"كثير من الليبراليين والإسلاميين يفضلون المناكفة أو المراهقة السياسية بديلا عن التضحية بالأفضل لتحقيق الممكن".
استغرب كثيرون ممن أحترمهم، وقليل من المزايدين، مشاركتي مع المجموعة التي أقدرها وأحترم تنوعها السياسي، والتي التقت في واشنطن لدراسة المأساة التي تعيشها
مصر وكيفية الخروج منها، ببناء توافق يجمع كل المصريين حول مشروع يحقق آمال شركاء الوطن في العيش في "وطن للجميع".
نسي أو تناسى هؤلاء جميعا أننا لم نهجَّر من أوطاننا لنستقر خارج الوطن، بل يجب علينا الاستعداد دائما لتلبية أي دعوة في أي مكان وزمان تسعى لوقف الانهيار الذي تدفع إليه مصر دفعا، ومحاولة إخراج مصر من أزمتها حتى نعود لبنائه من جديد. ورجائي من كل برلماني/ سياسي أن يتحرك ضميره البرلماني/ السياسي ويبادر بالجلوس مع كل مصري وكل مصرية لم تتلطخ أيديهم بدماء المصريين؛ للحوار حول الخروج من المأزق الخطير الذي تعاني منه مصر، بسبب الانقلاب المجرم على شرعية الشعب المصري في اختيار من يحكمه بحرية تامة. ويبقى عتابي على هؤلاء الذين استنكروا ذهابي إلى ورشة "وطن للحميع" أنهم لم يتواصلوا معي ليتبينوا قبل أن يحكموا ويحملوا أوزارا كثيرة، خاصة أنهم جميعا يمكنهم التواصل معي مباشرة وبسهولة ودون تكلفة، فقط من باب التثبت قبل إصدار الأحكام.
للأسف الشديد، أقولها بألم، إن كثيرا من السياسيين المصريين (ليبراليين وإسلاميين على السواء) لم تنضج درجة الوعي لديهم بعد للتعاطي المناسب مع الأحداث المحيطة بهم، ويعملون بالمثل المصري المعروف "يا فيها.. يا أخفيها"، وخاصة الجديد منها، فيحكمون على الأمور بلا فهم عميق وبلا دليل قطعي الثبوت، ويميلون إلى التعميم، ويفتقدون بناء جسور الثقة، ويعشقون ثقافة الخلاف لا ثقافة التوافق.
وللأسف الشديد لا يسعون في المتفق عليه، حتى يعظموا روح التواصل والبناء عليه، رغم أننا نردد هذه المقولة صباح مساء دون ممارستها ممارسة حقيقية، وخاصة مع المخالف السياسي.. ولا يتخلقون بخلق حلف الفضول الذي يسع الجميع، وإن كان كافرا، ما داموا شركاء في الوطن، والذي يبحث عن قيم العدل والحرية والمساواة للجميع وخاصة أن المواقف والرؤى السياسية ليست من المقدسات، بل جميعها يقع في دائرة الاجتهاد الذي يثاب فاعله وإن أخطأ. فلماذا الإهانة والتخوين والتكفير؟!
نعم ذهبت إلى لقاء واشنطن، وقد كنت عائدا للتو من زيارة إلى المكسيك دفاعا عن القضية المصرية أمام 600 من طلاب وأساتذة كلية الحقوق في إحدى الجامعات المكسيكية. نعم، ذهبت إلى "واشنطن" وكلي آذان صاغية وقلب مفتوح لأسمع الجميع وأسعى لفهم الجميع فالحكم على الشئ فرع من تصوره. والحق يقال أن النقاش كان في مجمله راقيا رغم الخلاف والاختلاف في بعض القضايا، ولكن كانت الرغبة قوية للوصول إلى توافق، حتى أن بعض المواد عُدلت خمس مرات.
