"حركة فتح ستتخذ قرارات حاسمة لإعادة السيطرة على
غزة بالقوة، ولن تكون هناك لقاءات جديدة بين حركتي فتح وحماس لإنهاء الانقسام"؛ كلمات حاسمة قاطعة قالها القيادي في حركة فتح جبريل الرجوب لوكالة الشرق الأوسط المصرية، في معرض حديثه عن المصالحة والعلاقة مع حركة حماس.
هذا الموقف بلا شك، يعبر عن مزاج ورغبة بعض قيادات حركة فتح والرئيس محمود عباس، بقطع النظر عن مدى واقعيته، وبغض النظر عن سلسلة اللقاءات التي شهدتها قطر في الآونة الأخيرة والتي وصفت بالإيجابية.
ملف المصالحة عند الرئيس محمود عباس لا يعدو كونه خطاباً للاستهلاك الإعلامي الموجه للشعب
الفلسطيني، وأداة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي بُغْيَة تفعيل مسار المفاوضات المتوقفة. كما تستخدم المصالحة اليوم أداة للمتنافسين على خلافة الرئيس محمود عباس؛ فبعض قيادات حركة فتح تستثمر الحوار مع حركة حماس لتسويق نفسها داخلياً، بصفتها الأحرص على المصالحة الوطنية، والشراكة السياسية كرافعة لها أمام الشعب الفلسطيني وقطاع من أبناء حركة فتح. كما أن بعض القيادات الأخرى تستغلُّ لغة التهديد لحماس والوعيد لغزة، تسويقاً لنفسها عند الاحتلال الإسرائيلي، وليس بعيداً عن ذلك تصريح السيد جبريل الرجوب بصفته قائداً سابقاً للأمن الوقائي في الضفة الغربية، وصانعاً للتاريخ الحافل بالتنسيق الأمني مع الاحتلال في السنوات الأولى من عمر السلطة الفلسطينية.
لقد دأبت حركة فتح بقيادة الرئيس محمود عباس على استخدام الحوار الوطني مع حركة حماس كـ"تكتيك سياسي" للضغط على الاحتلال أو لتلميع الصورة؛ فعلى سبيل المثال، سارعت حركة فتح إلى الحوار مع حركة حماس عقب عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة 2008/ 2009 سعياً منها لدرء التهمة عن نفسها كشريك أو متواطئ مع الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على غزة، حيث كان الرأي العام الفلسطيني في حينه ناقماً على القيادة الفلسطينية في رام الله لموقفها المتخاذل سياسياً وميدانياً، عندما حمّلت السلطة حركة حماس مسؤولية العدوان، ومنعت أشكال الدعم الشعبي في الضفة الغربية إلا من بعض وقفات التضامن بالشموع في ليالي رام الله الهادئة.
وهذا الأمر بالمناسبة، تكرر عقب كل عدوان إسرائيلي على غزة، ولأنه مجرد حوار شكلي ورغبة فارغة من المضمون، فقد فشلت الحوارات واتفاقيات المصالحة كافة، ولم تجد طريقها إلى أرض الواقع، بما فيها اتفاق "الشاطئ" الذي سلّمت فيه حركة حماس الحكومة بكاملها للرئيس محمود عباس، الذي منع بدوره حكومة "الحمدالله" من استلام مقراتها وممارسة صلاحياتها في غزة، بذرائع شكلية مختلفة، أفضت في النهاية إلى الفشل واستمرار الحصار والانقسام.
الحديث اليوم عن مصالحة وطنية، هو مجرد وهم، وسراب؛ لأن الواقع والتجربة تؤكد أن الرئيس محمود عباس لا يريد مصالحة على أساس الشراكة، وإنما مصالحة تمكنه من السيطرة على غزة، وتطبيق نظريته في العمل الوطني القائمة على المفاوضات والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
إذن؛ دعوة الرجوب لاستخدام القوة في السيطرة على غزة، وإن أمكن تفسيرها في سياق السباق على خلافة الرئيس محمود عبّاس، إلا أنها أيضاً قد تؤخذ في سياق التحريض أو التوطئة لتوجيه ضربة عسكرية يشنُّها الاحتلال الإسرائيلي الذي نجح بدوره في تحريض القاهرة على تدمير الأنفاق وتفريغ الحدود المصرية من السكان؛ لعزل قطاع غزة عن العالم الخارجي وإضعاف قدرات المقاومة العسكرية التي تعتمد في جزء كبير منها على إدخال الأسلحة من الخارج.