كتب جوناثان ستيل مقالا في موقع "ميدل إيست آي" في لندن من مدينة دمشق، حيث يقول إن سكان العاصمة السورية لم يعودوا يهتمون، لكنهم يريدون أن تتوقف الحرب.
ويبدأ ستيل مقاله بالقول: "قبل عام كانت هناك 30 نقطة تفتيش يتم فيها التأكد من وثائق المسافرين وحقائب السيارات، في رحلة لا تستغرق إلا 30 ميلا، أما اليوم فليس هناك سوى ثلاث نقاط".
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "القصة مماثلة داخل العاصمة، حيث تمت إزالة نصف نقاط التفتيش، بحسب ما يقول سكان العاصمة، بشكل خفف من أزمة السير، وأعاد بشكل تدريجي حس الحياة الطبيعي، ويحصل السكان الآن على 12 ساعة كهرباء في اليوم، وهي زيادة عالية عن العام الماضي، وصار (المازوت) النفط الثقيل، الذي يستخدمه السكان لتدفئة بيوتهم متوفرا، وإن كانت أسعاره عالية، مع أنه كان غير موجود العام الماضي إلا نادرا، واختفت الطوابير للحصول على أنابيب الغاز التي تعد مهمة للمطابخ".
ويضيف ستيل: "مهما كان موقف السكان من بشار
الأسد وحكومته، فإن الشعور العام في العاصمة السورية هو الراحة لتوقف قنابل الهاون، التي كان يطلقها المقاتلون والسيارات المفخخة".
ويعلق الكاتب قائلا إن "المواقف لم تكن دائما ثنائية أو منقسمة بين مؤيد ومعارض للحكومة، فكانت دائما هناك مجموعة كبيرة من الدمشقيين الذين لم يعبروا عن موقفهم، وهم غير مسيسين، وما يهمهم هو حماية أنفسهم وعائلاتهم، ففي الأيام الأولى للنزاع، عندما بات واضحا أنه تحول للحرب بالوكالة، تتحكم به قوى خارجية، عارضت جماعات مهمة العسكرة، مع أن نسبة كبيرة منها كانت تطالب بالإصلاح أو تغيير الحكومة".
لا سياسة
ويشير ستيل إلى أنه مع الشعور بالراحة، فإن هناك تخليا عن السياسة، خاصة بين الناشطين الذين خرجوا للشوارع قبل ستة أعوام، حيث تقول امرأة في الثلاثينيات من عمرها، غادرت بلدها لكنها تعود بشكل منتظم لزيارة والديها: "قبل عامين كنت مهتمة بالسياسة، أما الآن فلم أعد أهتم"، وفضلت عدم ذكر اسمها، وتضيف: "السياسة ذات نهاية مغلقة، وما أراده الناس قبل عدة أعوام لم ينجح، فالدمار كان كبيرا، وكل ما يريده السكان السلام لأنفسهم ولمن يحبون"، وتتابع قائلة: "لم يعد الناس يهتمون بمستقبل البلاد، فهم يدخنون الشيشة ويعيشون الحاضر، وأشعر بالشيء ذاته"، فيما عبرت شابة تعمل مترجمة عن موقف يائس من المستقبل، رغم ارتياحها من قرب نهاية الحرب، على الأقل لسكان دمشق، فتقول: "ربما انتهى القتال لكن الحقد سيبقى، ويشعر الناس بالغضب على الطرفين، فهم يلومون الطرفين على العنف، وبالنسبة لي فإن الثورة انتهت عندما أطلقت أول رصاصة"، وأشارت إلى صديق عمره 22 عاما وليس مطلوبا للخدمة العسكرية؛ لأنه الابن الوحيد، و"رغم ذلك فهو يكره الطرفين؛ لأنهما دمرا حياته".
ويورد الكاتب أن "يوسف عبدلكي، الذي يعد من أكثر الرسامين الموهوبين في
سوريا، ولا يزال يعيش في دمشق، يعتقد أن الثورة انتهت، وكان يجهز للسفر إلى باريس لعرض بعض أعماله عندما زرت بيته، الذي يعود للعصر العثماني، حيث يقول: (خرج الثوريون الأصليون للخارج أو قتلوا، انتهى، ويجب أن يكون الشخص واقعيا)".
