نشرت مجلة "بوليتيكو" مقالا لمدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سايمون هندرسون، يتحدث فيه عن العلاقة الحميمة التي تربط ولي العهد
الإماراتي بنائب ولي العهد السعودي، وما نتج عن تلك العلاقة من مفاجآت في الخليج، من حرب اليمن إلى عزل
قطر.
ويقول هندرسون إن "تلك العلاقة ربما تكون هي الأهم في المنطقة، فالأمير السعودي
محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاما، والأمير الإماراتي
محمد بن زايد، البالغ من العمر 56 عاما، لا يشتركان فقط بالرغبة في شن الحرب على إيران والراديكالية الإسلامية، لكن لديهما أيضا احترام عميق لاعتماد دول الخليج على أمريكا، وقام كلاهما بذكاء بتقريب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يريد أن يظهر بأن لديه استراتيجية جديدة للتغلب على الإرهاب ومواجهة طهران".
ويتساءل الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، عن الأسباب التي تقف خلف هذا الاحترام المتبادل بين الأميرين، ويقول إنه "موضوع تخمين، حيث أن دول الخليج بالغة الغموض، ويعرف الأميران للدبلوماسيين ورجال الأعمال الأجانب بـ(م ب س) و(م ب ز)، ويبدو أن العلاقة بينهما قائمة على علاقة التلميذ بأستاذه، حيث ينظر (م ب ز) الأكبر سنا لـ(م ب س) على أنه الملك المستقبلي للسعودية، الذي يحتاج إلى تعليم من أخيه الأكبر، أما (م ب س)، الذي تناسبه صفة الغطرسة تماما، فيبدو أنه يتقبل نصائح (م ب ز)، لكن قد تزعجه فكرة أنه الشريك الأصغر في هذه العلاقة".
ويعلق هندرسون قائلا إن "الرجلين هما القوة خلف عرشي بلديهما، ويقوم (م ب ز) بشكل متزايد بإدارة شؤون أبو ظبي، التي فيها معظم مخزون الإمارات من النفط، منذ تعيينه نائبا لولي العهد عام 2003، وترفيعه إلى ولاية العهد عام 2004، بعد وفاة والده الشيخ زايد، مؤسس الإمارات العربية المتحدة".
ويرى الكاتب أنه "من ناحية نظرية، فإن أخاه غير الشقيق الأكبر منه خليفة هو الحاكم لأبو ظبي ورئيس الاتحاد، لكن حالته الصحية سيئة، بسبب إصابته بعدة جلطات وأمراض، فهو لا يظهر في العلن، وأما (م ب س) فهو يسير في طريق معلمه ذاتها، حيث عين نائبا لولي العهد بعد ثلاثة أشهر من تنصيب والده ملكا في أوائل 2015، وجمع خلال عامين سلطات تنفيذية تعدل تلك التي في يد (م ب ز)، ولذلك يستطيع الرجلان الحديث معا بندية حول تقرير سياسات معينة وتطبيقها، وواضح أن الملك سلمان يحب ابنه، ويصادق على كل ما يتقدم به من سياسات أو أفكار".
ويستدرك هندرسون بأن "هناك مشكلة، فالعائق الوحيد أمام (م ب س) أن يصبح ملكا هو ابن عمه محمد بن نايف (م ب ن)، البالغ من العمر 57 عاما، الذي يشغل منصب وزير الداخلية، ويعتقد أنه يكره (م ب ز) بسبب أحد تسريبات ويكليكس، حيث وصف فيه الأخير نايف بن عبد العزيز بأنه يتلعثم، وقال إن ذلك يثبت أن (داروين كان محقا)، وهي النظرية التي تفسر على أنه شبهه بالقرد، ولذلك يرى (م ب ز) أن فرصة (م ب ن) بأن يصبح ملكا أمر خاطئ من ناحية وراثية، ويحضر بنائبه لذلك".
