كتاب عربي 21

سعر 4.48 دينار ليبي للدولار.. ماله وما عليه

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

بداية أعبر عن امتعاضي من إحجام المسؤولين عن الظهور الإعلامي أوقات الأزمات وفي الظروف الحرجة التي تتطلب تواصلا مع الرأي العام لتبيان ما جرى، وقرار تعديل سعر صرف الدينار الليبي حدث كبير أوقع جدلا واسعا كان يمكن احتواؤه أو التخفيف منه لو ظهر محافظ المصرف المركزي أو عضو مجلس إدارة بالمصرف لشرح الحثيثات الخاصة بقرار اعتماد سعر 4.48 لتداول الدولار.

ماذا يعني سعر الصرف الجديد؟

تلجأ الدول إلى تعديل سعر صرف عملتها المحلية، بالرفع والخفض، لمواجهة ظروف ومستجدات تتطلب مثل هذه السياسة، وسياسة تخفيض سعر الصرف، تلجأ إليها الدول في أوقات الركود وسعيا لتنشيط الاقتصاد من خلال زيادة الطلب على المنتج المحلي في الأسواق الخارجية، وتقليل الاعتماد على الصادرات عبر ما يتوفر من السوق المحلي، وهذا يشترط أن يكون الاقتصاد منتجا، صناعيا وخدميا، وهو ما لا يتوفر في الحالة الليبية لصغر حجم القاعدة الانتاجية غير النفطية والاعتماد كليا على النفط الذي هو سلعة مقيدة من حيث كميات الإنتاج ومستوى الأسعار.

إلا أن أسباب تخفيض سعر صرف الدينار اليوم إنما تعود إلى تدهور قيمته أمام الدولار وما ترتب على ذلك من آثار سلبية مثل الاعتماد على السوق الموازي لبيع العملات وارتفاع أسعار كافة السلع والنقص الشديد في السيولة التي خلقت وضعا اقتصاديا صعبا لليبيين.

تعديل السعر وليس فرض الرسوم

اعتمدت حكومة الوفاق آلية فرض الرسوم على بيع الدولار كحل لأزمة الدينار وارتفاع الأسعار ونقص السيولة في المصارف، حيث لم يتم المساس بسعر صرف الدينار وفرض رسوم على بيعه بلغت 183% أوصلت قيمة الدولار من 1.40 تقريبا إلى نحو 4 دينار للدولار. وحققت السياسة نتائج مرضية نسبيا خاصة وقف الارتفاع الملحوظ للدولار في السوق الموازي والذي تجاوز 9 دينار والقضاء على ظاهرة الطوابير الطويلة أما المصارف طلبا للنقد.

 

السعر الجديد سيعالج اختلالات جلية منها القضاء على ازدواجية سعر صرف الدولار ما بين سعر رسمي في البنوك وسعر موازي في السوق السوداء، والتي فتحت المجال لتعاظم الفساد من خلال الحصول على الدولار بسعر مخفض من البنوك وبيعه في السوق الموازي بفارق كبير.

 



إلا أن فرض الرسوم فتح الجدل حول عوائد بيع الدولار والتي فاقت إيرادات النفط مقدرة بالدينار الليبي، وكانت من بين أسباب اندلاع الخلاف بين صناع السياستين المالية والنقدية، ولو تم التحكم في عوائد بيع الدولار لصارت هذه الآلية هي الأنسب في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، كحل مؤقت إلى حين تحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي.

ما للسعر وما عليه

السعر الجديد سيعالج اختلالات جلية منها القضاء على ازدواجية سعر صرف الدولار ما بين سعر رسمي في البنوك وسعر موازي في السوق السوداء، والتي فتحت المجال لتعاظم الفساد من خلال الحصول على الدولار بسعر مخفض من البنوك وبيعه في السوق الموازي بفارق كبير. أيضا سبب ازدواج السعر مشاكل متعلقة بالتهريب وأربك حركة الاقتصاد بسبب ارتهانه لتقلبات سعر الدولار في ظل الأزمات المتكررة.

المسألة الأكثر أهمية هو توفير تدفق نقدي كبير للخزينة العامة يغطي النفقات ويزيد، فعند مستوى إنتاج وسعر النفط الحاليين، وبعد اقتطاع مصروفات إنتاجه والمصروفات الأساسية الأخرى بالدولار، فإنه من المرجح تحقيق إيراد سنوي يبلغ 16.5 مليار دولار، في حين ما تحتاجه الميزانية العامة مقومة بسعر الصرف الجديد في حدود 10.5 مليار دولار. مما يعني تغطية النفقات العامة وتحقيق فائض بالعملة الصعبة يمكن توجيهه لمشروعات التنمية. 

