قضايا وآراء

أحداث الأزمة السودانية واستراتيجية الخروج

جواد الحمد
1300x600
1300x600

شكّلت التحولات السياسية في السودان منذ 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018 أزمة عربية جديدة، نتجت عنها تداعيات كبيرة على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في السودان والمنطقة.


شهد السودان أزمة سياسية واقتصادية، تمثلت بالاحتجاجات التي اتسعت في مختلف المدن وبمشاركة شرائح واسعة من المجتمع والاتجاهات السياسية، والتي طالبت بإسقاط النظام ورحيله، وذلك لأسباب عديدة أهمّها: ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية كمحرك مباشر، والتوتر السياسي الداخلي وتراجع الحريات بالمقياس السوداني، وانغلاق الحياة السياسية، والأزمة الاقتصادية الناتجة عن سوء الإدارة والحصار الأمريكي الدولي الخانق، وانفصال الجنوب وفقدان مورد اقتصادي كبير من عائداته، إضافة إلى استمرار التمردات المسلحة، خصوصا في منطقة دارفور.

وقد شهدت الاحتجاجات أعمال عنف راح ضحيتها العشرات، مما زاد من قوة وحدّة واتساع الاحتجاجات في ظل معالجة غير موفقة من نظام الحكم القائم برئاسة عمر البشير الذي أعلن الطوارئ ومكّن العسكر من حكم الولايات في 23 شباط/ فبراير 2019. وفي 6 نيسان/ أبريل 2019 اندفعت الاحتجاجات إلى مقر وزارة الدفاع وقيادة الجيش والقصر الجمهوري، مما زاد من حدّة الأزمة ومخاطرها على النظام وعلى الاستقرار السياسي في البلاد، وفي 11 نيسان/ أبريل 2019 اتخذت اللجنة الأمنية بقيادة وزير الدفاع قرارا بتنحية الرئيس عمر البشير وإنهاء حكمه، وتولي مجلس عسكري انتقالي برئاسة وزير الدفاع عوض بن عوف السلطة لفترة انتقالية أقصاها سنَتَان تجري خلالها إصلاحات سياسية وانتخابات عامة تقود إلى مجلس شعب وحكومة مدنية، وفي اليوم التالي أعلن بن عوف استقالته وإقالة نائبه، وهو رئيس الأركان، وتعيين عبد الفتاح البرهان رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي والذي بدوره عيّن محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائبا له.

وعلى إثر ذلك تفاقمت الأزمة بارتفاع سقف المطالب من المحتجين بتسليم السلطة إلى المدنيين، وتحييد أي دور سياسي للجيش، وبرزت "قوى الحرية والتغيير" كممثل شرعي للمحتجين، وبدأت مفاوضات مع المجلس العسكري في 13 نيسان/ أبريل 2019، أي بعد يومَين من إقالة الرئيس البشير، على آليات المرحلة الانتقالية والضوابط الناظمة لهذه المرحلة.

وقد شهدت المفاوضات الكثير من التوترات التي بلغت ذروتها بقيام قوات الأمن بفض الاعتصام القائم أمام القيادة العامة في 3 حزيران/ يونيو 2019 مما أدى إلى إيقاف التفاوض، ودفع برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لزيارة السودان وقيادة جهود وساطة شارك فيها الاتحاد الأفريقي لإعادة إحياء التفاوض بين الطرفَين، والتي نتج عنها توقيع وثيقة دستورية توافق عليها المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير" في احتفالية رسمية في 17 آب/ أغسطس 2019.

