لم يكن المواطن الليبي الذي انتظر نتائج الحوار بفارغ الصبر يتوقع أن يكدر صفو الاحتفال بالتوقيع الأربعاء الماضي في الصخيرات، ما وقع من تناقضات ومن تصعيد قلل من أهمية الحدث وزاد من حيرة الناس وخوفهم.
فبرغم ما شاب الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة من أخطاء وانتكاسات إلا أنه ظل الأمل في انتهاء الأزمة السياسية والأمنية والعودة إلى مسار الانتقال والبناء، لكن التطورات التي وقعت خلال المرحلة الأخيرة من الحوار بددت هذا الأمل وخيم القلق من الجديد على المستقبل.
ردة الفعل على التوقيع على الاتفاق السياسي في الصخيرات الأربعاء الماضي لم تكن محدودة كما اعتقد المبعوث الأممي لليبيا، مارتن كوبلر. فليس "الصقور" في المؤتمر الوطني وحدهم من يتحفظ على حوار الصخيرات ويدعم حوار تونس، فقد صوت على دعم مسار تونس بعد عودة رئيس المؤتمر الوطني، نوري بوسهمين، من لقائه برئيس البرلمان، عقيلة صالح، ما يزيد على سبعين عضوا، وهم الأغلبية باعتبار أن عدد الأعضاء الذين التحقوا بالمؤتمر بعد قرار المحكمة العليا بحل البرلمان لم يتعد 140 عضوا. أيضا فإن المعارضة لاتفاق الصخيرات ظاهرة في البرلمان بطبرق، ولا يزال الناطق الرسمي يؤكد أن لا شرعية لنائب رئيس البرلمان امحمد شعيب، في التوقيع على الاتفاق، بل إن بعض من يصنفون من دعاة الانفصال في بنغازي دعوا العاصمة للخروج وإبطال اتفاق الوصاية الدولية، بحسب وصفه.
إذن الفرحة لم تكتمل، والعبث لا يزال مستمرا، فالحوار سيصبح مسارين على هذه الشاكلة، والانقسام سيكون رباعيا بعد أن كان ثنائيا، فهناك فريقان مختلفان في كل من طرابلس وطبرق، وعندما يكون الاختلاف متجذرا بمعنى أنه ينتقل من كونه موقفا لبعض النخبة السياسية إلى مساندة من قبل مكونات وتكوينات عسكرية فإن
اتفاق الصخيرات سيواجه صعوبات في تطبيقه أبرزها تحدي إدخال حكومة السيد فايز السراج إلى العاصمة. فالكتائب العسكرية التي من المعروف أنها ستكون من ضمن القوة التي يناط بها تأمين وحماية الحكومة هي في القسم الأكبر منها من خارج طرابلس، وباعتبار التوتر القائم في العاصمة منذ أسابيع حول تمركز كتائب من مصراته وغيرها في طرابلس والذي أخذ منحى تصادميا أكثر من مرة سيكون مبررا لكتائب طرابلس أن تصطف في خانة المعارضين لاتفاق الصخيرات ولحكومة السراج، مما ينذر بتأزيم قد يكون خطيرا إن مضت الأطراف الدولية في خطة إدخال الحكومة بالقوة إلى العاصمة.
وهنا ينبغي للعقلاء من وقفة، وينبغي للمجتمع الدولي أن ينتبه لخطورة السير في وفاق لا وفاق عليه، وهو ما يدعو إلى الانتباه أنه مهما كانت الجهود الدولية مهمة وأساسية في تحقيق التوافق فإنها لن تكون ناجعة ما لم تتم لملمة شعث الليبيين حول الوفاق وفي مسار واحد وعلى طاولة واحدة وإقناع الشاك منهم بأن تعدد مسارات الحوار منزلق خطير سيعقد من الأزمة الراهنة والتي هي في مستوى لا يحتمل مزيدا من التأزيم، وذلك في ظل المعطيات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن تجاوزها بأي خيار إلا خيار التوافق عبر مسار وحيد. وبالتالي، فإن أولى الخطوات المطلوبة هي منع التشظي حول الحوار وقفل الأبواب والنوافذ الجانبية وتحديد قناة واحدة لاستكمال التوافق، وينبغي أن تكون بدعم دولي مع احترام السيادة والقرار الداخلي ومنع الانحياز ودعم طرف على حساب آخر.
المطلوب هو التريث قليلا والترويج للتقارب بين طرفي النزاع وتشجيعه، وإعادة الثقة في إمكان أن يكون التفاهم الليبي الليبي داعما لاتفاق الصخيرات والبحث عن مقاربات موضوعية لفك الاشتباك الراهن وتجاوز العقبات وتحقيق التوازن المطلوب لحلحلة الملفات الرئيسة وعلى رأسها الملف الأمني وما يتعلق به من وضع الجماعات المسلحة والسلاح ووضع الجيش والشرطة.. الخ.
أكرر أن الانزلاق في سيناريو المسارات المتعددة للحوار ربما لن يقدم شيئا مهما بل إنه سيطيل من عمر الأزمة وقد يسبب في إفشال التقارب والتوافق، وبالتالي ينبغي العمل على منعه ولكن بحكمة وليس بالقوة، والسعي للجمع بين مقاربتي
الحوار الليبي الليبي ومقاربة الأمم المتحدة برعاية كوبلر على أن يكون دور كوبلر الوساطة لا أكثر وأن يترك للطرفين التوافق على الملفات الرئيسة دون تدخل أو ضغوط منحازة.