قضايا وآراء

الحسم والتردد: قيس سعيد ومعارضوه

بحري العرفاوي
"قضية فناء أو بقاء" بالنسبة لقيس سعيد- جيتي
"قضية فناء أو بقاء" بالنسبة لقيس سعيد- جيتي
1- الصدمات وغياب الرؤية

عادة لا ينصدم إلا من خابت توقعاته، ولا تخيب إلا توقعات من أساء التوقع، وسوء التوقع هو نتيجة سوء التقدير، وسوء التقدير هو نتيجةٌ إما لسوء فهم أو لغياب معطيات.

في "عربي21" وفي أكثر من مقال، ذكرت أن قيس سعيد حزم أمره وحسم قراره بخصوص الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وأنه قرر ألا يفوز أحد غيره مهما كانت التكاليف ومهما تعددت الأساليب وتنوعت الطرائق، فالمسألة عنده تتجاوز كونها عملية تداول سلمي على السلطة كما هو متعارف عليه في النظم السياسية ذات التجارب الديمقراطية العريقة، إنها "قضية فناء أو بقاء" بالنسبة إليه، والعبارة له. وهذا ليس مجرد تعبير إنشائي عاطفي يمكن حمله على معنى المجاز، لا، إنه كلام رئيس جمهورية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، فالمسألة متعلقة ببقاء أو فناء، أي بحياة أو موت، ولا أحد يختار الفناء حتى وإن كان غير قادر على خوض "الحرب"، فما بالك بمن يمتلك كل النفوذ وهو يعتقد بكونه يقود "حرب تحرير" كما ظل يردد باستمرار.

المسألة متعلقة ببقاء أو فناء، أي بحياة أو موت، ولا أحد يختار الفناء حتى وإن كان غير قادر على خوض "الحرب"، فما بالك بمن يمتلك كل النفوذ وهو يعتقد بكونه يقود "حرب تحرير" كما ظل يردد باستمرار
2- تردد المعارضة

لا يكفي كونها منقسمة في مواقفها بخصوص حادثة 25 تموز/ يوليو 2021، فإنها أيضا غير منسجمة في الحدّ الأدنى في قراءتها للمستقبل، وظلت مترددة بخصوص المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات الرئاسية، فهي تارة تقول إن ما يترتب عن باطل فهو باطل، وسبق لها مقاطعة الاستشارة والاستفتاء والانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس الجهات، وتارة ترى أن الانتخابات الرئاسية هي استحقاق دستوري يرجع إلى دستور 2014 وهو الدستور الشرعي الذي صوت عليه أكثر من 200 نائب في المجلس التأسيسي المنتخب ديمقراطيا في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011.

ذاك التردد مرده سببان: أولهما عدم الاطمئنان إلى كون السلطة ستحترم إرادة الناخبين ولا تمارس الإكراه والتزوير، وثانيهما حملات الاعتقال وسرعة إعداد الملفات ضد كل من يعلن نيته الترشح للرئاسة.

عملية الاعتقال للرموز السياسية أضعفت المعارضة وأصبحت الوقفات الاحتجاجية خافتة، خاصة بعد غياب نجيب الشابي لأسباب صحية والعجمي الوريمي بسبب اعتقاله.

ومع ذلك لاحظ المتابعون وجود روح مقاومة لدى عدد من السياسيين، خاصة من القيادات الشابة مثل د. عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي وزهير المغزاوي (وهو من المساندة النقدية للمسار) إضافة إلى وجوه أخرى من المستقلين، وقد استطاع 16 مترشحا منهم جمع عدد كافٍ من التزكيات لتقديم ملفات الترشح، وفق إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (17 ملفا باعتبار ملف الرئيس المباشر قيس سعيد).

