نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا، تكشف فيه عن أن القوات الموالية لأمريكا والجيش السوري والروسي تسير في مسار تصادمي في آخر محافظة سورية لا تزال تخضع بشكل كبير لسيطرة
تنظيم الدولة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن كلا الطرفين يحاول تعزيز موقفه قبل مفاوضات ما بعد الحرب، لافتا إلى أن التنافس على الأرض يظهر جليا في
دير الزور الغنية بالنفط، وهي المنطقة التي قاتل تنظيم الدولة فيها من أجل المحافظة على دخله من النفط، وللحفاظ على ما تبقى من مساحات تحت سيطرته.
وتذكر الصحيفة أن حكومة النظام السوري، التي تدعمها
روسيا وإيران في موارد دير الزور، ترغب في إصلاح اقتصادها المحطم، وإعادة ملء خزينتها بتصدير النفط، مشيرة إلى أن ذلك قد يساعد أيضا طهران على شق طريق بري إلى بيروت لدعم حلفائها اللبنانيين.
ويلفت التقرير إلى أن القوات التي تدعمها أمريكا يقودها
الأكراد وتحارب تنظيم الدولة أيضا، إلا أن مقاتليها يخشون من خسارة الأرض للنظام السوري، حيث يريد قادة الأكراد استخدام ثراء المحافظة ورقة تفاوض ليحصلوا على استقلال ذاتي أكبر في
سوريا.
وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي غربي في الشرق الأوسط، وله اهتمام خاص بالشأن السوري، قوله: "يحاول الأكراد الحصول على ما يتمكنون من أوراق ضغط في أيديهم؛ تحضيرا للوقت الذي يجلس فيه الجميع حول الطاولة للعبة الكبيرة، الأوراق التي سينظر الجميع إليها في الوقت الذي يجلسون فيه حول الطاولة، ويتساءلون من يملك أكثر الأوراق ويمكنه أن يطلب الحصة الكبرى".
ويفيد التقرير بأنه مع وجود هذه المجموعات المختلفة من المقاتلين وهم يطبقون على دير الزور، تقاتل القوات التي تدعمها أمريكا وتلك التي تدعمها روسيا على مسافة أميال من بعضهما أحيانا، وهو ما يزيد الخطورة من خطوات خاطئة قد توتر الوضع.
وتنوه الصحيفة إلى أن القوات الروسية قامت يوم السبت بمهاجمة منطقة في دير الزور شرق الفرات، حيث يعرفون أن هناك قوات من التحالف الذي تقوده أمريكا وقوات الجيش الحر، بحسب تصريح للجيش الأمريكي، لافتة إلى أن الضربة أضرت بعدد من أفراد قوات سوريا الديمقراطية، بحسب بيان من التحالف الذي تقوده أمريكا، وقال البيان إن أمريكا ستسعى للحوار مع روسيا؛ لتجنب نشوب صراعات مستقبلية.
وبحسب التقرير، فإن ذلك الحادث كان آخر حادث من عدد من الحوادث التي اصطدمت فيها قوات مختلفة تقاتل تنظيم الدولة في سوريا، ففي حزيران/ يونيو قام الجيش الأمريكي بإسقاط طائرة مقاتلة تابعة للحكومة السورية، بعد أن هاجمت قوات سوريا الديمقراطية على الأرض.
وتورد الصحيفة نقلا عن دبلوماسيين غربيين يمثلون دولا تعد من الحلفاء المقربين لأمريكا، قولهم إن خطط واشنطن في سوريا غير واضحة، وتفتقر إلى الأهداف الاستراتيجية بعد طرد تنظيم الدولة من الرقة، حيث قال دبلوماسي غربي: "أمريكا تعرف ماذا تفعل على المدى القريب.. أولا الرقة وبعد ذلك لنرى"، وقالت مصادر عسكرية أمريكية يوم الأحد إن الجيش الأمريكي يعمل مع حلفائه في سوريا لهزيمة تنظيم الدولة، والاتفاق مع موسكو على طريق لتجنب الصراع، و"التأكد من وجود عازل بين قوى النظام والمعارضة".
