قضايا وآراء

الحرب الروسية ـ الأوكرانية.. المخاوف والعِبر الأولية

جواد الحمد
1300x600
1300x600

شهدت الأسابيع الأربعة الأخيرة (ابتداء من يوم 26 شباط/ فبراير 2022) اندفاع القوات الروسية المسلحة بأسلحتها الثقيلة البرية والجوية والبحرية في هجوم كبير على جمهورية أوكرانيا المجاورة، وبغض النظر عن خلفيات الحرب ودوافعها، بل والمواقف الدولية منها، غير أن الاتجاه العالمي لحسم الخلافات بقوة السلاح والحروب، بل واحتلال أراضي الغير بالقوة، لا زال سيد الموقف، خصوصاً لدى الدول الكبرى في العالم.

فقد شهدنا في العقود الماضية الحرب الأمريكية على أفغانستان واحتلالها عام 2001، وشهدنا الحرب الأمريكية على العراق واحتلالها عام 2003، وشهدنا حروباً سابقة لروسيا على جورجيا وعلى أوكرانيا قبل أقل من عقد من الزمان، أعوام 2008 و2014، كما شهدنا التدخل العسكري الروسي المسلح الثقيل في سوريا بغطاء وصمت دولي منذ العام 2015، وغيرها الكثير.. 

ولا يمكن إهمال الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي للمناطق الكثيرة في العالم، ومنها كل العالم العربي تقريباً، وقبلها الحربين العالميتين الأولى 1914 والثانية 1945، والتي تبعتها الحرب الصهيونية بالعصابات المسلحة على فلسطين برعاية بريطانية مباشرة عام 1947 ـ 1948، ناهيك عن الحروب الأهلية والصراعات بين الدول الصغرى والقوى الاجتماعية في دولة واحدة كما حصل في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومؤخراً في بعض الدول العربية مثل ليبيا واليمن والعراق وسوريا.

ولذلك أصبح لدى العالم خلال القرن المنصرم ومطلع القرن الجديد خبرة كبيرة في مدلولات الحرب وتداعياتها ونتائجها الوخيمة على السكان والتجارة والصناعة والموارد الطبيعية، وفي ظل انفتاح العالم في كل قاراته بعولمة اقتصادية عارمة أصبحت أي حرب تشكل أزمة للاقتصاد العالمي بمجمله مع تفاوت تأثيراتها على مختلف الدول والقارات، الأمر الذي يجعل التنبؤ بنتائج وانعكاسات الحرب الاجتماعية والإنسانية والديمغرافية والأمنية والاقتصادية، بل وعلى الصحة والتعليم، يخضع لخبرة طويلة لدى العالم الحديث من الحروب، ولذلك فإن استمراره بتقبّل استخدام القوة العسكرية المدمّرة في حسم الخلافات السياسية على مستوى الدول القوية، وغالباً في الاعتداء على الدول الضعيفة، أمر مقلق للنظام الدولي العام وللحضارة الإنسانية، وبرغم ذلك فإن النظام الدول لا زال عاجزاً عن فرض الإرادة الدولية لتطبيق قراراته إزاء العديد من الصراعات، وأهمها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتشريد شعبها وممارسات الانتهاكات الصارخة بحق أرضه وسكانه وموارده ومقدساته دون أي محاسبة دولية، كنموذج لرفض الإرادة الدولية لإحقاق حقوق الشعوب والدول الأقل في القوة العسكرية.

وبناء على ما سبق، فإن الجزع الذي يصيب العالم من مخاوف حول التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية ـ الأوكرانية له ما يبرره فعلاً، وإنّ تدفق أفواج اللاجئين إلى الدول المجاورة لمنطقة الحرب إنما يشكل تحدياً كبيراً للبنية التحتية وللأمن وللوضع الاقتصادي والصحي والتعليمي العامّ في هذه الدول، بل يشكل ضغطاً ربما غير محتمل لدى بعضها على الخدمات العامة، ولذلك فإن السعي الدولي لوقف الحرب وحل النزاعات والخلافات الروسية والأوكرانية سلمياً وعبر المفاوضات إنما يشكل آلية ممكنة في ظل تجنب الكثير من دول العالم من الخوض العسكري المباشر في الحرب بصرف النظر عن مواقفها من أسباب الحرب ودوافعها.

