نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن مقالا لمسؤولة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتام هاوس" في لندن لينا الخطيب، عن الحقائق الصلبة في الثورة السورية، وكيف أنها لم تعد مهمة.
وتقول الخطيب: "هناك على ما يبدو حالة عدم اكتراث تتعلق بالنزاع السوري داخل دوائر صناع السياسة الدولية والإقليمية على حد سواء، حتى في حالة ظهور حقائق تثبت، وبشكل قاطع، أن مخالفة قد حدثت".
وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى حدثين أخيرين، يؤشران إلى هذا المسار، استفاد منهما نظام بشار
الأسد وحلفاؤه، الأول هو تقرير اللجنة المستقلة للتحقيق في
سوريا التابعة للأمم المتحدة، التي قالت في الأسبوع الماضي إن النظام السوري استخدم غاز السارين في هجوم خان شيخون الذي حدث في نيسان/ أبريل هذا العام، وهو من ضمن 20 حادثا استخدم فيها النظام السوري الأسلحة الكيماوية أثناء النزاع.
وتلفت الخطيب إلى أن تقرير
الأمم المتحدة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية يأتي بعد أعوام قليلة من الاتفاق الذي توسطت فيه
روسيا للتخلص من الأسلحة الكيماوية في سوريا، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية استخدمت اتفاق عام 2013 مبررا لعدم التحرك بناء على "الخط الأحمر"، الذي رسمه الرئيس السابق باراك أوباما فيما يتعلق باستخدام السلاح الكيماوي في سوريا.
ويذكر الموقع أن الأمم المتحدة الأولى سارعت بالترحيب بنجاح الاتفاق، إلا أن الأدلة التي ظهرت على الأرض في سوريا كشفت مرة بعد أخرى كيف استخدام النظام الأسلحة غير الشرعية في هجماته على معارضيه، بمن فيهم المدنيون.
وتعلق الكاتبة قائلة: "لم تحدث أي تداعيات خطيرة نتيجة ظهور الأدلة على استخدام السلاح الكيماوي، حيث ظلت الكثير من الدول صامتة حولها بذريعة صعوبة التأكد من صحة الأدلة القادمة من سوريا، وحاولت روسيا وحلفاؤها عكس الرواية والقول إن جماعات المعارضة لا النظام هي التي استخدمت الأسلحة الكيماوية في سوريا".
وتقول الخطيب إن "المحققين المستقلين، الذين يعملون تحت مظلة الأمم المتحدة للبحث والتثبت من المخالفات التي ترتكبها الأطراف كلها في النزاع السوري واصلوا مهمتهم رغم هذا، ومع مرور الوقت بدا أن التقارير التي يعدونها بهدوء ودقة لا تؤدي إلى تغير في السياسة داخل المجتمع الدولي، بل أصبح الأمر مثارا للسخرية، حيث تقول وكالة في الأمم المتحدة شيئا واحدا وهو (أن النظام لا يملك السلاح الكيماوي، كما قالت البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في الأمم المتحدة)، فيما تقول وكالة أخرى العكس".
وتجد الكاتبة أنه "مع ذلك لم يعلق أحد في المجتمع الدولي على هذه التناقضات، ونظرا لحالة الإحباط وعبثية العمل في لجنة التحقيق قررت قبل عدة أسابيع واحدة من أعضائها الرئيسيين، كارلا دي بونتي الاستقالة، وتم استقبال التقرير الأخير للجنة بحالة من الاهتمام الإعلامي الذي لم يعمر طويلا، وعاد الاهتمام به بعدما قامت إسرائيل بقصف ما قالت إنها منشأة للسلاح الكيماوي داخل سوريا، وكما الحال في اللحظات السابقة التي حدثت خلال النزاع السوري، فلم يستمر هذا الاهتمام".
مصير الجنود
وتقول الخطيب إن "هذا الحس من عدم الاهتمام بالتناقضات ينسحب على المثال الثاني، وهو حالة الجنود اللبنانيين الذين سلم تنظيم الدولة جثثهم أخيرا بعدما اختطفهم في عام 2014، ففي ذلك الوقت لم يعرف مصير الجنود، واحتجت عائلات الجنود في وسط بيروت، مطالبة الجيش اللبناني بزيادة جهوده والإفراج عنهم، وافترض لعدة شهور أن هؤلاء الجنود لا يزالون على قيد الحياة، واستخدم
حزب الله قصتهم من أجل إثبات أن لبنان بحاجة له ليحميه من تنظيم الدولة".
وتنوه الكاتبة إلى أن "حزب الله زاد في السنوات اللاحقة من مجال مشاركته في الحرب السورية، لدرجة أنه أصبح محرما مساءلة الدور الذي يقوم به هناك، وبدا المسار في ذروته هذا الصيف، حيث أعلن الحزب (النصر) بعد معارك مع تنظيم الدولة وقعت على طول الحدود اللبنانية السورية، واستخدم الحزب مصير الجنود المخطوفين ذريعة لتبرير أفعاله، وتقديم (انتصاره) من خلال اللغة الوطنية، بدلا من كونه عملا يخدم مصلحته، وعندما تم التوصل لاتفاق بينه وبين تنظيم الدولة بعد معارك الصيف أصبح من الواضح أن الحزب استطاع تحريك مسار الأحداث لصالحه، وكشف عن أن الحزب لم يكن يعلم وحده مصير الجنود، بل أن الجيش اللبناني الذي كان يعرف منذ عام 2015 أنهم قتلوا على يد حزب الله، ولم تكن السلطات لتتجرأ على كشف هذه الحقيقة؛ خشية حصول تداعيات محلية، حيث استخدم حزب الله الحالة لصالحه، وبنى عليها زخم مشاركته في سوريا و(نصره) النهائي".
حقائق؟ أي حقائق؟
وتبين الخطيب أنه "مع ذلك، فعندما ظهرت حقيقة مأساة الجنود لم يكن هناك احتجاج عام ضد حزب الله أو السلطات اللبنانية بشأن الطريقة التي تعاملوا فيها مع الوضع، وبدلا من ذلك أعلن لبنان يوم حداد وطني على الجنود، وتم وضع الوطنية بطريقة جعلت من يقوم بمساءلة الأحداث التي أحاطت بموت الجنود أمرا يصل إلى حد الخيانة، واستخدم الحزب الاتفاق الذي وقعه مع تنظيم الدولة ليظهر أن لديه الأخلاقية العليا، ونقل مقاتلي الحزب وعائلاتهم الذين رحلوا من لبنان على متن حافلات مكيفة".
وتفيد الكاتبة بأن "الحزب لم يعلق على الطريقة الصارخة التي ضلل من خلالها عائلات الجنود اللبنانيين، التي تقوم منذ سنوات بالتعبئة والتحرك للبحث عن مصير أبنائها، مع أن مصيرهم كان معروفا، وظل سرا مخفيا لخدمة أجندات سياسية مختلفة".
وتختم الخطيب مقالها بالقول: "بالنظر إلى كلتا الحالتين، فإنه أصبح باديا للعيان أن (الحقائق) بدأت في سياق النزاع السوري تفقد قيمتها، وأصبحت الحكومات حول العالم بارعة في انتقائيتها فيما تعترف به من النزاع أو ما تريد تجاهله، وفي الوقت ذاته، فالرابح الأكبر من هذه السياسة الانتقائية هو نظام الأسد وحلفاؤه الذين لا يمكن لومهم لأنهم يفعلون ما يريدون دون خوف، خاصة أن ظهور الأدلة القطعية لم تعد المحرك الرئيسي نحو المحاسبة".