3- المعارضة المقاطعة وتصويت "النكاية"

هيئة الانتخابات أعلنت عن قبول ثلاثة مترشحين فقط، لسلامة ملفاتهم ولتوفر جميع الشروط فيها، وهم: الرئيس الحالي قيس سعيد، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، والهاشمي الزمال؛ وهو مستقل ينتمي إلى عائلة منتجة في مجال الفلاحة بالشمال الغربي وتنشط في التصدير لمختلف المواد الغذائية والأعشاب وتوفر آلاف مواطن الشغل (يبدو أنه كان في حزب يوسف الشاهد).

مواقف عديدة صدرت عن معارضي مسار قيس سعيد تندد بعمليات الإقصاء من السباق الانتخابي لأسماء تعتبر نفسها منافسا حقيقيا لقيس سعيد، وتعلن عزمها الاحتكام للمحكمة الإدارية في الآجال القانونية التي ضبطها القانون الانتخابي.

بعض الناشطين من منتمي الأحزاب ومن مستقلين يرون أن الحل الأجدى هو في إعلان المقاطعة كشكل احتجاجي على عمليات الإقصاء، وأيضا للقول بكون العملية الانتخابية ليست ضمن المعايير الدولية للانتخابات كآلية ناجعة لممارسة الديمقراطية.

بعض الدعوات الخافتة بدأت ترتفع يرى أصحابها ضرورة التصويت لأحد المترشحَين المنافسَين لقيس سعيد، أي إما التصويت لزهير المغزاوي أو التصويت للعياشي الزمال، وهو ما يمكن اعتباره "تصويت نكاية" أي ليس تصويتا لبرامج ولمشاريع ولرؤى سياسية، أي ليس تصويت اختيار واع، وإنما هو تصويت لتحقيق انتصار انتخابي على قيس سعيد؛ يُخرجه من قصر قرطاج ثم بعدها يسهل التعامل مع أي من المترشحَين إذا فاز. وتلك الدعوات ما زالت خافتة وأنصارها ليسوا من الأسماء المؤثرة، خاصة وأنها لا تصدر عن أحزاب سياسية ذات وزن شعبي وخزان انتخابي.

وبالنظر إلى المعطيات الميدانية فإن قيس سعيد سيجد الطريق مفتوحة أمامه للفوز من الدور الأول بنسبة تفوق الخمسين في المائة زائد واحد، وقد قرأ متابعون في ضخامة عدد التزكيات الشعبية والبرلمانية عملية استعراض لـ"القوة الترشّحيّة"، حيث تقدم ملف قيس سعيد بحوالي ربع مليون تزكية شعبية والحال أن المطلوب عشرة آلاف فقط،
المزاج الشعبي العام يريد إنهاء المعركة السياسية بأسرع وقت، ولا يعني الكثيرين إن كان ذلك على حساب ديمقراطية حقيقية أو كان وفق معاييرها المعلومة
ومعها مئات تزكيات نواب البرلمان والمجلس الجهوي والحال أن المطلوب عشر تزكيات فقط (المترشح مخيّر بين التزكيات الشعبية أو التزكيات البرلمانية، وليس مطالبا بالجمع بينهما).

ما زالت بعض الدعوات تراهن على "إبطال" العملية الانتخابية بطرائق سلمية، وهي دعوات تبدو غير واقعية، فالمزاج الشعبي العام يريد إنهاء المعركة السياسية بأسرع وقت، ولا يعني الكثيرين إن كان ذلك على حساب ديمقراطية حقيقية أو كان وفق معاييرها المعلومة. وقيس سعيد نفسه لا يعترف بـ"الاعترافات الدولية" لأنه يعتقد بكونه يخوض "حرب تحرير"، وفوزه بالرئاسة ليس بنظره مجرد فوز في منازلة انتخابية؛ إنما هو انتصار في حرب تحرير ضد أعداء الخارج و"عملاء" الداخل.

الانتخابات الرئاسية في تونس ليست بعيدة عن العواصف الإقليمية والدولية، وتلك طبيعة الأشياء في عالم مفتوح، والمعيار الأصيل في التعامل مع هذه "العواصف" هو السيادة الوطنية وكرامة المواطن وحرية التفكير والتعبير، ودعم قضايا التحرر والانتصار للمقاومة في غزة أولا ثم أولا.

x.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)