بالمقابل، فإن السعر يثبِّت التضخم بشكل رسمي عند مستوى قريب من مستواه الحالي. بمعنى أن تصبح دخول معظم الليبيين متدنية بشكل كبير بالنظر إلى سعر صرف الدينار الجديد وبسبب الاعتماد الكلي في الاستهلاك على الخارج.

استدراكات ومحاذير

كان يمكن أن تتحقق الأهداف المرجوة عند مستوى سعر صرف أقل من السعر المعتمد خاصة تعظيم الايرادات بالدينار الليبي مع تخفيف العبء على الشريحة الواسعة من محدودي الدخل، فسعر 3.75 كان سيغطي النفقات العامة ويشكل تراجعا مقبولا في المستوى العام للأسعار، وعليه فإن الحكومة مطالبة بمعالجة مشكلة التضخم وتدني الدخول بطريقة تحسن من مستوى عيش الليبيين ولا يكون لها اثار اقتصادية سلبية.

من ناحية أخرى، فإن استثنائية وصعوبة الوضع الاقتصادي قد تجعل للسعر الجديد ميزات وقد يحقق نتائج إيجابية كما سبق الذكر، إلا إن ذلك سيعتمد على مدى توفر الدولار لطالبيه ومنع أي احتيال قد يقع في المصارف يقود إلى استمرار الازدواجية في سعر الدولار حتى بعد تعديل وتوحيد سعر صرفه أمام الدينار.

أخيرا.. ينبغي التنبيه إلى أن الأزمة الراهنة لها خصوصيتها بالرجوع إلى أسبابها والتي من أبرزها التلاعب بمصدر الدخل وهو النفط، والسياسات المالية والنقدية القاصرة، إلا إنها تنتمي إلى أصل حالة التأزيم الاقتصادي التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي فترة تبني الاشتراكية وما ترتب عليها من اختلالات كبيرة ماتزال تصاحب الاقتصاد الوطني وتفتك به، وبالتالي فإن معالجة أزمة الاقتصاد الليبي ينبغي أن تتجه بعد الاستقرار السياسي إلى إصلاح الخلل البنيوي بتوسيع قاعدة الإنتاج وإنهاء حالة الاعتماد الكلي على النفط.