ويلفت ستيل إلى أن "عبدلكي مقتنع بأن هناك إمكانية لهزيمة الأسد لو توحدت المعارضة، وهو واحد من النقاد للرئيس، وتجرأ للحديث علانية، وقام في هذا الصيف برسم سلسلة من النساء العاريات، التي عرضها في غاليري في دمشق، ولا يملك عبدلكي وقتا للمعارضة الدينية للأسد، التي يقول إن أفرادها لا يهتمون بالديمقراطية، لكنه فوجئ من النقد الشرس الذي تعرضت له أعماله من الجماعات المعارضة العلمانية في الخارج".
ويفيد الكاتب بأن أفراد هذه المعارضة زعموا أن عبدلكي منح الحكومة العذر، فرد بمقال نشرته صحيفة لبنانية، قائلا إنه رفض عرضا من وزارة الثقافة لدعم معرضه الذي نظمه في قاعة عرض فنية خاصة، مشيرا إلى أن الإعلام الرسمي لم يلتفت لمعرضه، لكن المعارضة في الخارج واصلت انتقاده، حيث يراها إشارة عن إفلاس سياسي، وعلق قائلا: "رسومي هي احتفال بالجمال ورفص للحروب الطائفية واحتجاج ضد الموت، ألا يرون هذا؟".
حلب نقطة التحول في الحرب
ويقول ستيل إن "نقطة التحول بالنسبة لدمشق كانت سيطرة قوات الحكومة على الجزء الشرقي من مدينة حلب، وكان سقوطها يشبه الدومينو، بحيث سمح للقوات السورية بالهجوم على
تنظيم الدولة في شرق سوريا بشكل أدى إلى تراجعه، واستطاع الجيش السوري الشهر الماضي استعادة السيطرة على المدينة المهمة على نهر الفرات دير الزور، في الوقت الذي كانت فيه قوات سوريا الديمقراطية تهاجم مدينة الرقة عاصمة ما تدعى بالدولة الإسلامية، وخسرت هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة والجماعات المسلحة مواقع لها، وتتقاتل فيما بينها في إدلب، شمال غرب سوريا، وحقق النظام التقدم بسبب الغارات الجوية التي مضى عليها عامان من الطيران الروسي، وإدخال مقاتلي حزب الله والمليشيات الإيرانية".
وينقل الموقع عن الجنرال الروسي ألكسندر لابين، قوله الشهر الماضي إن قوات الأسد تسيطر على 85% من أراضي سوريا، حيث يعتمد الزعم على ما يعنيه بالسيطرة، خاصة أن مناطق واسعة من البلاد فارغة وصحراوية، منوها إلى أنه بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الحكومة تسيطر على 48% من سوريا، مقارنة مع 22% قبل عامين.
وينوه الكاتب إلى أن "الأسد لا يتفاخر على الأقل بشكل علني، لكنه بدا واثقا في تحقيق النصر في خطاب متلفز ألقاه في 20 آب/ أغسطس، حيث قال: (جيشنا يحقق في كل يوم انتصارا تلو الآخر من أجل سحق الإرهابيين، وسنواصل الهجوم على الإرهابيين حتى آخر نقطة من أرض سوريا)، وقال إن الحرب لم تنته (المعركة مستمرة، وأين نذهب بعد ذلك ويصبح بالإمكان الحديث عن النصر فهذا أمر آخر)، وبالتأكيد كان شهر أيلول/ سبتمبر الأكثر دموية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، حيث قتل فيه 3055 شخصا، وعادة ما يركز الإعلام على القتلى بين المدنيين وليس قتلى المعارك، وبحسب إحصائيات المرصد، فإن نسبة المدنيين من قتلى الشهر الماضي كانت الثلث 955 بمن فيهم 207 أطفال، منهم 395 قتلوا نتيجة للغارات السورية والروسية، و282 جراء الغارات التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن الأرقام تظهر أن معظم القتلى هم رجال مسلحون، منهم 1288 من المعارضة، 550 سوريا و738 مقاتلا أجنبيا، وقتل 790 من قوات النظام والمليشيات وعناصر حزب الله، وتمت التهدئة والسيطرة على سلسلة من المناطق المحيطة بالعاصمة، من خلال ما يعرف بمناطق خفض التوتر، بما فيها البزرة وداريا والمعظمية وقدسيا، إلا أن جوبر وأجزاء من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين لا تزال في يد المعارضة".
