حراك نشط شهدته الساحة الليبية الأيام
الماضية، كان من مظاهره تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش،
والتفاؤل الذي أبداه رئيس البعثة الأممية، عبدالله باتيلي، وزيارات المبعوث الأمريكي الخاص رتشارد نورلاند،
للفرقاء الليبيين في الغرب والشرق، وأيضا الاجتماعات التي ضمت القيادات السياسية
الليبية هنا وهناك.
الأطراف الدولية تقف خلف الطاولة
الخماسية التي دعا إليها باتيلي وأبدى الفرقاء الليبيون تحفظاتهم عليها، فقد كانت
تصريحات غوتيرش في هذا الاتجاه، كذلك دبلوماسية نورلاند كانت بغرض الحشد لهذه
المبادرة ومحاولة تذليل الصعوبات أمامها، ويساعده في ذلك السفير البريطاني الذي
ظهر في المشهد الحيوي الأسبوع الماضي.
أطراف النزاع الذين أسهموا في زخم
الأيام الماضية أبدوا ليونة تجاه خطة باتيلي، فهذا ما كشف عنه الاجتماع الثلاثي
الذي ضم رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وقائد
عام الجيش التابع للبرلمان خليفة حفتر، من أنهم مستعدون للمشاركة في الطاولة
الخماسية.
هناك في الغرب الليبي، اجتمع كل من
عضوي المجلس الرئاسي، عبدالله اللافي وموسى الكوني، ورئيس المجلس الأعلى للدولة
محمد تكالة، ورئيس الحكومة عبدالحميد ادبيبة. وبدا الاجتماع وكأنه رد على لقاء
المنفي وعقيلة وحفتر، في الشكل والمضمون.
قد تكون الطاولة الخماسية أخر ما في جعبة المجتمع الدولي لتفكيك النزاع واحتواء الخلافات، وفشلها يعني السير الحثيث باتجاه تثبيت الانقسام وتجذيره وربما شرعنته، والسيناريو المناقض لهذا التوقع هو حراك شعبي قوي يغير المشهد البائس إلى صورة جميلة يتطلع إليها الليبيون.
ورد في بيان الاجتماع الرباعي التأكيد
على التجاوب مع مبادرة باتيلي والاستعداد للمشاركة في الاجتماع، لكن بشروط، على ما
يفهم من بيانهم الذي حذر من النزوع الجهوي (المنفي ينتسب إلى قبائل الشرق)، ومن
الصفقات المشبوهة، وطالب بأن تجرى انتخابات عادلة ونزيهة.
المشهد يبدو ديناميكيا، وهذا يدلل على
إمكانية التئام الطاولة الخماسية ربما مباشرة، أو بعد اجتماعات تمهيدية لممثلين عن
الأطراف الخمسة، غير أن الذي لا ضمانة له هو اتفاقهم على القضايا الخلافية
والإعداد لانتخابات تقود البلاد إلى الاستقرار.
أولا، حضور الفرقاء المعنيين بالاجتماع
الخماسي يعني أن المسارات الموازية باتت هامشية، دون القطع بعدم العودة لها، فستظل
وسيلة لتحقيق المكاسب التي يبحث عنها كل طرف، خاصة إذا وقع انسداد في المسار
الخماسي، وظهرت ثغرات يدلف منها إلى دهليز التفاوض الخفي.
ثانيا، الأولوية بالنسبة لجبهة الشرق
هي تشكيل حكومة جديدة، وهو موضوع شديد الحساسية والتعقيد، وإصرار عقيلة صالح على
دعوة رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، للاجتماع لغايتين:
الأولى المحافظة على ماء وجهه أمام مجلس النواب الذي لا يعترف بأي سلطة أو شرعية
لدبيبة، والثاني له علاقة بتكتيات التفاوض، ذلك أن حضور حماد يعزز من قوة تفاوض
الجبهة الشرقية خاصة إذا اعتمد التصويت كآلية لتمرير أجندة التوافق.
ثالثا، الاجتماع الرباعي لا يعني أن
المشاركين فيه على قلب رجل واحد في تفاصيل ما ورد إجمالا في بيانهم، فعبارة
"أن الحل يكمن في قوانين انتخابية عادلة" يتضمن دعم المجلس الأعلى
للدولة وحكومة الوحدة في موقفها من القوانين التي أصدرها مجلس النواب، ولا يمكن
الجزم بأن عضوي المجلس الرئاسي، المشاركين في الاجتماع الرباعي، يتفقان كليا مع
تكالة وادبيبة في موقفهما من مخرجات لجنة 6+6 بعد التعديل عليها.
أيضا وردت عبارة "عدم الرضوخ
لسطوة السلاح"، والقصد هنا يمكن أن يكون حفتر باعتباره من يمثل قوة السلاح في
التفاوض، دون استبعاد ربط ذلك بحراك يقع في جنوب غرب العاصمة يستهدف إسقاط حكومة
الوحدة الوطنية.
أما "التورط في صفقات
مشبوهة" فلا تفسير له إلا الحراك المعني بإعادة تشكيل الحكومة والذي يضغط من
أجله عقيلة صالح ويبدو أن باتيلي يستجيب لتلك الضغوط، فهناك مؤشرات على فتحه ملف
تشكيل حكومة جديدة بالتشاور مع أطراف عدة.
على المسار السياسي، قد تكون الطاولة
الخماسية أخر ما في جعبة المجتمع الدولي لتفكيك النزاع واحتواء الخلافات، وفشلها
يعني السير الحثيث باتجاه تثبيت الانقسام وتجذيره وربما شرعنته، والسيناريو
المناقض لهذا التوقع هو حراك شعبي قوي يغير المشهد البائس إلى صورة جميلة يتطلع
إليها الليبيون.