إقرار الترتيبات المالية يوم الأربعاء الماضي جاء بعد انتظار وجدل، حيث ساد التفاؤل بإمكان اعتماد ميزانية عامة، بعد انقطاع دام أربع سنوات، لكن اعتماد الترتيبات المالية كان بمثابة الإعلان عن فشل جهود التوافق الاقتصادي والمالي.
والترتيبات المالية وسيلة تم استحداثها بعد الانقسام السياسي، وبعد أن صارت السلطتان المالية والنقدية منفصلتين عن المجلس التشريعي الذي من المفترض أن يناقش مشروع الميزانية ويصدر قانونها ويراقب الحكومة في تنفيذها.
فالترتيبات المالية هي في المضمون ميزانية عامة غير معتمدة من البرلمان، وليس له سلطة رقابية على إنفاقها، لكنها وسيلة نافذة بسبيل الأمر الواقع وللتغلب على الآثار الكارثية للانقسام السياسي.
تم اعتماد الترتيبات المالية بالتشاور بين المصرف المركزي والمجلس الرئاسي ووزارة مالية الوفاق بإجمالي 42.5 مليار دينار ليبي (ما يعادل 32 مليار دولار أمريكي تقريبا)، وبزيادة 5 مليارات دينار عن الترتيبات المالية للعام 2017م.
لم يتحدث المجلس الرئاسي والحكومة التابعة له عن خطة واضحة الملامح للنشاط الاقتصادي تسبق عريضة الانفاق العام، ويبدو من التأمل في الترتيبات المالية الجديدة أن لا مجال لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم اعتماده مؤخرا.
القيمة الأوفر من الـ 42.5 مليار، بحسب بيان المجلس الرئاسي، ستكون لبند المرتبات والتي خصص لها 24.5 مليار دينار ليبي، وبزيادة تبلغ 3.5 مليار دينار عن القيمة الاجمالية للمرتبات العام الماضي، وزيادة بهذا الحجم تتطلب توضيحا من الرئاسي والحكومة، إذن بالنظر إلى متوسط المرتبات الذي لن يتعدى مبلغ 800 دينار شهريا فإن هذه الزيادة تغطي أكثر من 350 ألف وظيفة، فهل تمت إضافة هذا الرقم الكبير للكادر الوظيفي للدولة هذا العام، أم أن للزيادة تفسيرا آخر؟!
الدعم خُصص له 6.5 مليار، والتسييرية 6.7 مليار، والتنمية 4.7، وبزيادة تتجاوز مليار دينار موزعة على البنود الثلاثة، مع ملاحظة أن فائض الترتيبات المالية للعام الماضي بلغ نحو 4 مليارات دينار، لم يتم صرفها لأسباب عدة يطول شرحها.
في جانب الإيرادات، فإن المقدر من عوائد النفط لتغطية المصروفات بلغ 27 مليار دينار ليبي وبإضافة 2 مليار دينار وهي الإيرادات الأخرى بحسب بيان المجلس الرئاسي، فإن مقدار العجز هو 13.5 مليار دينار.
البيان ذكر أن 10 مليارات ستمول من خلال قرض من المصرف المركزي، لكن الرئاسي لم يذكر كيف سيمول باقي العجز البالغ 4.5 دينار: هل من خلال الأرصدة المتبقية في حسابات الخزانة مثلا، مع التنويه أنه تم الاعتماد على هذا المصدر في العام الماضي وبلغت نسبة العجز في تحصيله حوالي 76%.
هناك أيضا تحدي عدم تحصيل الإيرادات وفق المعتمد بالترتيبات المالية لأسباب عدة أبرزها العامل الأمني، فقط بلغ العجز في تحصيل إيرادات النفط في العام 2017 نحو 2.5 مليار دينار، فيما تخطى العجز في الإيرادات الأخرى 2.5 مليار.
الإشكال الأكبر في رأيي هو في الاعتماد على أذونات الخزانة العامة لتوفير 10 مليارات دينار ليبي لتمويل العجز. وينطوي هذا الخيار على تحد ومخاطر، التحدي يمكن في القدرة على جذب مستثمرين محليين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والتي من أبرزها حالة عدم اليقين.
أما المخاطر فتكمن في الاتجاه إلى طرح الأذونات في السوق العالمي وهذه عادة لا تنجح في استقطاب تمويل إلا في حال عرض نسبة فوائد عالية الأمر الذي يعني مراكمة التزامات مالية مرهقة وقابلة للزيادة في حال تم الركون إلى هذه الوسيلة.
هناك أيضا إشكال الانقسام وآثاره في ما يتعلق بتنفيذ الترتيبات المالية، خاصة في شرق البلاد حيث المصرف المركزي الموازي، والحكومة الموازية والتي أحالت قبل أسبوع نحو 124 مليون دينار ليبي للمصارف لتغطية مرتبات القطاعات الحكومية للأشهر الأربع الأولى من العام الحالي.
والسؤال هنا كيف سيتم التعامل مع هذا الأنفاق الإضافي ضمن الترتيبات المالية، إذ من المتوقع أن تقع ازدواجية في الانفاق، وهناك تحدي تقدير الإيرادات خاصة السيادية والواقعة في نطاق الحكومة المؤقتة.