ويقول ستيل: "في كل ليلة كنت أسمع من الحارة المسيحية في المدينة القديمة ما بدا صوت صفق الأبواب، وكانت الدبابات والمدافع المرابطة في ملعب ساحة العباسيين تقوم بدك حي جوبر، الذي لا يبعد سوى ميل عنها، ولا تزال قنابل الهاون تطير باتجاه العاصمة ردا على القصف، وقتلت واحدة طالب طب في الشارع خارج سور المدينة قبل أن أغادر دمشق".
ويشير الكاتب إلى أن المناطق التي لا تزال فيها الحرب محصورة في أربع مناطق، الجبهة الجنوبية حول درعا وأجزاء من محافظة حماة، حيث يسيطر المسلحون على أجزاء من الطريق المؤدي إلى حلب، وأجزاء من وادي الفرات، والرقة، ومحافظة إدلب، قرب الحدود مع تركيا.
روسيا والأستانة
ويذكر ستيل أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم خدمة للأسد، ليس من خلال إرسال طيرانه وشرطته العسكرية إلى سوريا، بل قام بإنشاء منبر للتفاوص العسكري، عرف بعملية الأستانة، التي قامت فيها روسيا وتركيا وإيران بالعمل على اتفاقيات خفض التوتر، وكانت في البداية تهدف لإعطاء إيران دورا دوليا في التوصل لحل الأزمة السورية، إلا أن مباحثات الأستانة أخذت شكلا آخر يختلف عن محادثات جنيف المخصصة للجانب السياسي، حيث رفضت الحكومة والمعارضة الجلوس في مكان واحد والاتفاق على أجندة واحدة.
ويورد الموقع نقلا عن مستشارة الأسد للشؤون السياسية بثينة شعبان، قولها: "لا أعتقد أنها أدت إلى ثمار؛ لأنها كانت دون جوهر"، وأضافت: "لا أعلم إن كان الهدف منها أن تكون منبرا للإعلان عن الحل عندما يتم التوصل إليه، لكنني لا أرى أنها حققت أي تقدم حقيقي"، مشيرا إلى أن محادثات أستانة تركز على الجانب العسكري، وعلى وقف إطلاق النار، الذي تضمنه الدول الثلاث، وتوفر أستانة الحماية للأسد بشكل يجعل من غير المعقول سقوط نظامه.
ويقول الكاتب إن "هناك سؤالين في الهواء؛ ماذا سيحدث الآن بعدما سيطرت القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على الرقة، فهل ستقوم هذه بتسليمها للحكومة السورية والروس؟ وماذا سيطلبون مقابل ذلك؟ وهل هناك احتمال أن تواجه روسيا أمريكا عسكريا؟ أما السؤال الثاني، فما هو مستقبل إدلب، حيث تم نقل مئات المقاتلين من ساحات المعارك في سوريا إليها، وبعدما استسلموا في حمص وحلب وضواحي دمشق، ويقوم الطيران الروسي والسوري بقصف المنطقة بشكل متقطع، ومن المستبعد أن تنظم عليها حملة عسكرية في ضوء الخسائر التي قد تتكبدها القوات السورية والموالية لها في حال القيام بعملية برية، وهناك احتمال أن تقوم تركيا بإقناع الجماعات، عدا تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، بالتخلي عن القتال والمغادرة".
ويلفت ستيل إلى قول الأسد في آب/ أغسطس، "إن فكرة مناطق خفض التوتر هي وقف سفك الدم، وإخراج الجماعات المسلحة، وتسليم السلاح، والعودة للحياة الطبيعية، ونحن مهتمون بنجاح المبادرة".
ويقول الكاتب: "في دمشق يأمل الكثير من السوريين باتفاق أمريكي روسي ينهي الحرب، والآن وقد انتصر الأسد يبدو أن الروس متعجلون للانتهاء، فيما لا يعبر الأمريكيون عن تعجل".
ويختم ستيل مقاله بالإشارة إلى أن هذا هو الموقف المعلن للمسؤولين السوريين، وقالت شعبان: "ما يريده الأمريكيون هو إطالة أمد الحرب.. تحدثوا عنها على أنها حرب استنزاف، وما نريده هو وضع حد للحرب، واستخدام أي قناة متوفرة لوقف حمام الدم في سوريا"، وأضافت: "لو أراد الأمريكيون وقف الحرب لكانوا تعاونوا بشكل مناسب مع الروس في أستانة وجنيف.. ونحاول جهدنا وقف هذه الحرب؛ لأن شعبنا هو الذي يدفع الثمن".