كلام رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الذي جاء في مقابلة تلفزيونية على قناة "فرانس 24" فُسِر على أنه انقلاب عاجل على ما تم الاتفاق عليه في باريس، هذا ما قاله صراحة بعض أعضاء البرلمان، وأصبح منطلق لحملة ضد المجلس الأعلى للدولة بالقول إنهم الطرف المعطل والمعرقل لأي اتفاق.
السيد المشري لم يصرح ما يفهم منه انقلابا على النقاط الي تم الاتفاق عليها في اجتماع الثلاثاء الماضي، أي لم يتفوه بكلمة مباشرة ضد الإعلان، بل ذكر أنه مهم واعتبره خطوة تساعد على تخطي الأزمة الراهنة.
لكن عند الشروع في تفكيك الحدث بالتركيز على أسباب الدعوة وأهدافها يمكن أن نصل إلى نتيجة مفادها أن بعض ما قاله المشري بالفعل ينقض الاتفاق.
هناك دواع عدة خلف مبادرة ماكرون منها ما هو متعلق بمصالح فرنسية عامة ومنها ما هو شخصي يهم الرئيس، والشرح يطول لتجلية المصالح الفرنسية والمساحة هنا لا تسمح بالحديث المفضل.
وباختصار، ليس من المبالغة القول إن حاضر ومستقبل المشير خليفة حفتر محوري في مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ففرنسا حليف له، وراهنت ولا تزال تراهن على أن يكون لاعبا أساسيا في المشهد الليبي، إن لم يكن اللاعب الأساسي، بالتالي فإن أي موقف أو توجه يصادم هذا الرهان هو ناقض للمبادرة الفرنسية.
السيد المشري صرح في المقابلة أنه لا يعترف بشرعية خليفة حفتر، بل تكلم في صلاحية البرلمان وهو ما يفهم منه عدم مشروعية قرار تعيين حفتر قائدا للجيش وتنصيبه مشيرا، وأن يصر على أن حفتر مطلوب للعدالة، فإنه من الصعب القول إن المشري يقبل بجوهر المبادرة، وأنه يمكن أن يتكيف مع أحد أهم غاياتها وهي إدماج حفتر سلميا في التسوية السياسية المرتقبة.
وللبعض أن يسأل: هل كان السيد المشري يعي ما يقول في المقابلة التلفزيونية وهو ما يزال في فرنسا ولم يبتعد كثيرا عن مقر الإليزيه، وأنه بذلك يُثبِّت أول المسامير في نعش مبادرة الرئيس ماكرون التي لم يجف حبرها بعد؟!
والجواب بعضه متوفر في المقابلة ذاتها حين كرر المشري مضمون ما صرحه به في المقابلة لمندوب الإليزيه أو الخارجية الفرنسية الذي حمل له دعوة المشاركة في الاجتماع، بمعنى أنه نقل تحفظاته للمضيف قبل الاجتماع.
أكثر وضوحا من ذلك بيان المجلس الأعلى للدولة وشروطه الأربعة، ومنها شرطان يتعلقان بحفتر: الأول هو المطالبة بعدم حضوره للاجتماع، والثاني التنديد بالحرب على درنة وحصارها والمطالبة بوقف إطلاق النار ورفع الحصار، وحفتر عراب الحصار والحرب بلا أدنى شك.
وهنا، يمكن أن نسلك مسلكا غير وعرة معالمه، فيما يتعلق بتحديد خلفية التصريح، وهو أن المجلس الأعلى -أو رئيسه- لم يكونا (يكون) متحمسا للمبادرة ولكنه أراد أن يعطي فرصة لأي جهد قد يسهم في تحريك الماء الراكد. أو أنه وجد أن رفضه الحضور قد يكون بمثابة نقطة سوداء في ملفه ودليل إدانة في أنه لا يريد وفاقا ولا ينشد حلا للأزمة، وحضر الاجتماع من باب ذر الرماد في العيون.
قد يصعب وصف كلام المشري بالمأزوم، ولكنه ألقى بظلال قاتمة على المبادرة وسيكون سببا لقلق فرنسي وربما ضغوط لأجل تجلية الغمامة السوداء.
في المقابل إذا وقع مزيد من التصعيد من منطلق توظيف كلام المشري ضده شخصيا وضد المجلس الأعلى للدولة من الطرف المنازع، عندها قد يضطر المشري إلى التوضيح بصيغة بعيدة قليلا عن كلامه في فرنسا 24، بمعنى أنه سيجنح لمفردات السياسة وليس لخطاب المبادئ التي تشبع بها حديثه في القناة الفرنسية.
الدولة والمجتمع الأهلي.. أيهما الوطني حقا؟
ليبيا: الغث والسمين في الترتيبات المالية للعام 2018م
هل انتهى دور حزب العدالة والبناء؟