نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب سودرسان راغافان، حول معاناة العائلات الخليجية بسبب الأزمة مع
قطر.
ويبدأ الكاتب تقريره بقصة جواهر، التي عاشت عمرها كله في قطر، لكن الأزمة السياسية تهدد بتفكيك عالمها الصغير، مضطرة إياها لأن تنتقل لتعيش في بلد بالكاد تعرفه، وتقسم عائلتها إلى قسمين، فوالدة جواهر قطرية، ووالدها بحريني.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن السبب في ذلك هو أن
البحرين والسعودية والإمارات طلبت من رعاياها في قطر العودة إلى بلادهم، وإلا فإنهم سيواجهون عقوبات قاسية، لافتا إلى أنه بحسب القانون القطري وكثير من الدول الخليجية، فإن الأطفال يحملون جنسية الأب، وهذا يترك جواهر وآلافا مثلها في وضع صعب.
وتنقل الصحيفة عن الفتاة البالغة من العمر 21 عاما، وهي طالبة في الجامعة، مشترطة عدم ذكر اسم عائلتها؛ خوفا من تداعيات ذلك، قولها: "إذا اضطررنا للذهاب للبحرين، فماذا سنفعل هناك؟.. وعلينا أن نترك أمي خلفنا.. وستنقسم عائلتنا".
ويلفت راغافان إلى أن هذه الأزمة المتفاقمة في منطقة تمتد فيها العلاقات الثقافية والقبلية عبر الحدود، خلفت دمارا للعائلات القطرية، مثل عائلة جواهر، بشكل لم يتوقعه أحد، فهناك آباء وأزواج سافروا للخارج ولا يمكنهم العودة، والبعض خسر وظيفته، والأطفال قلقون من أن يصبحوا دون بلد، أو أن تتعطل دراستهم، بالإضافة إلى أن أفراد العائلات موزعون في عدة بلدان متصارعة، مشيرا إلى أن هناك شعورا عاما بأن الجميع سجين رغبة النفوذ والسيطرة على الشرق الأوسط.
ويورد التقرير نقلا عن راشد الجلمة (22 عاما)، وهو ابن لزواج قطري بحريني أيضا، قوله: "لدينا أقارب في أنحاء المنطقة كلها.. وأصبنا بحالة من الصدمة والرعب لدى علمنا بأنه لا يمكننا رؤيتهم بسبب السياسة، فما هي علاقة الشعب بمشكلات السياسيين؟".
وتذكر الصحيفة أن
السعودية والبحرين والإمارات قامت بالطلب من الرعايا القطريين المغادرة خلال 14 يوما، ومنعت رعاياها من دخول قطر، بالإضافة إلى أنها أعطت رعاياها الذين يعيشون في قطر المهلة ذاتها (14 يوما) للعودة من قطر.
ويفيد الكاتب بأن هناك أكثر من 11 ألف شخص من البلدان الثلاثة يعيشون في قطر، بحسب لجنة حقوق الإنسان الوطنية القطرية، وهناك آلاف القطريين ممن يعيشون ويعملون في السعودية والبحرين والإمارات، لافتا إلى أن هناك ما لا يقل عن 6500 مواطن قطري متزوج من أحد مواطني هذه البلدان الثلاثة، بحسب إحصائيات الحكومة القطرية.
وينوه التقرير إلى أن رعايا أي بلد من بلدان مجلس التعاون الخليجي كانوا قبل الأزمة يستطيعون العيش في أي بلد يختارونها من بلدان المجلس، إلا أن التوترات بين قطر وجاراتها لفترة طويلة، وسط اتهامات لقطر بأنها تدعم الجماعات الإرهابية، وأنها على علاقة بإيران الشيعية، المنافس الرئيسي للسعودية السنية، الأمر الذي أدى إلى طرد الدبلوماسيين، وإغلاق المعابر والموانئ والأجواء لعزل قطر.
وتبين الصحيفة أن قطر، التي توجد على أراضيها قاعدة جوية أمريكية، وفيها 10 آلاف جندي أمريكي، رفضت هذه التهم، وقالت إن لا أساس لها من الصحة، وأضافت أنها "تشجب الإرهاب في صوره كلها".
ويعلق راغافان قائلا إن "القليل من الناس هنا توقع أزمة بهذه الأبعاد، خاصة أن الملايين في المنطقة يستعدون للاحتفال بعيد الفطر بعد شهر رمضان، وهو وقت تتزاور فيه العائلات والأصدقاء".