ويقول الكاتب: "إلى الآن لم تبد الشراكة بين (م ب س) مع (م ب ز) جيدة، فتدخلهما في اليمن لم يكن ناجحا، حيث لا يزال الحوثيون يسرحون ويمرحون في صنعاء، والجيش الموالي لعبد ربه منصور هادي لا يمكن رؤيته، والأداء العسكري السعودي كان سيئا للغاية؛ فطيارو طائرات الهليوكبتر يخشون النزول إلى مستويات يكونون عليها في مرمى الحوثيين، وطيارو الـ (أف15) يلقون بقنابلهم دون اعتناء بالهدف، ما أدى إلى إصابات بليغة بين المدنيين، وفي الوقت ذاته حافظ الحوثيون على مواقعهم، بالرغم من تكبدهم خسائر ضخمة، واحتمال حصول مجاعة واسعة أمر وارد جدا، ويأمل السعوديون بأن يلام الحوثيون على ذلك وليس هم".
ويشير هندرسون إلى أنه "بالمقارنة، كان الأداء الإماراتي في جنوب اليمن أفضل، لكن كان له ثمن، حيث أصبح موضوع الإصابات بين أفراد الجيش الإماراتي قضية محلية، ويقوم (م ب ز) شخصيا بزيارة عائلات الضحايا والجرحى في المستشفيات، وأدت الحرب في اليمن أيضا إلى تقوية تنظيم القاعدة، فكتب مراسل (التايمز) في أيار/ مايو، وكان في رحلة لعدن من ترتيب الإمارات: (استطاعت قوات موالية للرئيس هادي دفع الحوثيين خارج المناطق الساحلية حول عدن، بدعم من القوات الخاصة الإماراتية و.. مقاتلين موالين لتنظيم القاعدة)، وأشار مراسل (إيكونوميست)، الذي كان في الرحلة ذاتها، إلى التنافس بين الرئيس هادي وحاكم عدن، حيث اشتكى الأخير من أن هادي يجند مقاتلي تنظيم القاعدة، وكل من
السعودية والإمارات ساخطتين من هادي، الذي يعيش في شبه إقامة جبرية في الرياض".
ويلفت الكاتب إلى أن "الأميرين يتباعدان شيئا ما في الأمور التي تتعلق بقطر، حيث يبدو أن اهتمام (م ب ز) منصب على تعاطف الدوحة مع عناصر من الإخوان المسلمين، وبالذات الدعم لإدارة محمد مرسي في مصر، التي لم تدم طويلا، وترى أبو ظبي أن المنتسبين للإخوان المسلمين المحليين خائنون، ولذلك قامت باعتقالات، وأصدرت أحكاما طويلة بالسجن، أما تركيز (م ب س) فهو على إيران، التي ينظر إليها على أنها قوة حاقدة تزعزع الاستقرار في المنطقة، وكلاهما ساخط على سياسة قطر الحذرة من إيران، التي يمكن تفسيرها على أن البلدين يتشاركان في أكبر حقل غاز طبيعي بحري في العالم، وكلاهما غاضبتان من الإعلام القطري، وبالذات من فضائية (الجزيرة)، وترى أبو ظبي الأمير تميم بن حمد مجرد نائب عن أبيه، الأمير حمد، الذي تنازل عن السلطة عام 2013، ويشار إليه الآن بـ(الأمير الوالد)، واعتاد الأمير حمد، الذي استولى على السلطة من أبيه عام 1995، على الغزل الدبلوماسي غير المنضبط، ما أدى إلى ذعر السعودية والإمارات، فأقام علاقات مع إسرائيل، وحركة حماس، ومع أمريكا، وحركة طالبان ومع روسيا والإسلاميين المعادين لها".