 

لا بد هنا من توضيح إشكالية الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 74 عاماً على مسمع مرمى العالم، ودون اتخاذ أي إجراءات رادعة من قبل أي دولة من دول العالم الكبرى والصناعية، وخصوصاً حلفاء إسرائيل الأوروبيين والأمريكيين لردعها ومنعها من الاستمرار بالعدوان وانتهاكاتها الصارخة للحقوق والأرض والمقدسات

 



وتشير المعطيات الأولية إلى أن حجم الدمار واللجوء والنزوح السكاني، ووصول حجم الإصابات والقتلى في الحرب إلى أرقام كبيرة نسبياً خلال الأسابيع الأولى للحرب، وبرغم استخدام أسلحة وصواريخ ومدافع ودبابات وطائرات ثقيلة الوزن العسكري، غير أن الشهر الأول لم يتمكن من حسمها لصالح دولة عظمى مثل روسيا، ما يؤشر على أن روسيا قد تتورط بحرب طويلة الأمد تتسبب باستنزافها اقتصادياً، خاصة في ظل عقوبات قاسية تفرضها الدول الغربية وبعض حلفائها في العالم، كما قد تتسبب بشرخ جديد في منظومة العلاقات الدولية في ظل حرب طرد الدبلوماسيين من الأطراف ذات الصلة.

وعلى أي حال، يهدف سَوْق هذه المعطيات التاريخية والواقعية اليوم لهذه الحرب وشبيهاتها إلى تقديم رؤية فكرية سياسية تستند إلى المفهوم الحضاري الإسلامي والعربي القائم على أن الحرب والسلاح هو آخر الوسائل اللازمة لردع المعتدين فقط وإنصاف المظلومين، وأنّ اللجوء إلى هذه القوة المدمرة بعمليات توسع عدوانية إنما يشكل اعتداء على الإنسانية، وأنّ صيانة الحريات الدينية والفكرية للبشر وللمجتمعات، وكذلك للحكومات بين المنظومة الدولية، إنما يشكّل حجراً مهماً في التفاعل الحضاري الإنساني ويخفف من حدة الحروب والعدوان واحتلال أرض الغير بالقوة بلا وجه حق.

ولا بد هنا من توضيح إشكالية الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 74 عاماً على مسمع مرمى العالم، ودون اتخاذ أي إجراءات رادعة من قبل أي دولة من دول العالم الكبرى والصناعية، وخصوصاً حلفاء إسرائيل الأوروبيين والأمريكيين لردعها ومنعها من الاستمرار بالعدوان وانتهاكاتها الصارخة للحقوق والأرض والمقدسات، ولا زال النظام الدولي عاجزاً لأسباب غير مقنعة عن تطبيق قراراته المتعلقة بالصراع العربي- الإسرائيلي على إسرائيل حتى أصبحت دولة عاصية ومارقة وفق القانون الدولي.

وبصرف النظر عمّن سينتصر في أي حرب فإن خسائره المادية والبشرية مكلفة، وسينعكس ذلك على توفر الطاقة والسلاسل الغذائية، ما يعني أن طرفي أي حرب من هذا النوع خاسران بالمفهوم الإنساني الحضاري، وإن كان أحدهما رابحاً بالمفهوم العسكري المجرّد.

ولذلك فإن المطلوب اليوم في النظام الدولي والأنظمة الإقليمية هو ما ينبغي أن تتبناه القيادات العربية وجامعة الدول العربية، ويقوم على التوجهات التالية:

1 ـ التأكيد على أهمية نزع السلاح النووي من كل دول العالم، بما فيها الدول الكبرى والدول التي تملك السلاح النووي، ومنها بالطبع إسرائيل التي لا تخضع للرقابة الدولية، وذلك حتى لا تُقدِم أي دولة على الاعتداء على دول أخرى وهي تهدّد باستخدام هذا السلاح، أو أن تفاجئ دولةٌ ما العالم باستخدامه في بعض الحروب، كما فعلت الولايات المتحدة في القرن الماضي مع اليابان.

وفي الوقت نفسه توسيع دائرة منع استخدام الأنواع المحرّمة من السلاح التي تتسبب بآثار مدمرة واسعة أو بآثار صحية وبيئية طويلة المدى، والنّصّ على عقوبات محددة إزاء من يستخدم السلاح النووي أو يخفيه، وكذلك من يستخدم أي نوع من الأسلحة المحرّمة، أو ينتهك أسباب تحريم الأسلحة المذكورة بأي سلاح جديد.

