائقة
يتوقف بريستون أيضا عند تفاصيل مراحل الحرب الباردة، التي بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بين القوتين العظميين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، ويبحث في أسباب الصراع بين الحليفين السابقين، الذي دام لنحو أربعين سنة، خاضت خلالها الولايات المتحدة حربها الأكثر دموية ومأساوية في فيتنام، وما تلاها من تطبيع للعلاقات مع الصين.
ثم ينتقل لتحليل سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، والطريقة التي تعاملت بها مع الصراع العربي-الإسرائيلي، وغير ذلك من قضايا المنطقة الساخنة، ليصل إلى الفصل الأخير من كتابه المعنون بـ "القوة الفائقة وشكاياتها" والذي يناقش فيه حقبة الهيمنة الأمريكية الكاملة على الشؤون العالمية.
في هذا الفصل يعرض بريستون لرؤيتين نظريتين لكل من فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون، حيث يتنبأ فوكوياما باستقرار العالم على قبول المبادئ الديمقراطية الليبرالية الأمريكية، بينما يرى هنتغتون أن القادم صراع متجدد حول الهويات الثقافية لحضارات العالم المختلفة.
يقول بريستون إنه "لحل مشكلات ما بعد الحرب الباردة كونت رؤيتا هنتنغتون وفوكاياما خليطا عرف باسماء متنوعة مثل "التدخلية الليبرالية" و"التدخلية الإنسانية" و"مسؤولية الحماية"، حيث تستخدم الديمقراطيات الليبرالية قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في نهاية الأمر، لهزيمة القوى الدينية والإثنية وقوى العنف القومي، المعادية للتاريخ. وكانت النتيجة هي تبرير أيديولوجي جديد للحروب الخارجية، ليس مختلفا عن الإمبرالية الليبرالية للقرون السابقة، حيث ستقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بالتدخل في البلاد الأخرى لخيرها ولضمان أمن الآخرين كذلك.. حتى وإن كان يعني انتهاك مبدأ أقدم بكثير في القانون الدولي ألا وهو السيادة الوطنية".
وينهي بريستون كتابه بالحديث عن التحديات التي تواجهها هذه الهيمنة الأمريكية، والمتمثلة بشكل أساسي بالصعود القوي للصين، حيث يرى أن التنافس بين البلدين سيحدد بدون شك شكل العلاقات الدولية لعقود قادمة، وأن احتمالية نشوء نزاع عسكري ستكون المسألة الاستراتيجية الكبرى التي تواجه العالم في أوائل القرن الحادي والعشرين.
رؤية جديدة للديمقراطية غير الوافدة البرّانية من الغرب (1من2)
الكاتب والسلطان من الفقيه إلى المثقف.. أية علاقة؟
مؤرخون وعلماء يستعرضون سبل التعامل مع الأوبئة عبر الأزمنة