تجتمع الاثنين 5 أيلول/ سبتمبر في العاصمة تونس مجموعة الحوار الوطني التي انبثق عنها الاتفاق السياسي والتي تمثل اليوم الأساس المرجعي لحلحة مختنقات الاتفاق ومحاولة تخطي العقبات أمامه.
ينعقد اجتماع الاثنين للمجموعة في ظل إشكاليات كبيرة يواجهها الاتفاق السياسي ويصطدم بها أهم جسم شرعي منبثق عن الاتفاق وهو المجلس الرئاسي.
لقد واجه المجلس الرئاسي صعوبات رئيسية منذ دخول العاصمة طرابلس في آذار/مارس الماضي يمكن حصرها في نقطتين رئيسيتين هما:
- عجزه عن تحقيق التوافق بين أعضائه الستة الرئيسيين بعد أن قاطعه اثنان منهما ومنعت الخلافات من انسجام البقية وتوافقهم على اتخاذ قرارات أساسية تتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي اللذان يشهدان تدهورا كبيرا.
- فشله في الحصول على ثقة البرلمان للحكومة التي تم تشكيلها من قبل الرئاسي ولمرتين، الأمر الذي حدَّ من صلاحيات وقدرات المجلس الرئاسي عن إدارة الشأن العام للبلاد ومعالجة المشاكل المتراكمة في كافة المدن وفي مقدمتها مشكلة انقطاع الكهرباء ولساعات طويلة في أغلب المدن، ومشكلة النقص الحاد في السيولة في المصارف.
الجمود الذي يعتري الاتفاق السياسي والذي انعكس سلبا على أداء المجلس الرئاسي إنما يعود في جوهره حول نقطة الصراع الجهوي وحصص المناطق في السلطة والثروة، وضمن مسائل الصراع تبرز نقطة جوهرية وهي موقع الفريق خليفة حفتر من المشهد السياسي والمعادلة الأمنية.
فالعضوان المقاطعان للمجلس الرئاسي منذ الأيام الأولى لدخول طرابلس يدينان بالولاء للبرلمان في طبرق ويدعمان بقوة خليفة حفتر والجيش الذي يقوده. علي القطراني عضو المجلس الرئاسي عن المنطقة الشرقية، والذي قدم نفسه في مناسبات عدة على أنه عضو المجلس عن الجيش يصر على أن يكون لحفتر مكانته ونفوذه في المؤسسة العسكرية، فيما اتجه الأعضاء المخالفون له داخل المجلس إلى تثبيت العقيد المهدي البرغثي كوزير للدفاع في حكومة الوفاق الوطني، الذي يبدو أنه انشق على حفتر ودخل في منافسة حقيقية معه، الأمر الذي أغضب القطراني ودفعه إلى اشتراط إقالة البرغثي من وزارة الدفاع حتى يعود للمجلس.
القطراني وأنصاره في البرلمان نجحوا في عدم إعطاء الثقة لحكومة الوفاق الوطني، وأعلن القطراني أن شروط إقرار الحكومة الجديدة ينبغي أن تشمل عزل العقيد البرغثي من وزارة الدفاع وتمكين حفتر من المشهد الأمني.
إذا تجتمع مجموعة الحوار السياسي في ظل هذه المعطيات المعقدة، وسبق بعض المشاركين في الاجتماع الجلسة بكلام عن الحاجة إلى مقاربة جدية وجذرية في الوفاق تتبناها مجموعة الحوار الوطني. البعض تحدث عن الحاجة لإعادة النظر في تشكيلة المجلس الرئاسي برمته والعودة إلى صيغة رئيس ونائبان بدل صيغة الخمس نواب المعمول بها اليوم. البعض الآخر دعا بإلحاح إلى النظر في النقاط الجوهرية التي يدور حولها الخلاف ومنها موضوع تقسيم الثروة وتقاسم السلطة وأيضا إعادة النظر في موقع خليفة حفتر من المشهد اليوم.
لا أتصور أن مطلب خليفة حفتر يقتصر على حصوله على حقيبة الدفاع، وهو لا يستطع القدوم للعاصمة في ظل ظروفها الراهنة، ولقد تحدثت بعض المصادر المطلعة عن طلب خليفة حفتر من وساطات عربية وغربية تسليمه الملف العسكري والأمني (الداخلية والدفاع) على أن تكون تبعيته مباشرة لرئيس البرلمان وليس لحكومة الوفاق والمجلس الرئاسي، وهو أمر لن يقبل به حتى رئيس المجلس الرئاسي الذي أبدى مرونة في التعامل مع حفتر.
إذن الحدود الدنيا لمطالب خليفة حفتر وأنصاره لن تكون محل نقاش من قِبَل الأطراف المعارضة والتي استماتت لتضمين بند في الاتفاق السياسي يقصيه عن المشهد، بالمقابل فإن الوفاق سيظل شبه مفقود ما لم تعالج هذه المسألة، فحفتر ليس طرفا سياسيا ضعيفا يمكن المناورة لأجل إبعاده أو تهميش وجوده، فخلف حفتر قبائل كبيرة ومناطق مهمة، ويتلقى دعم العسكريين، ويحظى بدعم إقليمي ودولي مؤثر، وهو قادر اليوم على عرقلة جهود الوفاق والتسوية ولديه من الأوراق ما يؤهله للضغط على مجموعة الحوار وعلى المجلس الرئاسي أو بعض أعضائه.
في ظل هذه التحديات فإن لقاء مجموعة الحوار يمكن أن يكون عاديا وهامشيا ولا مخرجات قيمة له، أو أن يتخذ قرارات تصب في صلب معالجة المختنقات السابق الإشارة إليها، وهو الاحتمال الأضعف على أي حال.