الجميع توافق على الآتي:
ثورة 25 يناير هي
الثورة الحقيقية، وتم الإقرار بالتنوع والاتفاق على أن الحوار بين شركاء الوطن هو الأسلوب الأمثل، والإقرار بآلية الديمقراطية للتعامل مع هذا التنوع. فالحقيقة المصرية التي لا يجب أن تغيب عنا هو أن المسيحي الأرثوزكسي غير المسيحي الكاثوليكي، غير المسيحي البروتستانتي، والمسلم السلفي غير المسلم الصوفي، غير المسلم الليبرالي، غير المسلم الإخواني، ولكننا جميعا شركاء في الوطن ويجب أن نتعايش سويا.
والكل توافق على أن 3 تموز/ يوليو انقلاب دموي يجب إسقاطه والتخلص منه، والكل توافق على محاكمة كل من تسبب في قتل المصرين قبل وبعد ثورة 25 يناير العظيمة، والكل توافق على الإفراج عن كل المعتقلين "ووضع استراتيجية العدالة الانتقالية الشاملة لكل الشهداء والمصابين والمتضررين، بما يمكّنهم من نيل حقوقهم وجبر ضررهم، ويشمل ذلك ما قبل 25 يناير وما بعدها".
كما توافقنا جميعا على السعي الحثيث وبكل الطرق لـ"الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وسجناء الرأى والمتهمين في قضايا المقاومة المشروعة، ومحاكمة من قامت ضدهم الثورة وكل من استغل 30 حزيران/ يونيو في الانقلاب على ثورة 25 يناير". وكل هذه الأمور أصبحت من المسلمات لدى الجميع، وهذه مرحلة مهمة يجب البناء عليها.
والجميع أقر بوضوح لا لبس فيه بأن السيادة والسلطة والشرعية للشعب ومن الشعب وحده، وهذه النقطة في رأيي الخاص هي مربط الفرس في كل الوثيقة، فهي التي تحدد بوضوح أنه لا سلطان لأي أحد على الشعب إلا بموافقة الشعب، ولا هوية للشعب إلا برضا الشعب، ولا سيطرة لأي مؤسسة على الشعب إلا برضا الشعب بحرية ونزاهة.
بل إن الوثيقة ذهبت لأكثر من هذا، لتقر الحق الطبيعي لأي تجمع سياسي أن يبني رؤاه وسياساته على أي مرجعية كانت، إسلامية أو غير ذلك، والحكم للشعب في نهاية المطاف، حتى تتأكد سيادة الشعب، وهذا هو أكثر تعريفات الديمقراطية شيوعا، أي حكم الشعب وللشعب وبالشعب. ولا يخاف من هذا البند إلا من يريد السيطرة على الشعب باسم العسكر مرة أو باسم الدين مرات، وهذا ما توافقنا جميعا على رفضه.
وأيضا الإقرار بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، بالرغم من تحفظات البعض على بعض الأبعاد الثقافية والخصوصية التراثية للشعب المصري، وهذه الأمور تحتاج إلى حوار هادئ ليحقق ما ينفع الناس عبر توافق وإرادة حرة تبحث عن قيم العدل والحرية.
نعم وافقت على البند الخامس، والذي يرفض الدولة الكهنوتية بأي شكل كانت، لأنها وببساطة أسوأ أنظمة الحكم في تاريخ البشرية، وقد كان زملائي الليبراليين محقين في إصرارهم على تضمين هذه النقطة، وتوافقنا أيضا على رفض تدخل الأزهر والكنيسة في شؤون الدولة.
ألم نر شيخ الأزهر، وهو غير منتخب، والبابا أيضا غير منتخب، يباركان أكبر جريمة في تاريخ مصر الحديث، وهي الانقلاب على شرعية الشعب المصري في اختيار من يشاء؟ ألم نر كيف أن بعض رجال الكنيسة يعتبرون أن الانقلاب قد تم بموافقة السيد المسيح، وبعض رجال الأزهر يعتبرون أن جنرالي الانقلاب القتلة رُسل من عند الله، وكأننا نعيش في القرون الوسطى؟ ولذلك كان لزاما علينا ليبراليين وإسلاميين تضمين هاتين النقتطين في الوثيقة.
