في بيان مطول استعرض جملة من التجاوزات والخروقات للاتفاق السياسي، قال البيان إن المجلس الأعلى للدولة، وهو أحد الأجسام السياسية التي أنشأها اتفاق الصخيرات، المجلس سيباشر أعمال المجلس التشريعي، ذلك أن البرلمان صار في حكم الغائب، بل هو في نظرهم غير شرعي حتى الآن باعتبار أن وجوده الفعلي يبدأ مع اعتماد الاتفاق وتضمينه في الإعلان الدستوري، وهو الأمر الذي لم يقع بعد.
الخطوة كانت مفاجأة، وقد قوبلت بردود أفعال متباينة معظمها مستهجنة ورافضة، وبعضها مغتبط وداعم.
المتحفظون على البيان يتوزعون على جبهتي الصراع، فقد تحفظت جبهة طبرق بكافة مكوناتها السياسية والعسكرية ما بين معتبر القرار باطل لعدم الاعتراف بالاتفاق السياسي والجسمين الجديدين الَّلذين خرجا من رحِمه وهما المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى، وبين مقر بوجود المجلس الأعلى ورافض لتوليه أي صلاحيات تشريعية، وأن ما قامت به رئاسة المجلس الأعلى تجاوز خطير ينسف الاتفاق برمته.
كثير من المتحفظين ضمن جبهة طرابلس إنما يتحفظون شماتة في أعضاء المجلس الأعلى كونهم في نظرهم خانوا مسار الثورة ودخلوا في اتفاق سياسي يعزز نفوذ خصومهم ويشق الصف ويضعف جبهة الثورة في مواجهة الثورة المضادة.
والحقيقة أن البرلمان صار عائقا أمام تقدم الوفاق خاصة بعد فشله في المصادقة على الحكومة لمرتين، بل هو فعلا في حكم الغائب بسبب صعوبة اكتمال نصابه. أيضا عجْز البرلمان عن الالتئام فسح المجال للجيش وقيادته لملء الفراغ والتفاوض باسم المنطقة الشرقية والمكونات السياسية والأمنية والعسكرية هناك، حتى تحدث مراقبون عن تقدم الجيش على البرلمان وتراجع الأخير عن المشهد تماما.
العديد من القيادات السياسية الرفيعة في منصبها ضمن جبهة طبرق يحيلون الوسطاء الليبيين والأجانب إلى خليفة حفتر، وبعضهم قالها صراحة: "إذا أقنعتم القائد العام للجيش فنحن لن نعترض".
مفهوم أن رئاسة المجلس الأعلى للدولة لن تمضي فيما أعلنت عنه في بيانها دون التفات للخلف، فهي تدرك أنها في حال نفذت ما أعتبره أنا نوعا من التهديد والضغط لا أكثر فإنها ستقضي على الاتفاق السياسي وهي لن تجازف بذلك الآن، فهي من دعمت الاتفاق وسعت بكل ما أُتيت من جهد للتوقيع عليه، بمعنى أن الوفاق الحالي هو مشروعها. أيضا البيان لا يمثل أغلبية أعضاء المجلس الأعلى للدولة وبالتالي لا يمكن اعتباره قرارا، وفي حال تمت إحالته للتصويت يمكن أن يكون الموقف مختلفا.
رئاسة المجلس الأعلى تدرك الوضع الحرج الذي تواجهه البلاد، والوضع المربك الذي تواجهه هي ذاتها بعد سيطرة حفتر على الهلال النفطي، وتصريحاته وتصريحات القادة العسكريين الموالين له بأنهم سيتجهون إلى مصراتة وطرابلس قريبا، وهناك تعبئة في صفوف أنصارهم في في الجنوب الوسط والغرب.
أزعم أن رئاسة المجلس الأعلى قد تكون حريصة على الاستجابة لحالة القلق العام وسط الرأي العام "الثوري" في العاصمة والمدن القريبة منها، بعد التصعيد في الهلال النفطي. فأنصار جبهة طرابلس يتحدثون عن فراغ قيادي سياسي وعسكري، والتفاعلات الملتهبة يمكن أن تقود إلى إفراز جسم ثوري يمكن أن يشكل تحديا للمنظومة السياسية ما بعد اتفاق الصخيرات. فكثيرون يتحدثون عن جسم سياسي وعسكري يمثل الثوار وثورة 17 فبراير، والتعبئة التي شهدت الأوساط السياسية والأمنية اليومين الماضيين، ودعوة المفتي، الدكتور الصادق الغرياني، إلى رص الصفوف، وكلامه له صدى لدى شريحة واسعة ممن يعارضون الاتفاق ويرفضون الحكم العسكري، قد تتجه بالمشهد السياسي والأمني في العاصمة وبعض مدن الغرب الليبي اتجاها لن يرضي أنصار اتفاق الصخيرات، وبالتالي تجاوبت رئاسة المجلس الأعلى مع التطورات وكان هذا التصريح المفاجئ والمثير للجدل.