تعثرت المفاوضات، وتعثرها كان راجحا لأسباب معلومة نختصرها في عدم تهيئة المناخ وعدم تطور أوضاع ما بعد هزيمة حفتر في طرابلس بشكل يجعل التفاوض والتسوية خيارا لا بديل عنهما للطرف المهزوم، والتعثر يعني إحباطا وخلق وضع يسمح بتفجر الوضع واستغلال الفراغ لإطلاق مغامرة جديدة، صاحبها معلوم وراعيها كذلك.
دلالة التركيز على تركيا
خطاب حفتر الذي ركز فيه على تركيا ودعاها فيه إلى الانسحاب أو مواجهة الحرب يُفهم منه مقدار الغضب والحنق على أنقرة التي أفسدت على حفتر حلمه وبددت طموحه بأن يسيطر على مقاليد الحكم وقد كان قاب قوسين أو أدنى من ذلك، وشغل الرأي العام بقضية تجعله يواصل تأييده له، وقد يُفهم منه أيضا أنه اتجاه ترعاه العواصم الإقليمية التي ترى في تركيا اليوم عقبة أمام مخططاتها لتثبيت حكمها وتحقيق مكاسب سياسية ومغانم اقتصادية.
ووفقا لهذا التفسير فإن حفتر وداعميه يسعون للتصعيد لفرض واقع مختلف تتعامل معه الإدارة الأمريكية الجديدة بشكل يرضي حفتر وحلفاءه الإقليميين، فالمعلوم أن الرئيس المنتخب، جو بادين، ساخط على أردوغان وسياسته في المنطقة، وجعل التدخل التركي في ليبيا محور ارتكاز خطاب وموقف وفعل حفتر وحلفائه قد يكون عاملا موازنا لغضب واشنطن من وجود روسيا على بعد بضع مئات الأميال عن مناطق نفوذ ومصالح حيوية بالنسبة للولايات المتحدة.
لا شك أن حفتر يواجه أزمة تتمظهر في شكل تصدع في القاعدة القبلية والشعبية وتراجع التأييد المطلق له ولمشروعه، وما جره سلوك أبنائه من سخط لدى شريحة فاعلة في أهم مدن الشرق وما صاحب ذلك من انفلات أمني وانتهاكات صارخة،
مؤشرات الاتجاه إلى إعادة تأزيم الوضع أمنيا تعكسها عملية التعبئة والتحشيد التي شهدت وتيرة عالية نسبيا مؤخرا، وصحبتها جهوزية عسكرية ورفع حالة التأهب، وتحرك على الأرض كان يمكن أن يكون ذا أثر عسكري وتعبوي مهم إذا نجح، وهو محاولة السيطرة على معسكرات حيوية بأوباري. أيضا تشهد طرابلس حالة اضطراب يعتقد كثيرون أن لها علاقة بمخطط التأزيم بمنطقة سرت والجنوب.
المواجهة المحتملة، أو الضغط باتجاهها، قد يكون مبررا لبلورة موقف أمريكي أوروبي يجعل إخراج تركيا من ليبيا ضمن أجندة التوافق الدولي على حل النزاع الليبي، لكنه لن يكون على حساب تجاهل الوجودي الروسي، بمعنى أن المقاربة المحتملة التي ستتبناها واشنطن وتدعمها الدول الأوروبية تقوم على منع فتيل حرب الوكالة، وقطع الطريق على استثمار التناقضات المحلية لصالح أجندات إقليمية أو دولية.
غاية سياسية
ولأن تفجر الوضع من الجديد لن يكون مقبولا أمريكيا وأوروبيا، لأنه كان الدافع لجر ليبيا إلى تجاذبات خارج النفوذ الأمريكي ـ الأوروبي، وتعزيز الوجود الروسي ـ التركي فيها، فقد يكون الغرض من التصعيد في الخطاب والتعبئة على الأرض هو الالتفاف على الحوار السياسي وتوجيه التوافقات بشكل يحقق لحفتر أكثر مما هو مأمول بعد هزيمته على أسوار طرابلس.
لا شك أن حفتر يواجه أزمة تتمظهر في شكل تصدع في القاعدة القبلية والشعبية وتراجع التأييد المطلق له ولمشروعه، وما جره سلوك أبنائه من سخط لدى شريحة فاعلة في أهم مدن الشرق وما صاحب ذلك من انفلات أمني وانتهاكات صارخة، ولقد شكل خلافه مع عقيلة صالح نقطة ضعف زادت من العقبات أمامه لتمرير توافق يحقق له الحد الأدنى من النفوذ في التسوية المرتقبة.
بهذا يمكن تفسير موقف حفتر وحلفائه على أنه مسعى لإعادة تموضعه في المشهد السياسي بعد أن اهتز نفوذه وتراجع مشروعه العسكري، ليكون الانتعاش العسكري أو المواجهة المحدودة بمثابة إعادة تقييم لنفوذه يمحو الأثر السلبي لهزيمته في المنطقة الغربية، ويفسح المجال لمبادرات من طرابلس أو مصراته ترضيه، وذلك في ظل الفشل الذي يحيق بملتقى تونس.
وأخلص إلى القول إن حفتر يواجه أزمة حقيقية سببها ارتماؤه في أحضان الروس وفسح المجال لهم للتمركز عسكريا في ليبيا، الأمر الذي تسامحت معه الإدارة الأمريكية الراحلة، لكن لن تقبل به الإدارة القادمة، وإذا حيل بين حفتر والروس فلن يتيسر له القيام بأي تحرك عسكري، وحفتر لا يتنفس إلا بالحروب، وسيواجه مزيدا من التصدع في جبهته إذا صارت الأمور بهذا الاتجاه.
السودان ولعب العسكر بالبيضة والحجر
ماذا يعني اعتماد سعر صرف 4 دنانير للدولار للاقتصاد الليبي؟