وللتاريخ أقول إن مقترح البند الخامس المسرب، والذي رفضه معظم الحاضرين، والذي أثار لغطا كبيرا دون تثبت ودون تروي، والذي قدمه شباب ما يعرف "بالدستور الموازي"، قد طرح فكرة أن مصر لا هوية لها، وقد استنكر جميع الحضور هذا الطرح الغريب، حتى صرخ أحد الحضور بعلو صوته، وقال: "كيف تدعي بأن مصر الحضارة لا هوية لها؟! ما أضطر الشابين - للأسف الشديد - للانسحاب، وتسريب مسودة متضمنة طرحهم كأنها الاتفاق النهائي؛ ما أثار زوبعة ما كان لها أن تكون لو تثبت أو تبين زملاؤنا السياسيون قبل الحكم بدون علم.
أما ما توافق عليه المجتمعون فهو الرفض المطلق للدولة الكهنوتية، والتي يحكمها رجال الدين، مثل الشيعة في إيران من جهة، ومثل أوروبا الكنسية إبان العصور الوسطى من جهة أخرى. أما الجزء الثاني فهو عدم تدخل مؤسسة الأزهر أو مؤسسة الكنيسة في شؤون الدولة، وما زالا يتحالفان مع الجنرال الدموي ضد كل أبناء مصر، ولذلك يجب علينا جميعا أن نبعد هذا الثالوث من العسكر والأزهر والكنيسة عن تخريب مستقبل مص السياسي.
التحدي الأكبر أمامنا جميعا الأن هو تحقيق توافق بين جميع القوى السياسية والثورية على مشروع يبعث الأمل في ثورتنا القادمة يتضمن الإجابة على ثلاث أسئلة محورية:
1- التوافق على مشروع سياسي جامع.
2- التوافق علي آليات لكسر الانقلاب.
3- التوافق على شكل مصر السياسي التي نريدها جميعا بعد الانقلاب.
وإليكم الوثيقة النهائية حتى تعيدوا قراءتها وتتأكدوا بأنفسكم، وتصوبوها وتضيفوا عليها؛ لأن الحوار مع شركاء الوطن هو الحل، حتى وإن تنازل الجميع عن الأفضل في هذه المرحلة من أجل تحقيق الممكن.
وثيقة "وطن للجميع"
يعكس الموقعون على هذه الوثيقة بصفتهم الشخصية تيارات سياسية متعددة بغرض مناقشة مشروع ثوري جامع يضم تصورا محدد الخطوات من أجل استكمال ثورة 25 يناير، ويقدمونها للشعب المصري كمشروع مقترح يهدف إلى بلورة مبادئ أساسية للتوافق الوطني بين مختلف القوى الوطنية للوصول إلى ديمقراطية حقيقية وليست شكلية، وضمان بناء آلية عملية تضمن التنافس السلمي والعادل بين مختلف التوجهات في إطار العملية السياسية.
وقد شاركت الأسماء المدونة أدناه في ورشة العمل التي تم عقد مناقشاتها في واشنطن لمدة ثلاثة أيام متصلة خلال الفترة من الثاني حتي الرابع من أيلول/ سبتمبر 2016، وتمثل المواد التالية الصياغة النهائية للوثيقة التي تم التوافق عليها.
1- ثورة 25 يناير هي الثورة الحقيقية ويظل شعارها العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية هو الأساس لكل سياسات مستقبليّة.
2- التعدد والتنوع يعني التعبير عن توجهات مختلفة وآراء متنوعة، والهوية المصرية الجامعة بطبقاتها المتنوعة هي العامل المشترك الموحد لعناصر الشعب المصري، ولذا من اللازم إقرار وقبول هذا التنوع والتعدد والاختلاف عن طريق آلية الحوار الفعال وآلية ديمقراطية تضمن الحماية من ديكتاتورية الأغلبية أو الأقلية.
