كتاب عربي 21

حكومة باشاغا في سرت.. تحدٍّ أم فرصة؟

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

قد لا يكون شروع الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب بقيادة فتحي باشاغا بممارسة مهامها من مدينة سرت، وسط البلاد، إقرارا نهائيا بفشل رهانها على الدخول للعاصمة طرابلس كما وعد رئيسها باشاغا مرات ومرات، ولكن يمكن اعتباره إخفاقا أمام أولى وأهم التحديات، فأن تباشر مهام سلطتك بعيدا عن العاصمة فإن هذا يشكل في حد ذاته انتكاسة ربما سيبذل باشاغا وداعموه كل ما بوسعهم لتلافي أثارها.

السيناريو المشابه لاتفاق الصخيرات والذي جاء بحكومة الوفاق للعاصمة لتحل محل سلطة الأمر الواقع، حكومة الإنقاذ، لم يتكرر مع الحكومة الليبية في مواجهة حكومة الوحدة الوطنية، ودخل فايز السراج لطرابلس وأصبح السلطة الشرعية الوحيدة هناك، وهو الأضعف في نظر كثيرين، ولم يدخل باشاغا، لأن المشهد ببساطة مختلف تماما، وأول مظاهر اختلافه انقسام الأطراف الخارجية، الإقليمية والدولية، وتردد الفاعلين الدوليين، وفي مقدتهم الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية، في تأييد قرار مجلس النواب بتغيير الحكومة ثم الاعتراف بها.

بمباشرة الحكومة الليبية مهامها وسلطاتها من سرت يعود الوضع في البلاد إلى مربع الانقسام ما بعد العام 2014م والذي استمر إلى العام 2021م، مع التأكيد على بعض أوجه الخلاف بين المرحلتين، والقصد هنا أن حكومة باشاغا قد لا تختلف كثيرا عن حكومة الثني في شرعيتها وسلطتها، إلا أن شرعية وسلطة ادبيبة لن تكون بمستوى الاعتراف والتأييد الدولي الذي حظيت به حكومة الوفاق.

 

لا يستبعد أن يكون من بين خيارات وأهداف باشاغا وداعموه هو إعادة التموضع سياسيا في مواجهة تراخي إقليمي دولي إزاء حكومته، بمعنى أن يكون شروع الحكومة في ممارسة مهامها من سرت ليس فقط لفرض أمر واقع بل أيضا لتحقيق التوازن والوقوف على أرضية أكثر صلابة قبل الدخول في جولة حاسمة من التفاوض.

 



صحيح أن ابتعاد الحكومة الليبية عن مركز وتأثير البرلمان والقيادة العامة التابعة له قد يوفر لها هامشا أكبر مما تمتعت به الحكومة المؤقتة في البيضاء، إلا أن مصدر السلطة السياسية والمالية سيكون مجلس النواب، ومصدر السلطة العسكرية والأمنية ستكون القيادة العامة، والبرلمان والقيادة العامة هما أسماء رسمية لكيانات سياسية بمشروع خاص لا يتقاطع بالضرورة مع المصلحة الوطنية، مما يعني أن باشاغا سيكون أمام خيارين: إما الاستقلال بالقرار التنفيذي بأوجهه المختلفة، السياسي والمالي والأمني، باعتباره شخصية قوية ومستقلة ولديه مشروع وطني للإصلاح، ونتيجة هذا الاتجاه معلومة سلفا، وهي الصدام مع قيادة البرلمان وقيادة الجيش. وإما أن يغلِّب المصلحة الشخصية الضيقة فيتماهى مع توجهاتهما في مقابل حفاظه على منصبه وتمتعه بمزاياه مهما كانت محدودة، ونتائج ذلك ستكون كبيرة على الرصيد السياسي لباشاغا وعلى طموحاته المستقبلية.

ينبغي أن ينتاب الليبيين القلق من أن يتجه تركيز باشاغا ومن حوله من مسؤولين في حكومته، ومن ورائهم عقيلة صالح وخليفة حفتر ومن حولهما من عصبة، على إنهاء الانقسام الجديد ولو كان ذلك عبر استخدام القوة، وعندما تكون في نظر نفسك ومن حولك أنك السلطة التنفيذية الشرعية ويكون لديك الجرأة أن تتخذ قرارات كبيرة ستنتظر فقط الفرصة المواتية لتمارس صلاحياتك دون اعتبار كبير للنتائج.

بالمقابل لا يستبعد أن يكون من بين خيارات وأهداف باشاغا وداعموه هو إعادة التموضع سياسيا في مواجهة تراخي إقليمي دولي إزاء حكومته، بمعنى أن يكون شروع الحكومة في ممارسة مهامها من سرت ليس فقط لفرض أمر واقع بل أيضا لتحقيق التوازن والوقوف على أرضية أكثر صلابة قبل الدخول في جولة حاسمة من التفاوض.

والخلاصة هي أن المشهد الليبي ابتعد مسافة عن التوافق النسبي الذي أثمر حكومة واحدة في فبراير 2021م، وقد تكون التجربة المريرة للعدوان على طرابلس حاضرة في ذاكرة من أعطوا مهجهم وأرواح أبنائهم وذويهم لحفتر فلا يصار إلى مغامرة شبيهة، إلا أن جسر الهوة الجديدة بين الطرفين لن يكون أمرا هينا ولن يتحقق بإرادة ليبية، في المدى القصير على الأقل، وقد تطول فترة الإنقسام ويتبعها تداعيات إضافية على البلاد والعباد، ما لم تظهر بعض النتائج الإيجابية للحرب الروسية الأوكرانية ويصاحبها ضغط دولي باتجاه تجاوز الأجسام التشريعية والتنفيذية الراهنة واستبدالها بأخرى عبر صناديق الانتخابات. 


التعليقات (0)