مر أسبوع ونيف على القصف الجوي الروسي السوري الهمجي على المدنيين في
حلب، حيث استخدمت الطائرات الروسية والسورية مختلف أنواع القذائف بما فيها المحرمة دوليا مثل النابالم والقنابل الفراغية لضرب مناطق المدنيين الخاضعة للمعارضة شرقي حلب.
مئات القتلى والجرحى كانت حصيلة هذا القصف الذي جاء بعد انهيار الهدنة التي تمت باتفاق أميركي- روسي. وفيما بدا الخرق المبكر لهذا الاتفاق من قبل روسيا والنظام السوري، فإن ذلك تكلل بقصف روسي لقافلة مساعدات دولية لسوريا بعد سماح دمشق لها بالدخول عبر الحدود الدولية مع تركيا.
وجهت الدول الغربية اتهامات عنيفة إلى روسيا خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن حول سوريا. وتطرق السفير البريطاني ماثيو رايكروفت إلى احتمال رفع الملف أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وفيما كانت ردة فعل الغرب وعلى الأخص واشنطن عنيفة كلاميا، فإنها لم تترجم على الأرض للتصدي للعدوان الروسي في وقت أضحت فيه المستشفيات غير قادرة على استيعاب الجرحى وضحايا القصف، حيث تم استهداف هذه المرافق في هجمات روسية وسورية سابقة.
روسيا تمهد لإيران
صور القصف المأساوية ومشاهد الدم والدمار لم تخف الهدف الروسي من العدوان المكثف الذي يستهدف مساعدة الأسد على استعادة الجزء الشرقي من مدينة حلب، في ظل انشغال الإدارة الأميركية بالانتخابات وعجزها الميداني وإخلائها الساحة أمام الروس طالما أن حليف الأميركان وطفله المدلل إسرائيل في منأى عما يجري.
لا أحد يعلم على وجه الخصوص طبيعة وبنود الاتفاق الأميركي الروسي على الهدنة الذي لم يرشح منه إلا محاربة داعش وفتح الشام (النصرة سابقا) وفتح الباب أمام المساعدات الدولية للدخول للمناطق المحاصرة، ولكنه من دون شك لبى رغبة الروس في ممارسة دورهم في روسيا بما في ذلك دعم النظام السوري والحيلولة دون سقوطه والتصدي للدعم التركي للمعارضة. ويشير هذا الأمر إلى تواطؤ من نوع ما بين الطرفين الأميركي والروسي لإبقاء سوريا في حالة اللا غالب واللا مغلوب.
إلا أن ذلك يطرح تساؤلات عن مدى استعداد روسيا في استمرار التورط في سوريا سيما وأنها لم تتمكن حتى الآن من تحقيق اختراق حقيقي ضد المعارضة التي لا تزال تسيطر على مساحة كبيرة في حلب. ويدعو ذلك للاعتقاد بأن روسيا استفادت من الاتفاق مع الولايات المتحدة ولكنها لم تتمكن من انجاز اتفاق سياسي يسمح لها بمغادرة سوريا في ظل انجاز يوازي خسارتها في أوكرانيا والحصار الاقتصادي الغربي المفروض عليها.
خلاف روسي- أميركي
ونظرا لغياب الانجازات الروسية في سوريا، فقد سمحت لنفسها بعد ذلك أن تخترق هذا الاتفاق لصالح النظام السوري في معركة أخيرة لتدمير معقل المعارضة في حلب، وإجبارها على الركوع وفق سياسة الأرض المحروقة، مستغلة الانشغال الأميركي عن المنطقة وممهدة الطريق للميليشيات
الإيرانية لممارسة الدور الحاسم في المعركة البرية القادمة.
ولذلك فقد بدت ردة الفعل الأميركية غاضبة على ما يجري، ولكنها تظل عاجزة عن فعل شيء على الأرض، فهي التي كبلت نفسها بسياسة التقتير على المعارضة في الأسلحة ومنعتها من امتلاك أسلحة مضادة للدروع والطيران خوفا من وقوعها بيد أطراف قد تستخدمها لاحقا ضد إسرائيل.
ولا يزال الحلم الروسي في تركيع المعارضة بعيد المنال، لأن هذه الأخيرة تمتلك مساحات واسعة في حلب وريفها وتحصل بين الفينة والأخرى على مساعدات من تركيا، وربما تسمح الولايات المتحدة بتدفق أكثر لهذه الأسلحة للمعارضة لمساعدتها على صد العدوان الروسي وما سيتبعه من عدوان إيراني.
ومع كل ذلك، فإن مساحة التوافق بين أميركا وروسيا تبدو أكبر من مساحة الخلاف، وذلك لأن واشنطن لا تضع الفيتو على التغول الروسي في سوريا حتى الآن، وهي ترى أن هذه الأخيرة غير قادرة على الاستمرار فيها بنفس طويل لما تتطلبه من إمكانات مالية. ولا تشعر واشنطن في المقابل بضغط من حلفائها من العرب للتدخل لإنقاذ الوضع. وكل ذلك يستبعد صداما محتملا بين القوتين الرئيسيتين في سوريا، على الأقل حتى انتهاء الانتخابات الأميركية.
وفيما تستفز مشاهد الدم والدمار في حلب الضمير الإنساني، فإن استمرار القصف الوحشي قد يدفع بعشرات الآلاف من المدنيين للنجاة بأنفسهم والهروب إلى ريف حلب حيث تنتظرهم طائرات النظام وروسيا مرة ثانية لتحصد ما تبقى منهم. ويبقى أمام المعارضة خوض معركة حاسمة لا يمكن توقع نتائجها مع النظام السوري وميليشيات إيران التي تدعمه.