3- السيادة والسلطة والشرعية من الشعب وللشعب وحده، ويحكم العلاقة بين قواه المختلفة دستور مدني والمساواة التامة بين كل المواطنين، ويتم إعلان وثيقة تضمن الحريات والحقوق لكل فرد من أفراد الشعب دون أية قيود بما فيها حرية ممارسة الاعتقاد وحرية التعبير والنشر والحق في التجمع السلمي بما يشتمل على تشكيل منظمات مدنية وأحزاب ونقابات وحرية ممارسة أنشطتهم على أساس سلمي وبناء على أي مرجعية كانت مع مراعاة عدم التعارض مع بقية المواد الأخرى.
4- صياغة دستور مدني ينص صراحة على عدم تدخل المؤسسة العسكرية في العملية السياسية، ويرسخ الحقوق والحريات على قاعدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق المكملة، ويؤسس للديموقراطية، ويحد من السلطة المركزية ويؤسس لنظام اللامركزية في إصدار القوانين والتمويل، وكذا يسن الضرائب مقابل الخدمات والتمثيل النيابي ويحقق مبدأ مراقبة وتوازن السلطات والفصل فيما بينها، والعمل على خلق حكم محلي قوي.
5- عدم تدخل الدولة في الدين وعدم تدخل المؤسسات والمنظمات الدينية في الدولة، سواء كانت مثل هذه المؤسسات والمنظمات رسمية أو غير رسمية، مع تجريم استغلال الدين بغرض الحصول على أي مكاسب سياسية أو حزبية، ولا تتدخل الدولة فى حق الفرد في حرية العبادة وتقف على مسافة واحدة من جميع الأديان.
6- وضع استراتيجية العدالة الانتقالية الشاملة لكل الشهداء والمصابين والمتضررين بما يمكنهم من نيل حقوقهم وجبر ضررهم، ويشمل ذلك ما قبل 25 يناير وما بعدها.
7- محاكمة كل من تورط في الدم قبل أحداث الثورة المصرية وما بعدها وحتى الآن.
8- الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وسجناء الرأى والمتهمين في قضايا المقاومة المشروعة، ومحاكمة من قامت ضدهم الثورة وكل من استغل 30 يونيو في الانقلاب على ثورة 25 يناير.
9- إعادة هيكلة جناحي حكم القانون (الشرطة والقضاء) بما يؤسس لمنظومة قضائية وأمنية تحقق العدل والأمن للمواطنين، وتلتزم بالقوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
10 - عودة الجيش إلى ثكناته والقيام بدوره الحقيقي في حماية الحدود والدفاع عن الوطن وعدم التدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية، من أهم المبادئ الأساسية لقيام دولة مدنية ديمقراطية حقيقية.
صدر فى واشنطن في 16 أيلول/ سبتمبر 2016.
هذه هي الصيغة الوحيدة الرسمية المعتمدة، وتنسخ ما انتشر قبلها من تسريبات وخلافه، مع ملاحظة أن أي نسخة غير شاملة على هذه الملحوظة لا تعد معتمدة.
توقيع المؤسسيين
د. أحمد عبد الباسط
د. أحمد صالح
أبرار راجح
د. بهاء عفيفي
د. أمين محمود
السيد موسي
حسام المتيم
د. حامد الفقي
تامر عمار
د. سامية هاريس
سامح توفيق
د. دينا درويش
د.صفي الدين حامد
د. سيف الدين عبد الفتاح
سوسن غريب
عبد الله صلاح الدين
طارق خليل
طارق المصري
على سليمان
عبير شقوير
د. عبد الموجود الدرديري
ماجدة محفوظ
غادة نجيب
د. عمر مجدي
د. منذر عليوة
مختار كامل
مايسة عبد اللطيف
أحمد علي
محمد خالد
محمد اسماعيل
محمد كمال عقدة
محمد كمال
محمد شوبير
نيفين ملك
د. هشام جادالله
د. هشام حجازي
المنضمون للتوقيع على الوثيقة