من المقرر أن يتم الإعلان عن الحكومة التي توافق عليها المجلس الرئاسي يوم السبت القادم. وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بقوائم تضم وزراء قيل إنهم من تم التوافق عليهم، غير أنه وبالتواصل مع العديد ممن تضمنت القوائم أسماءهم أكدوا عدم صحتها جميعا، لكن يبدو أن خبر تشكل الحكومة من 22 حقيبة وزارية و44 وكيل وزارة صحيح، والموعد على أي حال قريب لتبين شكل الحكومة ومن أسندت إليهم الحقائب الوزارية.
ملاحظاتي الرئيسية على بعض التسريبات التي نعتقد أنها صحيحة، هي ما يلي:
- عدد الحقائب الوزارية وعدد الوكلاء يبدو أنه خضع لخيار الترضية والاستيعاب الذي نهجته الحكومات السابقة دون استثناء، بمعنى استحداث الحقائب ومناصب الوكلاء لترضية مكونات سياسية واجتماعية ...إلخ، وإلا فإن التجربة والظرف الضاغط يُحتم تقليص الحقائب الوزارية والاقتصار على أقل عدد ممكن من الحقائب الوزارية، يضمن تفعيل الوزارات الحيوية دون أن يعرقل فعالية الحكومة كقيادة تنفيذية جماعية.
- هناك ما يشير لوقوع المجلس الرئاسي في فك المحاصصة الجهوية وهو يخطط لتشكيل الحكومة (الأقاليم الثلاثة: الغرب والشرق والجنوب، والمرداف لها في تأكيدات فاعلين ونشطاء سياسيين إقليم طرابلس وإقليم برقة وإقليم فزان)، وهو ما يراه البعض الاستجابة الطبيعية للتوافق الذي تشكل على أساسه المجلس الرئاسي، إلا أنه سيعرقل لا محالة المهام الرئيسية المنوطة بها حكومة التوافق.
وبالعموم فالبعض يرى أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان فيما يتعلق بشكل الحكومة ومن يمثلها من وزراء، غير أن تطلعات الرأي العام وترقبه إنما يدور حول إمكان أن تتجاوز الحكومة الجديدة شرك الترضية والمحاصصة، وتخضع بالدرجة الأولى لمعايير الكفاءة أولا ثم يؤخذ في الاعتبار العاملين الآخرين؛ عامل الترضية وعامل المحاصصة.
الجديد المهم فيما يتعلق بالمجلس الرئاسي هو القرار رقم (1) ، الذي يقضي بتشكيل اللجنة الخاصة بتنفيذ الترتيبات الأمنية، وهو الملف الأهم في المسار الانتقالي الجديد، إذ تضمن القرار الإعلان عن رئيس اللجنة وأعضائها، حيث ثار جدل حول رئيس اللجنة وعدد من أعضائها من قبل أنصار طرفي النزاع، البرلمان والكرامة من جهة والمؤتمر وفجر
ليبيا من جهة أخرى. فقد تحفظ أنصار البرلمان وعملية الكرامة على رئيس اللجنة العميد عبدالرحمن الطويل، كونه اصطف إلى جانب عملية فجر ليبيا في العام 2014 ورفض بشدة ظهور خليفة حفتر على تلفزيون العربية وإعلانه عن انقلاب عسكري على المؤتمر وعلى الحكومة في فبراير 2014، وانتشرت صورة يقول من روجوا لها أنها تجمع بين الطويل ووسام بن حميد، القيادي الميداني الأبرز في مجلس شورى ثوار بنغازي.
بالمقابل فقد عمم نشطاء ضمن فجر ليبيا وانصار رئيس المؤتمر الوطني العام والدوائر السياسية والعسكرية الداعمة له، وهم من يشكلون جبهة رفض حكومة السراج، عمموا سِيَرا ذاتية لبعض أعضاء لجنة الترتيبات الأمنية، تقول السير المعممة إنهم من أنصار النظام السابق أو المؤيدين بقوة لخليفة حفتر.
بارزون من كلا الطرفين صعدوا في انتقاداتهم لدرجة اعتبر فيه أنصار البرلمان والكرامة اللجنة مخططا لتهميش الكرامة والجيش الذي يقوده خليفة حفتر، فيما اعتبرها خصومهم دليلا على صواب موقفهم من "حكومة العمالة" حسب وصفهم، تم تمريرها لتنفيذ أجندة إقليمية غربية للقضاء على الثورة والهيمنة على مقدرات البلاد.
ما سبق سوقه من جدل حول أولى قرارات المجلس الرئاسي هو ما سبق وأن نوهنا إليه في مقالات سابقة، هو أن التحدي الأكبر يكمن في تنزيل التوافق على الأرض في ظل الاستقطاب السياسي والجهوي، الذي تجذر بين الفرقاء الليبيين لدرجة يعسر معها تحقيق متطلبات التوافق والانطلاق خطوات إلى الامام، باتجاه تجاوز تعقيدات مرحلة الانقسام والمضي قدما إلى مرحلة البناء.
حجر الزاوية في احتواء هذا الجدل، وما قد يترتب عليه من تداعيات قد تتراكم خلال أسابيع أو أشهر فتشل الحكومة المرتقبة، هو تمتين التوافق من خلال جسر الهوة الراهنة إلى أكبر درجة ممكنة عبر استكمال الحوار، عندها سيكون التحدي أقل بكثير مما ستواجهه الحكومة وسيكون من الممكن احتواؤه، بغير ذلك فإني أجزم أنه لا أمل في حلحلة الأزمة الراهنة، وما سيحدث هو محاولات للقفز عليها من خلال إيهام الرأي العام بأن تقدما على المسارين السياسي والأمني يحدث، دون أن يكون هناك تقدم حقيقي يرى المواطن أثاره جلية.