 

المطلوب اليوم السعي الحثيث دولياً وإقليمياً وعربياً لمنع اندلاع الصراعات المسلحة، ما لم تكن احتلالاً بالقوة العسكرية المفرطة من قبل قوة خارجية، ورفع شعار السلام الحضاري القائم على الحقوق وعلى الاحترام المتبادل للقيم الإنسانية المشتركة بين مختلف الرسالات السماوية".


2 ـ التأكيد على أهمية رفع البعد الإنساني والقيمي ومصالح المواطنين اليومية من الغذاء والتعليم والصحة والأمن الشخصي كأساس في التفكير بأي حرب واسعة كهذه.

3 ـ التأكيد على أن منظومة الأمن العربي مستقلة عن المنظومات الأخرى وتتمتّع بروح المسئولية، فلا تنحاز لأي محاور متحاربة في العالم من جهة، ولا تتجاسر بالحرب على بعضها على مستوى الدول وعلى مستوى الصراعات الداخلية بصفة مليشيات مسلحة، سواء بدوافع خاصة فكرية أو أيديولوجية أو إثنية، أو بسبب ارتباطاتها بمصالح دول إقليمية أو كبرى قد تدفعها للقيام بأعمال من هذا النوع لا تخدم حتى هذه المليشيات ذاتها، بل تخدم مصالح تلك الأطراف الإقليمية والدولية.

4 ـ السعي الحثيث دولياً وإقليمياً وعربياً لمنع اندلاع الصراعات المسلحة، ما لم تكن احتلالاً بالقوة العسكرية المفرطة من قبل قوة خارجية، ورفع شعار السلام الحضاري القائم على الحقوق وعلى الاحترام المتبادل للقيم الإنسانية المشتركة بين مختلف الرسالات السماوية.

5 ـ سرعة تطويق عدد من القضايا العادلة التي تخضع شعوبها لمظالم واحتلال عنيف وقاسٍ يحرمها حتى من حق التنفس للهواء في بيوتها، كما هو حال الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإجراءته الصارخة ضد الشعب الفلسطيني بكل أنواع العدوان اليومي، وفي كافة أنحاء فلسطين، وكذلك حال كشمير، وغيرهما.

6 ـ سرعة الإدماج السياسي في مستويين: الأول للقوى السياسية والاجتماعية في كل بلد من بلدان العالم العربي والإسلامي، ودول العالم الأخرى، لتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين أمام القانون، وفي الوقت نفسه العمل على تحقيق الإدماج لمختلف دول العالم في المنظومة الدولية على قدم المساواة، ولحفظ حقوق كافة الدول بالاستقلال والعيش بسلام بعيداً عن التدخلات الخارجية والعقوبات والمحاصرة، كما حصل مع دول عربية وإسلامية عديدة.

7 ـ اعتماد قواعد الفكر الإسلامي ومبادئه بخصوص قواعد الحروب، والقاضية بمنع قتل الأطفال والنساء وكبار السنّ، ومنع هدم دور العبادة، ومنع الاعتداء على الطبيعة ومصادرها المختلفة، ومنع الاعتداء على كافة المنشآت المدنية، وخصوصاً المستشفيات ومؤسسات التعليم والمصانع والمزارع والمساكن الخاصة المدنية، والمؤسسات الحكومية الخدمية متعددة الأغراض، ومنع التجويع والحصار لأي شعب، وحفظ كرامة الأسرى ومعاملتهم بالقيم الإنسانية الراقية من الإطعام والعلاج، ومداواة الجرحى، والتواصل مع أهلهم، وإجراء عمليات تبادل رحيمة بين الدول للأسرى.

لا شك أن دروس الحروب التي خاضها العالم واسعة، وأن الأمثلة على الانتهاكات فظيعة وهائلة، وفي الوقت نفسه فإن مفهوم القيم الإنسانية الحضارية التي تمثلها الحضارة العربية الإسلامية تمثل مصدراً مهماً لاشتقاق هذه القواعد، وهي بمجملها بعيدة عن الأمثلة الشاذة أو الفردية التي لم تلتزم بهذه القيم، والتي تحتوي المواثيق الدولية جزءاً مهماً منها، لكن الدول لا تزال غير ملتزمة إلا بالنزر اليسير منها، والعقوبات انتقائية، وحسب الظروف، ضد من ينتهك هذه المبادئ والقيم.


التعليقات (0)