ويذهب هندرسون إلى أن "ميل قطر لهذا النوع من اللعب صعب الإيضاح، لكن هذا يذكرني بزيارة قمت بها للدوحة في نيسان/ أبريل 2011، وزرت صديقا كان من كبار عائلة آل ثاني، وضحك وهو يسألني إن كنت رأيت الكاريكاتير المنشور في صحيفة (إندبندنت)، فأجبته بالنفي، فقام بفتح الصفحة على الـ(آي باد) وأراني إياه، وكان الكاريكاتير يتعلق بما يحصل في ليبيا، عندما كان يحاول التحالف الإطاحة بالقذافي، وكان الرسم لمقاتلة، وفيها مقعدان أماميان، يجلس في أحدهما ديفيد كاميرون، وفي الآخر نيكولاي ساركوزي، يتصارعان على التحكم، وفي المقعد الخلفي ينام باراك أوباما رافعا رجليه، والأمير حمد ممسكا بمقدمة الطائرة ليحركها بالاتجاه الذي يريده، ولم يكن هناك تعليق على الكاريكاتير، إلا أن الطائرة كانت من نوع (FU-2 Infighter Jet)، وسألني صديقي القطري قائلا: (إن تلك بذاءة..أليس كذلك؟)". و(اسم الطائرة اختصار لشتيمة لساركوزي وكاميرون).
ويجد الكاتب أن "محاولة فهم تفاصيل أزمة قطر أمر صعب، لكن يبدو أن محاولة السعودية والإمارات عزل قطر كانت أمرا تم طبخه مسبقا، سواء كان الأمير تميم صرح تصريحات متعاطفة مع إيران، وهو ما تنفيه قطر، أم لم يفعل، لكن قطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق الحدود، يثيران السؤال حول التحالف الذي يأمل (م ب س) و(م ب ز) بأن يحققاه، وموقف واشنطن كان محيرا، حيث انتقد ترامب قطر بتهمة تمويلها للإرهابيين، بعد 90 دقيقة من مطالبة وزير الخارجية ريكس تيلرسون السعودية والإمارات بالتهدئة، فما هي اللعبة الأمريكية؟ وكثير من المحللين الخليجيين قلقون من أن قطر لن تخضع، وسيكون الرابح دبلوماسيا هو إيران".
ويقول هندرسون: "عدا عن (م ب س) و(م ب ز)، فإن هناك لاعبين مهمين آخرين، هما السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي وزوج ابنته جاريد كوشنر، وقد نشر الأسبوع الماضي بعض الرسائل الإلكترونية للعتيبة المقرصنة، فيما قد يكون جزءا من المؤامرة، ويعد العتيبة رجل (م ب ز)، وهو من اقترح غداء ترامب مع (م ب س)، بالإضافة إلى أنه كان خلف ترتيب زيارة (م ب ز) شبه السرية، ولقائه بالرئيس المنتخب وكوشنر في ترامب تاور، خلال الفترة الانتقالية، وهو ما أدى الى العلاقة الجيدة بين (م ب س) وكوشنر، حيث يقال إنهما رتبا للقمة في الرياض عن طريق الـ(واتس أب)".
ويستدرك الكاتب بأن "العلاقات الدبلوماسية لا تنتج حتما نجاحا، ويرفض (م ب س) لقب مهندس حرب اليمن عندما اتضح أن الانتصار لن يأتي بسهولة، بالإضافة إلى أن انخفاض واردات النفط عثرت خطته (رؤية 2030)، وقد يكون تم التراجع عن تخفيض الدعم قريبا، على عكس رغبة (م ب س)، فقد تكون العائلة أدركت مدى الأثر السلبي لتخفيض الدعم أكثر من (م ب س)، الذي اشترى حديثا يختا راقيا بقيمة 500 مليون دولار، وهو ما قد يتسبب له بالإحراج السياسي".
ويختم هندرسون مقاله بالتساؤل قائلا: "فهل ستكون حملة (م ب س) و(م ب ز) على قطر نجاحا سريعا، أم ستتطلب تراجعا محرجا؟ إن الأمير تميم وأباه المراوغ يعرفان كيف يغيران مواقفهما بحسب ما تقتضي الضغوط، وفي الوقت الذي تستمر فيه هذه الأزمة سيحدد الدور الذي سيؤديه (م ب س) و(م ب ز) معا، أو كل على حدة، في مستقبل المنطقة، نجاحهما سيعني وضع حد لطموحات إيران، وهزيمة لتنظيم الدولة، لكن الثقة الزائدة ليست هي الوصفة الصحيحة للنجاح، فيجب أن يتم الاستماع للعقول الهادئة في الرياض وأبو ظبي وواشنطن، فالخطأ في التحرك قد تكون له تداعيات سيئة للمنطقة وللعالم".