راج عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن سعر صرف
الدينار الرسمي يمكن أن يرتفع بقرار من المصرف المركزي الليبي ليصل إلى مستوى كان
عليه خلال العام 2020م، وهو نحو 3.8 دينار ليبي للدولار الأمريكي. ومعلوم أنه قد
تم فرض رسوم على بيع العملات الأجنبية بما يعادل 183% وذلك بعد إقرار حزمة
الإصلاحات
الاقتصادية من قبل حكومة الوفاق العام 2018م، ثم اتخذ المصرف قرارا
بتخفيض سعر صرف الدينار أمام الدولار إلى 4.8 دينار للدولار تقريبا، وذلك بعد
التوقيع على اتفاق تونس ـ جنيف واستلام حكومة الوحدة الوطنية مقاليد الحكم العام
2021م.
مع نهاية العام 2023م، طالب محافظ المصرف
المركزي مجلس النواب فرض ضريبة على بيع العملات الأجنبية بمقدار 27%، ليصبح قيمة
الدولار بالدينار في المصارف 6.15 دينار، وبعد التغيير الذي وقع في إدارة المصرف
المركزي والذي انتهى إلى تنحية الصديق الكبير وتعيين ناجي عيسى بديلا عنه، تقرر
تخفيض الضريبة المفروضة على العملات الأجنبية إلى 20%، وهذا يعني أن قيمة الدولار
المتاح في المصارف صارت 5.75 دينار للدولار.
شهد الدولار في السوق الموازي اليوم تراجعا
كبيرا إلى نحو 6.2 دينار للدولار بعد أن تجاوز الـ8 دنانير للدولار خلال شهر سبتمبر
الماضي، ويرجع مراقبون الانخفاض إلى كلام حول اتجاه المصرف المركزي إلى العودة إلى
سعر صرف 3.8 دينار للدولار، وساعد على رواج هذه الشائعة الإجراءات التي اتحذها
المصرف المركزي المتعلقة بالسيولة ورفع القيود المفروضة على تداول
العملة المحلية.
المفترض أن الحكم على إمكانية تنفيذ مثل هذه
السياسة صار شيئا بديهيا، بمعنى أن النظر إلى الواقع السياسي والاقتصادي الراهن
سيساعد كثيرا على قبول هذه الشائعة أو رفضها، فعلى المستوى السياسي، الوضع لا يشهد
استقرارا يمكن أن يساعد على معالجة المختنقات الاقتصادية التي تدفع باتجاه سعر صرف
مرتفع للعملات الاجنبية، أيضا فإن الوضع الذي عليه الاقتصادي الليبي، والمالية
العامة الليبية، عصي على التفكير في اتجاه رفع قيمة الدينار أمام الدولار.
الدهليز الذي دخله الاقتصاد الليبي منذ
عشرات السنين والذي انتهى به إلى التشوه الراهن يصعب معه الرجوع إلى سقف 3.8 دينار
للدولار، خاصة في ظل الظرف السياسي الخانق والذي يحول دون تبني إصلاحات هيكلية
تمهد لاستقرار نقدي وسعر صرف منخفض للدولار.
نحن أمام معضلة مستحكمة وهو أن الإنفاق
العام مرتفع وقابل للزيادة بشكل مطرد، في مقابل إيرادات إن لم تتراجع فلا تشهد
زيادة مبشرة، ولا بدائل في الأفق القريب، في ظل الظروف القاهرة سياسيا وأمنيا
واقتصاديا، يمكن أن تغير هذه المعادلة المختلة، بأن يتم تخفيض النفقات أو تعظيم
الإيرادات.
نحن أمام معضلة مستحكمة وهو أن الإنفاق العام مرتفع وقابل للزيادة بشكل مطرد، في مقابل إيرادات إن لم تتراجع فلا تشهد زيادة مبشرة، ولا بدائل في الأفق القريب، في ظل الظروف القاهرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، يمكن أن تغير هذه المعادلة المختلة، بأن يتم تخفيض النفقات أو تعظيم الإيرادات.
أقر مجلس النواب ميزانية بإجمالي مصروفات
بلغت نحو 180 مليار دينار، ولتغطية هذا الإنفاق عند سعر صرف 3.8 دينار للدولار
نحتاج إلى ما يزيد على الـ47 مليار دولار أمريكي كإيرادات، وهذا لا يمكن تخيله في ظل
الوضع المحلي والخارجي الراهن.
وإذا خفضنا سقف التطلعات واقتنعنا بتمويل
متواضع لمشروعات التنمية بالإضافة إلى النفقات الأساسية من مرتبات ودعم وإنفاق
تسييري للجهاز الحكومي، فإن الميزانية ستكون في حدود الـ130 مليار دينار، أي ما يعادل الـ34 مليار دولار، وبفارق يقترب من 15 مليار دولار عن الإيرادات الحالية، بعد خصم
نفقات المؤسسة الوطنية للنفط وحصة الشركاء...إلخ، وهذا عجز لا يمكن القبول به من
أي صانع سياسة اقتصادية رشيدة.
أجزم بأن السياسات الاقتصادية الرشيدة (خاصة
السياستين المالية والنقدية) تتطلب ظروفا
سياسية ملائمة تجعل الأثر الإيجابي لتلك السياسات غالب، كما تستلزم توافقا كبيرا
بين صانعي السياسات (الحكومة والمصرف المركزي)، حتى نتفادى التضارب الذي يفقد
السياسات الأثر الفعال بل ويقود إلى خيارات مردودها قاس على الاقتصاد وعلى
المواطن، وهذا خيار المدى القصير.
أما في المدى المتوسط والبعيد، فإن هناك
حاجة ماسة جدا إلى إصلاح هيكلي للاقتصاد الليبي ينتهي إلى أن تتراجع الالتزامات
المالية على الخزانة العامة في شكل مرتبات ودعم وإنفاق جارٍ، ليتحمل القطاع الخاص
الليبي والمستثمر الأجنبي جزءا كبيرا منها.
كلا البديلين، خيار المدى القصير وخيار
المدى المتوسط والبعيد، لا يمكن السير فيهما أو تحقق مردود منهما في ظل النزاع
والصراع القائم، وقد شهدنا كيف أن السياسة وتداعياتها كانت في مقدمة أسباب تردي
الوضع الاقتصادي والدفع باتجاه السياسات الاقتصادية الخاطئة.