كتاب عربي 21

جولة حفتر وخطاباته.. أي دلالة؟

السنوسي بسيكري
حفتر يجوب المدن الليبية بخطاب سياسي تصالحي.. لماذا؟  (الأناضول)
حفتر يجوب المدن الليبية بخطاب سياسي تصالحي.. لماذا؟ (الأناضول)

من الشرق إلى الجنوب فالوسط ثم الشرق، جولة غطت مساحة كبيرة من جغرافيا ليبيا، التقى فيها خليفة حفتر بأنصاره وغيرهم ممن ليسوا على وفاق كامل معه إلا أن الحاجة دعت ليكونوا من بين الجموع التي حضرت للقائه، فقد أظهرت بعض المقاطع المصورة تخص من ابتعثهم حفتر لحشد المكونات الاجتماعية أن السياسة والمصالح كانت حاضرة في مرحلة الإعداد للقاءات حفتر.

 

ألقى حفتر خطابات ينبغي القول إنها تجنح إلى السياسة أكثر من جنوحها للحرب، خلافا لما هو معهود عنه، بل إنه أشاد بدور خصومه في الغرب الليبي في مواجهة الإرهاب، وقد كان يعتبرهم ضمن جوقة الإرهاب والداعمين له، وهذا تطور له ما بعده في خطة إعادة تقديم حفتر نفسه للرأي العام الليبي.

 

الجولة تخدم حفتر من عدة جوانب، من أبرزها ترميم العلاقة مع القاعدة العريضة التي ناصرته وبدا أنها تصدعت لأسباب عدة منها مغامراته العسكرية، ومنها ممارسات أبنائه التي باتت محل انتقاد شديد، وليس آخرها الواقع السيئ الذي تعيشه المناطق التي يسيطر عليها حفتر، أمنيا واقتصاديا.

 

خطابات حفتر لا تخلو من اضطراب مبعثه محاولته شق مسار يساعده في استعادة الزخم والتأييد الشعبي الذي حظي به في السنوات التي سبقت الهجوم على طرابلس العام 2019م، هذا المسار الذي اختلط فيه السياسي مع الأمني والعسكري في توليفة من الصعب تمريرها.

 

صورة حفتر لدى أنصاره هي القائد العسكري الذي يتصدى للتهديدات الأمنية ويحفظ حياة الناس وأرزاقهم ويبني المؤسسة العسكرية التي هي عنوان الاستقرار ومبعث الأمان، ولقد نجح حفتر في رسم هذه الصورة في أذهان قطاع واسع من الليبيين أثناء المواجهات في بنغازي ثم درنة والجنوب الأعوام 2015ـ 2018م.

 

هذه الصورة أخذت في التلاشي رويدا بعد أن ظهر أن جيش حفتر ليس الجيش الذي ينشده الليبيون ولقد تورط عناصره في جرائم القتل والتصفية بدم بارد، وتسابق نافذون فيه على المصالح المادية ومراكمة الثروات، وبروز مجموعات مسلحة وأفراد ينتسبون للجيش سلوكهم لا يختلف عن المليشيات الخارجة عن القانون وأفعالهم لا تطالها يد العدالة.

 

النزعة للحكم والتورط في ممارسات تضر بسيادة البلاد للوصول للسلطة من قبيل التحالف مع قوى خارجية واستقدام آلاف من المرتزقة الأجانب من الروس والأفارقة هز صورة القائد العسكري المثالي، فقد ظهر أن حفتر يلهث خلف السلطة كما يلهث الآخرون، فما عاد يميزه عن الآخرين شيء في نظر كثير ممن أيدوه.

الحالة الضبابية التي اكتنفت دور حفتر في رسم مستقبل ليبيا خاصة بعد هزيمته في طرابلس وتخلي بعض حلفائه الإقليميين والدوليين عن دعمهم السخي له وتصدع القاعدة العريضة التي أيدته في الداخل ألجأه إلى هذه التعبئة ليرسل رسالة للجميع، قوى الخارج وفواعل الداخل، مفادها أنه لا يزال يتمتع بشعبية عريضة ويتحكم في رقعة واسعة من ليبيا

 

خطابات حفتر تعكس هذه الحالة، فحديثه اتجه إلى الديمقراطية والتداولي السلمي على السلطة، بعد أن هزأ بها وسعى بلا مواربة لتقويضها، وتحدث عن التنمية والعيش الرغيد، وهو يريد للمصالحة أن تأخذ حيزها، بل باشر في إجراءات رأى فيها البعض أنها خطوات جادة لطي ملف الماضي وما أعقب عملية الكرامة من انتهاكات ومصادرة لأملاك من عارضوها أو انتقدوها وإضطرارهم لترك مدنهم بعد أن صاروا يواجهون خطر القتل أو الاعتقال.

 

إلا إنه خلط بين الصالح والسيئ في حديثه، فالتهديد باستخدام القوة تكرر في خطاباته وهو يطوف المدن من الكفرة وسبها في الجنوب إلى سرت في الوسط ثم اجدابيا في الشرق، واضطراره لهذا التهديد هو للحافظ على بعض هيبته وهيبة القوات التي تتبعه، برغم أنه لا يستقيم مع الوجه السياسي المدني الديمقراطي الذي حاول أن يظهر به في جولته، وهو ما نقصده من اضطراب موقفه وارتباك المقاربة التي أراد أن يواجه بها إبعاده عن المنافسة عن منصب الرئاسة، ويعظم من خلالها حظوطه في التأييد الشعبي للانتخابات القادمة، ويهيء الرأي العام المؤيد له لأي مغامرة عسكرية قد تدفع التطورات على المستويين الداخلي والخارجي لتمريرها.

 

الحالة الضبابية التي اكتنفت دور حفتر في رسم مستقبل ليبيا خاصة بعد هزيمته في طرابلس وتخلي بعض حلفائه الإقليميين والدوليين عن دعمهم السخي له وتصدع القاعدة العريضة التي أيدته في الداخل ألجأه إلى هذه التعبئة ليرسل رسالة للجميع، قوى الخارج وفواعل الداخل، مفادها أنه لا يزال يتمتع بشعبية عريضة ويتحكم في رقعة واسعة من ليبيا وأن لا منافس له في تلك المناطق، خاصة الجنوب الذي لجأ إليه سيف الإسلام القذافي، وسيكون من العبث التفكير في إقصائه أو الحليلولة دونه ودون تحقيق طموحه في حكم ليبيا.

التعليقات (0)