وينقل التقرير عن وفاء اليزيدي، وهي طبيبة قطرية وأم راشد الجلمة، قولها: "هذا الأمر جعلني حزينة جدا.. لقد عشنا وشعرنا أن الخليج كان بلدا واحدا، ولدي أبناء عمومة في كل مكان"، منوها إلى أنها انفصلت عن زوجها البحريني عندما كان أطفالها الثلاثة صغارا، وعاد زوجها إلى البحرين، في الوقت الذي نشأ فيه الأطفال معها، دون اتصال به أو بأي من أقاربهم الآخرين، والآن يواجه أبناؤها هذه المعضلة.
وتوضح الصحيفة أن ذهاب الأبناء إلى البحرين والاستقرار هناك يعني أن يتركوا والدتهم خلفهم وأقارب آخرين وأصدقاء عمرهم ودراستهم الجامعية، التي تنفق عليها الحكومة القطرية، أما البقاء في قطر فيعني فقدانهم الجنسية البحرينية ليبقوا دون جنسية.
ويشير الكاتب إلى أن قطر سمحت للمواطنين البحرينيين والسعوديين والإماراتيين بالبقاء إن كانت أمهاتهم قطريات، وتقدم لهم الخدمات الصحية والخدمات الأخرى مجانا، مستدركا بأنه مع ذلك، فإن فقدانهم لجنسيتهم سيحد من فرصهم المستقبلية، خاصة إن رغبوا في السفر للخارج للدراسة أو العمل.
ويقول الجلمة، الذي يدرس هندسة الطيران، للصحيفة: "إنهم يتحكمون بنا عن طريق جواز السفر.. فإن قامت مملكة البحرين بنزع جنسيتي فليكن.. لا يقلقني جواز السفر، ما يقلقني هو دراستي".
ويسجل التقرير بعض الآثار المباشرة للأزمة، ففي تقرير الأسبوع الماضي لمنظمة العفو الدولية، وصفت حالة رجل سعودي يعيش في قطر، وكيف لم يتمكن من زيارة أمه في المستشفى؛ خشية أن يمنع من العودة لزوجته القطرية وأطفاله، منوها إلى أن عائلة جواهر انقسمت، حيث كان أبوها في رحلة عمل إلى البحرين عندما وقعت الأزمة وبقي عالقا هناك، وقالت جواهر: "ليست هناك أي طريق له للعودة".
وتقول الصحيفة إن كلا من السعودية والبحرين والإمارات أعلنت عن أنها فتحت خطوطا ساخنة لمساعدة العائلات التي تواجه الانقسام، ولم تعط تفاصيل، لافتة إلى أن لجنة حقوق الإنسان الوطنية في قطر عدّت هذا التحرك ليس أكثر من محاولة لحفظ ماء الوجه، أما منظمة العفو الدولية فعدّته "غامضا وغير كاف".
ويستدرك راغافان بأن بعض العائلات المتأثرة تخشى أن تكون هذه الخطوط الساخنة تهدف لجمع المعلومات عن الأشخاص الذين يشتكون، حيث أعلنت كل من البحرين والإمارات خلال نهاية الأسبوع الماضي تجريم انتقاد السياسات تجاه قطر، أو التعاطف مع قطر، بجرائم تحمل عقوبة السجن لعدة سنوات، حيث تقول اليزيدي عن الخط الساخن البحريني: "إنه مزور.. لا أثق بهم، ولن اتصل بهم من هاتفي".
ويورد التقرير أن عائلة عمر الأنصاري تأثرت من الأزمة في اتجاهات مختلفة، حيث وصلت شقيقته وعائلتها، وكلهم قطريون، قبل يومين، بعد أن طلب منهم مغادرة السعودية، حيث درس أطفالهما وعملت هي وزوجها لمدة 6 سنوات، والآن عليها وعلى زوجها أن يجدا عملا، وأن يجدا مدارس لأطفالهما الخمسة.
وبحسب الصحيفة، فإن الخلافات العائلية ثارت الأسبوع الماضي على تطبيق "واتس أب"، عندما انتقدت العمة، التي تعيش في البحرين، قطر وسياساتها، في الوقت الذي قام فيه الجزء القطري من العائلة بانتقاد البحرين وحلفائها، حيث يقول الأنصاري (23 عاما)، وهو طالب جامعة، والدته قطرية، ووالده بحريني: "عائلتنا في البحرين تعتقد أن قطر مخطئة، ونحن نعتقد أنها ليست مخطئة، وهذا يتسبب بحزازات في العائلة، وهو أمر ليس مريحا".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن هوية الأنصاري البحرينية وكذلك القطرية انتهت صلاحيتهما، ولا يستطيع تجديد القطرية إلا إذا جدد البحرينية، وإن سافر للبحرين لتجديد هويته، فإنه يخشى ألا يستطيع العودة؛ لأن جنسيته بحرينية، ولذلك فهو لا يستطيع فتح حساب بنكي، ولا تجديد رخصة قيادته، التي انتهت حديثا، ولا الحصول على الخدمات الحكومية، ويقول إنه عالق.