وقد نصّت الوثيقة على أن تكون مدة المرحلة الانتقالية 39 شهرا تتم إدارة البلاد فيها من خلال ثلاثة مستويات للحكم: مجلس السيادة الذي تم الاتفاق على اقتسام عدد أعضائه مناصفة بين العسكريين والمدنيين، وأن تكون رئاسته بالتناوب على مرحلتَين تستمر الأولى منهما لـ21 شهرا يقودها العسكريون يمثلهم الفريق عبد الفتاح البرهان، وتستمر الثانية لـ18 شهرا يختار المدنيون رئيسها من "قوى الحرية والتغيير". والمستوى الثاني هو مجلس الوزراء الذي يقوم بإدارة الوزارات والمؤسسات وتنفيذ السياسات، على أن تشكّله "قوى الحرية والتغيير". والمستوى الثالث هو مجلس تشريعي انتقالي يكون لـ"قوى الحرية والتغيير" 67 في المئة من أعضائه و 33 في المئة لباقي القوى السياسية بالتشاور مع "قوى الحرية والتغيير"، واستبعاد حزب المؤتمر الوطني الذي كان حاكما من عضوية المجلس. وقد تسبب هذا الاتفاق بردود فعل متباينة من القوى والأحزاب السياسية، كما شهدت تلك الفترة إيداع الرئيس السابق وعدد من رموز نظامه السجن والتحقيق.

تتوزع الأطراف المحلية للأزمة على ستة فاعلين أساسيين: اثنين منهم في السلطة، وهما المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير، وأربعة منهم خارج إطار الحكم الانتقالي، وهم الحركات المتمردة المسلحة، والأحزاب السياسية خارج مجموعة "قوى الحرية والتغيير"، وحزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم السابق) والتيار الإسلامي، ولكل من هذه الأطراف أولوياته وقدراته على التأثير في المشهد السوداني.

أما الأطراف الخارجية للأزمة، فتتوزع على أربعة محاور: عربية وأفريقية وإقليمية ودولية. وفي الوقت الذي لم يُبد فيه أي من هذه الأطراف اعتراضا على التغيير الذي حصل في السودان، بالإضافة إلى التعبير عن الدعم للوثيقة الدستورية والحكومة الانتقالية، إلا أن أولويات هذه الأطراف تختلف تبعا لمصالحها ورؤيتها للطرف المعبّر عنها في السلطة الانتقالية بين المكونّين العسكري والمدني. فبالنسبة للأطراف العربية والأفريقية تتركز أولوياتها على الدور الذي من الممكن أن يلعبه السودان في بعض الملفات الراهنة كالأزمة الخليجية والحرب في اليمن ومشروع سد النهضة، بالإضافة إلى موقف بعض هذه الأطراف من الإسلام السياسي الذي يُحسب عليه النظام السوداني السابق. أما الأطراف الإقليمية والدولية فيعطي بعضها الأولوية لبناء علاقات جيدة مع السودان باعتباره مدخلا لها إلى القارة الأفريقية، ويسعى بعضُها الآخر لمنع استمرار الموقف السوداني الداعم للقضية الفلسطينية وحركات المقاومة، والذي يصفون به النظام السابق، بالإضافة إلى الاهتمام بالعلاقات التجارية القائمة مع السودان في مجالَي البترول والمعادن.

 

 

ثلاثة سيناريوهات رئيسية تحكم مستقبل الأزمة السودانية: أولها تحقيق التوافق والمصالحة الوطنية، والثاني هو حدوث مواجهة وصدام نتيجة عدم القدرة على تحقيق التوافق، والثالث هو استمرار الأزمة بتداعيتها الخطيرة

وتتفاوت آليات عمل هذه الأطراف في سعيها لتحقيق مصالحها في السودان بين الدعم الاقتصادي والمالي، ومساعدة السودان في رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتقديم الدعم له في المجال التنموي، وإعفائه من الديون.

 


ومن الممكن وضع ثلاثة سيناريوهات رئيسية تحكم مستقبل الأزمة السودانية: أولها تحقيق التوافق والمصالحة الوطنية، والثاني هو حدوث مواجهة وصدام نتيجة عدم القدرة على تحقيق التوافق، والثالث هو استمرار الأزمة بتداعيتها الخطيرة.

ومن المتوقع لعدد من المحددات أن تلعب دورا مؤثرا في توجيه الأزمة وتحديد مستقبلها، وأبرز هذه المحددات هو موقف الأطراف المحلية ومدى مرونتها أو تشددها في إدارة الأزمة، وحيوية وفاعلية دور الشعب السوداني في التعامل مع الأزمة، وموقف الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة وسلوكها تجاه الأزمة، بالإضافة إلى ضغط الواقع الاقتصادي ومدى النجاح في مواجهة أعباء الأوضاع المعيشية.