التعليقات (3)
أحمد يوسف علي
الأحد، 20-12-2020 02:00 ص
كذلك تقلص عدد يزيد عن مائة سفارة وممثلية لليبيا في العالم إلى أقل من نصف هذا العدد، مثلا قد يتم تكليف دولة أخرى برعاية المصالح(إن وجدت) في الخارج أو تكليف سفراء فوق العادة، ودمج كل ثلاثة سفارات في واحدة خاصة في دول أوربا لقربها المكاني وسهولة التنقل وأفريقيا لعدم ضرورتها وبذا يمكن أن يتقلص الرقم إلى أقل من خمسة الآف بدل خمسة وعشرين الف لسفارات لا نراها مطلقا، مثلا أنا شخصيا زرت تقريبا أكثر من ثلاثين عاصمة ولم أدخل سفارة ليبية الا مرتين يتيمتين، لي نحو ثمان أعوام في الولايات المتحدة ورغم زياراتي لواشنطن إلا أني لم أعرف السفارة هنا عنوانا ويقال أن بها أكثر من عشرين موظفا. والله الموفق
أحمد يوسف علي
الأحد، 20-12-2020 01:48 ص
أشك في وعود المسئولين، خاصة في ظل الانقسام الحاصل في "الدولة" ومؤسساتها. بالنسبة للمواطن لن يتأثر لو فعلا تم تطبيق التكييف الجديد للدينار لأسباب أهمها المواطن لم يعد همه في السفر إنما توفير متطلباته اليومية والتي كلها عبارة عن دولار حتى ما ينتج محليا من خضار وفواكه ومواشي وغيرها. ثبات السعر وتوحيد والأهم توفره يعطيه فرصة ممتازة لتنافس شريف بين التجار ومقدمي الخدمات ما يعطيه خدمة أفضل. سعر الصرف المقدم للمواطن لتلبية إحتياجاته ليس هو المعلن عنه في البنك بل الضعف تقريبا. هذا قد يساهم في خفض الاسعار بنسبة تفوق على الأقل 25% لا يهم إن أصبح معدل ما يقبضه المواطن مائة دولار او مائتين، فما كان يتحصل عليه في السنوات السابقة أقل من ذلك بكثير. الدولار له أربعة اسعار واستفاد من هذا "حيتان القرش" وهي تقريبا 3دولار القيمة الفعلية الأخيرة التي تعامل بها المركزي، 0.79 سنت للدينار أي كل دينار يراوح في حدود 1.35 دينار، والزيادة ما قبل الأخيرة وهي 3.70 دينار مقابل دولار إضافة لسعر السوق الموازية. الآن أصبح صوت التجار الكبار يرتفع محتجا فهم المستفيد ويدعون أنهم لا يحصلوا على إعتمادات وهم فعليا تصرف لهم بالملايين، أقلها مائة ألف دولار للإعتمادالواحد، ويحاسبوا المواطن بسعر السوق السوداء. صغار التجار هم متضررين سابقا مثل المواطن. كونهم يشتروا الدولار من السوق السوداء لصغر رأس مالهم وعدم تخصصهم في استيراد سلع بذاتها، العائق الذي كان يفرضه المركزي أمام الاعتمادات، بحيث أقل قيمة للاعتماد 100 ألف دولار، على أن تكون سلعة وحيدة النوع. يعني تاجر جملة الجملة. الآن أصبح بإمكانهم شراء العملة من البنك وفق قدرتهم وحريتهم في تنويع السلع التي ييبعون. مثلا صاحب سوبر ماركت يحتاج لخمسين الف دولار ليوفر احتياجات زبائنه لمدة نصف شهر مثلا، سيكون له ذلك، رغم أن هذا سيلغي نوعا ما تجارة جملة الجملة وإحتكار بعض السلع. بالنسبة للرقم المقرر 4.48 فرضه عليهم حجم العملة المتداولة خارج البنوك، مقابل ما يتوفر لهم حاليا من فائض عملة صعبة تم إقراضه للمركزي لهذا الغرض، فلو جعلوه أقل مثلا بدينارين، هذا سيجعل عدد محدود يسحب كل الدولارات ويتحكم في إعادة بيعها، ولا ترجع القيمة المقدرة بمائة وعشرين مليار دينارا ليبيا إلى مائة وثلاثين إلى البنوك وبذا يبدو الأمر "كأنك يا بوزيد ما غزيت"، والقرض يشاع أنه 27 مليار دولار أو 29، هذا الرقم هو تقريبا نفس الرقم في حسابات قذافي الدم او نصفه عند الطيب الصافي، وضعفه عند الامارات مجمد شكليا لكن الامارات التي خلقت عالميا لتبييض الاموال وغسلها تتصرف فيه. ما حدث أعطى مؤشر أن هولاء المئات من السلطة التشريعية ومثلهم من السلطات التنفيذية والموفدين بسفارات للخارج لا داعي لوجودهم أصلا فمثلا هكذا قرارات تقترح من سلطة تنفيذية وهي الوزارات المختصة على الجهات التشريعية لمناقشة وأعتمادها ولكن للأسف فإن رؤساء تنفيذيون فنيون هم من قرر ونفذ. إذا لتلغى كل المؤسسات التي تثقل كاهل المواطن بمصروفاتها، ولن يتغير الوضع الا نحو الأفضل. هناك إجراءات مهمة يجب أن تصاحب هذا القرار وتكون هي الرجل الثانية التي يمشي بها: هناك دعم (وهمي ) بقيمة نحو سبع مليارات دولار تذهب مغنما لآيادي خفية لا يراها المواطن وتسبب في اثقال كاهله ومشاكل وحروب وتهريب وعصابات جريمة منظمة وتذهب معظمها لدول الجوار يجب أن تلغى كلية من الموازنة ويحصل الآتي: تقريبا بتزوير الارقام الوطنية عدد الليبيين 7 ملايين. يعني هذا أن لكل مواطن الف دولار سنوي. تدفع هذه القيمة بالدولار لكل مواطن ويرفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والسلع الاساسية، وسنلاحظ التحسن الملحوظ في حياة المواطنين، وفي الخدمات وفي توفير الكهرباء والطاقة، وفي التقليل من الجريمة وحوادث السير والحفاظ على البيئة. والله الموفق
خالد مصطفى
السبت، 19-12-2020 08:52 م
لدي سؤال اخي الاستاذ السنوسي لقد تابعت حوارك حول هذا الموضوع في قناة ليبيا لكل الاحرار وفهمت ان هذ الامر سوف يساعد حل كثير من مختنقات الاقتصاد الليبي ولكن الا ترى ان زيادة سعر الصرف بالوضع الحالي دون ان يصاحبه تعديل في دخل الموظف لدى الدولة بما يتماشى مع السعر الجديد وكانه قرار في خفض للمرتب بما يزيد عن ثلاثة اضعاف بطريقة غير مباشرة حيث متوسط الدخل للموظف حوالي 500 دولار تدفعها الدولة بالعملة المحلية بما يقابل 800 دينار اما بالحسبة البسيطة سوف يقل الى حوال 170 دولار بسعر الصرف الجديد وهذا يؤثر في المديونية المحلية للدولة فمثلا الموظف الذي يدين للدولة بما يقابل 5000 دولار مرتبات متاخرة اذا دفعتها بالعملة المحلية بسعر الصرف الجديد يكون المبلغ هو نفسه ولكن بالدولار حوالي 2000دولا بدل 5000 ! ارجو توضيح هذه الاشكالية لانني مواطن بسيط وهذا مابدالي من تفسير لهذا الاشكال وشكرا لكم