قضايا وآراء

هل تُشعل كورونا الثورات العربية من جديد؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
تحاول غالبية النظم السياسية في العالم إدارة أزمة جائحة كورونا بشكل يجعل شعوبها أقل نقمة عليها في مرحلة ما بعد انتهاء الوباء؛ الذي تشير أغلب المعطيات إلى أن تداعياته الاقتصادية والاجتماعية لن توفر أحدا، ولن تكون عابرة وبسيطة، وستترك آثارها على مدى سنين إن لم تكن عقوداً كاملة.

في هذا السياق، تتصرف غالبية الحكومات بمزيج من الحذر والإرتباك في التصدي لهذه الجائحة، وتبدو غير متأكدة من صوابية قراراتها وإجراءاتها، كما ينطوي خطابها السياسي على رعب من القادم، بعد أن كشفت الجائحة مستويات عديدة من الأعطاب داخل البنى الإدارية والسياسات الاقتصادية، فاجأت المسؤولين قبل المواطنيين.

ولا شك في أن تقديرات هذه الحكومات تلحظ احتمالية حصول اضطرابات، ما بعد الجائحة، نتيجة لما ستخلفه من تداعيات ثقيلة ستؤثر، حكماً، على نمط حياة شعوبها، وطرق تدبير عيشها.

ولا يبدو أن أحداً في العالم، دولة أو حكومة أو شعبا، سينجو من هذه التداعيات، التي تشير أغلب التقديرات إلى أنها ستكون أكبر من أي تداعيات شهدها العالم المعاصر، حتى تلك التي أنتجتها الحربان العالميتان، الأولى والثانية، والأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم في 1930 و2008.

وفي العالم العربي، كشفت أزمة جائحة كورونا هشاشة الأنظمة العربية وضعف دولها التي فصّلتها هذه الأنظمة على مقاسات معينة، وأعطت الأولوية فيها لأجهزة القمع، وحوّلت المؤسسات إلى جهات هدفها الأساسي تضخيم سلطاتها، وإدارة عملية النهب المنظم لقطاعاتها الحيوية، وإدارة توزيع الثروات والموارد والمناصب على النخب الشريكة في السلطة، بما يعني ذلك من تهميش لكل ما له صلة بالفعاليات والقطاعات التي لا تنتج منافع مباشرة لتلك النخب، رغم ضرورتها المجتمعية، بما فيها قطاعات الصحة والتأمين الاجتماعي ومؤسسات إدارة الأزمات، وسواها من الجهات التي تشكّل شبكات امان للمجتمعات بشكل عام، وفي وقت الأزمات على الخصوص.

لقد كشفت الأزمة أن غالبية المجتمعات العربية مكشوفة على المخاطر، وأن غالبية أفرادها ينتمون إلى العمالة المياومة، وأن لا جهات تلتزم بهم وقت الأزمة. فلكل واحد جمهوريته الخاصة المسؤولة عنه في هذه الأوقات، قد تكون مدخرات الفرد الشخصية، وهي نادرة وشحيحية، أو الأسرة، التي في الغالب لا تملك من موارد سوى ما يؤمن قوتها اليومي، فضلاً عن أن المجتمعات المحلية الذي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد، هي مجتمعات مرهقة وحرمتها الإجراءات السلطوية والرقابة المشدّدة من إمكانية تشكيل شبكات أمان لمواجهة مثل هذه الظروف، وذلك من خلال رفضها، أو حتى قمعها، لأي مبادرة مدنية، وتفسيرها على أنها خطر على أمن النظام الحاكم ولعب في الحقل السياسي غير المسموح الاقتراب منه إلا بإذن السلطات ووفق مقاساتها.

لا شك في أن المواطن العربي، الذي وجد نفسه وحيداً في هذه المواجهة الصعبة مع تحديات جائحة كورونا بلا دولة تسنده، حتى على صعيد المستلزمات الطبية البسيطة من كمامات وأجهزة فحص الوباء، بات يتساءل اليوم: ما الفائدة من هذه الأنظمة؟ وما هي الإنجازات التي صدّعت بها رؤوسنا، في حين أعيش انا وأبنائي في قلب الخطر ومتروك للاحتمالات والظروف؟

ليس خافياً على أحد أن غالبية الأنظمة السياسية في عالمنا العربي لا تملك شرعية الحكم، وهي بنظر مواطنيها ليست أكثر من عصابات تملك أسلحة وسجونا، وتتلاعب بالقوانين، وتفبرك الاتهامات، وبالتالي فإن القول بأن من تداعيات أزمة كورونا سيكون اهتزاز شرعية هذه النظم؛ هو قول مغلوط إلى حد بعيد، ذلك أن عاقلاً في عالمنا العربي لم يذهب يوماً إلى حد الاقتناع أن هذه الانظمة تملك ولو مقدار وزن ريشة من الشرعية، فكيف ستتأثر شرعية لم تكن موجودة في يوم ما؟

الأصح، أن المواطن العربي الذي خضع في وقت سابق لمقولة أن هذه العصابات تؤمّن له الأمن، ومقابله يجب أن يتنازل عن جميع مطالبه الأخرى، كشفت له أزمة كورونا خطل هذه المقولة. فما هو الأمن الذي لا يتم تفعيله في الأزمات؟ وما هو الأمن الذي يقتصر على قمع من يطالب بإدارة شفافة للثروات والسياسات؟

حسناً، لقد تنازلت غالبية المجتمعات العربية عن حقوقها في السياسة، لكن أين البدائل الأخرى؟ ليس كافياً الزعم بأن ضبط الصراعات الاجتماعية هي الوظيفة الوحيدة للانظمة السياسية، فهذه الوظيفة قد يقوم بها فتوة أو قبضاي الحارة، بكفاءة أكثر من الأنظمة السياسية التي باتت مهماتها أوسع بكثير في زمن المتغيرات الجارفة التي يعبرها العالم.

يقول أليكسي دو توكفيل، الفيلسوف الفرنسي، إنه في زمن الأزمات لا تقوم الشعوب بالتمرد، لكنها تحاسب بقسوة بعد نهاية الأزمات. وإذا كانت الأنظمة السياسية الغربية التي أدارت أزمة كورونا باقتدار؛ تشعر بالرعب على مستقبلها في اليوم الذي يلي نهاية كورونا، فعلى الأنظمة العربية التي انكشفت كل عوراتها أن تنتظر مصائرها ولا تطمئن لمقولة أنها تسيطر على الأوضاع، فقد ثارت الشعوب العربية سنة 2011 ولم تكن أمورها قد وصلت لهذا الحد من السوء، كما لم تكن الأنظمة قد انكشفت بهذا الشكل المريع بعد.
التعليقات (0)