وفي ضوء قراءة هذه المحددات يظهر أن المعطيات الحالية تشير إلى عدم استعداد الأطراف المسيطرة على السلطة حتى اللحظة لاستيعاب بقية المكونات السياسية والفكرية، وتحقيق شراكة وطنية ومصالحة اجتماعية، وأن مواقف الأطراف الإقليمية متباينة من الأزمة وتؤثر في مستقبلها باتجاهات متعارضة، كما أن الحكومة الجديدة لم تتمكن بعد من تحقيق إنجازات مباشرة تلبّي مطالب المواطنين بشكل جوهري.

 

 

يرجح بقاء الأزمة تتراوح بين سيناريو استمرار حالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي بمستوياتها القائمة، وبين الاندفاع نحو حالة أعلى من التصعيد وصولا إلى المواجهة والصدام

وفي ضوء المعطيات الحالية، يرجح بقاء الأزمة تتراوح بين سيناريو استمرار حالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي بمستوياتها القائمة، وبين الاندفاع نحو حالة أعلى من التصعيد وصولا إلى المواجهة والصدام، وهو السيناريو الأسوأ الذي يشكل خطرا على وحدة السودان واستقراره، وتهديدا للاستقرار والأمن الإقليمي.

وفي إطار وضع استراتيجية للخروج من الأزمة تضمن تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والمحافظة على وحدة الأراضي السودانية، وإنهاء مسلسل تحولات الحكم بين مدني وعسكري، وإنهاء الحروب الداخلية وإحلال السلام الشامل، ومواجهة الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد، وتعزيز الحضور والدور الفاعل للسودان في عمقه العربي والإسلامي وفي محيطه الإقليمي والإفريقي؛ يمكن تقديم بعض المقترحات، أبرزها تحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز الشراكة وتجنّب نهج الإلغاء والإقصاء، وسرعة إجراء الانتخابات العامة في البلاد لتحقيق الشرعية الديمقراطية للحكومة ولأي إجراءات تتخذها، وترسيخ المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وتوسيع مساحة الحريات وتحقيق قواعد الإدارة السليمة والشفافية والحاكمية الرشيدة، واحترام هوية الشعب السوداني وتجنّب مصادمتها، وتعزيز السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني والحفاظ على وحدة الأراضي السودانية.

 

التعليقات (1)
عبد الله محمد علي
الجمعة، 01-05-2020 09:33 ص
لم يتم التطرق لطلب رئيس الوزراء تدخل الأمم المتحدة في الشأن السوداني تحت البند السادس والذي أدي لخلافات واسعة بين القوي السياسية . أما السيناريوهات التي عرضت معقولة فقط ينقصها سيناريو رابع هو سيناريو انقلاب من الجيش لاستلام السلطة . أما السيناريو بالتوافق علي عقد اجتماعي يحل جميع المشكلات بين القوي السياسية هذا في السودان لا يمكن لطبيعة الاختلافات بين القوي السياسية لان أحزاب الحكومة لا تقبل مشاركة كثير من الاحزاب التي شاركت في الحكومة السابقة وهي تعمل علي تفادي الانتخابات أما سيناريو التصعيد لوصول للعمل العسكري لن يحدث لأن الطرف المؤهل لذلك هو الإسلاميين وهم رافضين هذا المسلك لأن ذلك يؤدي لتدمير البلد التي وضعوا اساس نهضتها وكذلك فإن العمل العسكري لن يكون فيه رابح والكل خاسر. اذا لم يحدث انقلاب عسكري سيكون سيناريو استمرار الصراع والتجاذب واستمرار المعاناة وعدم الاستقرار هو الأكثر احتمالا. اذا لم يتم التوصل مع الحركات المسلحة لاتفاق سلام فإن فرضية الانقلاب هي الأرجح والسودان حكم الجيش 71 في المئة من عمره منذ استقلاله