ويكشف التقرير عن أنه حتى في الوقت الذي تناقش فيه واشنطن مع موسكو الطرق لتجنب الاشتباك في سوريا، فإن القوات الروسية تستمر بدعم زحف النظام السوري على دير الزور، مشيرا إلى أن الجيش الروسي قدم غطاء جويا لقوات الحكومة السورية خلال تقدمها السريع في دير الزور، بالإضافة إلى أن وزارة الدفاع الروسية قامت بحملة علاقات عامة كبيرة للاستفادة من المكاسب التي حققتها الحكومة المركزية.
وتذكر الصحيفة أن طائرات هيلوكبتر عسكرية روسية قامت بنقل الصحافيين الدوليين إلى دير الزور يوم الجمعة؛ ليشاهدوا الحياة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة تعود طبيعية تقريبا، وأحضر الجيش الروسي مراسلين إلى عقيربات، وهي بلدة في وسط سوريا بعد أن تمت استعادتها من تنظيم الدولة في بداية الشهر، ما مكن الحكومة من التقدم، لافتة إلى أن البلدة التي أخليت من أهلها لا تزال تحمل علامات قتال شديد، بما في ذلك غارات جوية اخترقت جدرانا من الإسمنت المسلح للمخازن التي كان تنظيم الدولة يستخدمها لصيانة الدبابات التي غنمها، ولتحويل العربات المدرعة إلى سيارات متفجرة كبيرة، بحسب ما قاله مسؤولون عسكريون روس.
وينقل التقرير عن قائد القوات الروسية في سوريا الجنرال إلكساندر لابين، قوله إن قوات الحكومة السورية، مدعومة بالطيران الروسي، قامت بالقتال من بيت إلى بيت لتخرج المقاتلين من مواقعهم المحصنة وشبكة الأنفاق تحت الأرض، وأضاف: "تم إنجاز اختراق هنا في الحرب ضد تنظيم الدولة.. وبدأ الهجوم الناجح والحاسم على دير الزور من هنا".
وتقول الصحيفة إن أمريكا قامت على مدى الشهرين الماضيين بالدفع نحو إيجاد خط عدم اشتباك على طول نهر الفرات؛ لتنسيق المعارك المنفصلة لاستعادة الأراضي من تنظيم الدولة في دير الزور، مشيرة إلى أن أمريكا توصلت إلى اتفاقيات عدم اشتباك في مناطق أخرى من سوريا، إلا أن المفاوضات بين واشنطن وموسكو تعثرت، بحسب مسؤول أمريكي، وتقدمت دمشق وحلفاؤها، ودخلوا دير الزور في وقت سابق من هذا الشهر.
ويوضح التقرير أن قوات سوريا الديمقراطية قامت بعد أيام، وبدعم من الجيش الأمريكي، بالدفع باتجاه الجنوب، وقطعت الخط على القوات السورية والروسية من التقدم باتجاه الشرق والحدود العراقية وحقول النفط الغنية.
وتورد الصحيفة نقلا عن قائد قوات سوريا الديمقراطية ديلسوس ديريك، قوله إنه لم يتوقع أن تقوم قواته بدخول محافظة دير الزور قبل الرقة، لكنهم لم يثقوا بالنظام بأن يبقى غربي النهر.
ويشير التقرير إلى أن الأقلية الكردية في سوريا تسعى مستغلة الحرب الأهلية إلى الحصول على حكم ذاتي محدود في مناطقهم في شمال سوريا، ولذلك فهي تحاول السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض؛ لتحسين حظوظها على طاولة المفاوضات بعد انتهاء الحرب.
وتستدرك الصحيفة بأنه مع أن وجود الأكراد يكاد يكون معدوما في محافظة دير الزور، إلا أن حقول النفط تجعلها أهم جائزة يمكن الحصول عليها في سوريا، في الوقت الذي تضعف فيه قبضة تنظيم الدولة.
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالقول إنه "ليس واضحا بعد إن كان بإمكان واشنطن وموسكو التوصل إلى اتفاق للسماح للقوات التي يقودها الأكراد للقيام بالسيطرة على حقول النفط، وإن لم يتم الاتفاق فسيتحول الوضع إلى سباق للسيطرة على حقول النفط".