نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفي تيم أرانغو، تحدث فيه عن عروض الملابس الإسلامية، التي تقوم بها عارضات
الأزياء من روسيا ومن أوروبا الشرقية، على خلفية موسيقى مغربية، مشيرا إلى أنه يمكن لمثل هذه العروض أن تكون لملابس مشاهير المصممين في باريس أو نيويورك، لكنها تتم في اسطنبول، حيث تلبس العارضات السترات الطويلة، والكعب العالي، وغطاء الرأس.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن عرض
الموضة هذا كان جزءا من أسبوع الموضة المحتشمة في اسطنبول، الذي أقيم في محطة قطار، يعود تاريخها إلى الحقبة العثمانية.
ويعلق أرانغو قائلا: "هنا لا نتحدث عن الموضة الإسلامية في الرياض، أو في كابل، أو الفساتين القاتمة التي تعكسها الصور النمطية في الغرب، فالأزياء الإسلامية هنا ملونة، وفيها إبداع، وهي تجارة مربحة أيضا".
وتنقل الصحيفة عن دينا التركية، وهي صاحبة مدونة للأزياء الإسلامية من لندن، وتلبس الحجاب، والتفت حولها المعجبات على أمل الحصول على صورة معها، قولها: "نحن قادمات.. هناك الكثير منا نحن الفتيات
المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب، ونحب الموضة".
ويلفت التقرير إلى أنه في الوقت الذي تتصارع فيه أوروبا مع البوركيني، "وهو لباس السباحة الذي يغطي الجسم كاملا للنساء المسلمات"، الذي حاولت فرنسا منعه على شواطئها، بصفته مظهرا لظلم المرأة، كما تقول، فإن اللباس الإسلامي يزدهر في
تركيا، بصفته شعارا للحرية الدينية من قيود العلمانية.
ويقول الكاتب إن "اسطنبول سعت لأن تكون عاصمة الموضة الإسلامية، وهو طموح يعكس مدى تغير المجتمع التركي تحت حكم الحكومة الإسلامية للرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، ففي ظل النظام العلماني المتشدد السابق في تركيا، كان ينظر للحجاب على أنه تخلف، وكان محظورا في المكاتب الحكومية، وفي المدارس، وفي الأسابيع الأخيرة بينما كانت فرنسا تناقش البوركيني، كانت اسطنبول تستمر في تحطيم المحظورات القديمة، وسمحت لضابطات الشرطة بارتداء الحجاب خلال العمل، ولأول مرة".
ويضيف أرانغو قائلا: "لأن الحجاب لم يعد موضع احتقار في تركيا، وبدعم من الحكومة الإسلامية، فإنه شجع على ظهور ثورة في الموضة، ونشأت بيوت الأزياء، والمجلات، وظهر المدونون، ونجوم الـ(إنستغرام)، وأصبحت النساء القويات في المنطقة، مثل زوجة الرئيس أردوغان أمينة، وزوجة أمير قطر السابق الشيخة موزة رمزا للموضة للشابات المحافظات".
وتورد الصحيفة نقلا عن كريم توري، الذي كان مديرا في الصناعات التكنولوجية، وتحول الآن لإدارة بيت "مودانيسا" للأزياء في اسطنبول، قوله: "الكل كان يريد (سوقا إسلاميا)، براقع سوداء.. فتلك هي الصورة النمطية"، مشيرة إلى أن توري يوظف عددا من المصممين، وله شراكة مع أسماء علامات تجارية مميزة في دبي، وماليزيا، ويقول إن الألوان التي لها شعبية الآن هي الأصفر والأزرق، بالإضافة إلى نقشات التمويه، وأوراق الشجر الاستوائية، وقد استثمرت الشركة السعودية للاتصالات في شركته.
ويقول توري: "هدفنا الرئيسي أن نجعل النساء يشعرن بشعور أفضل، أن يشعرن بشعور ساحر، حتى وهن يغطين أجسادهن"، مشيرا إلى أنه لم ينحدر من عائلة متدينة، لكنه أيد أردوغان، الذي يمكن القول بأن سياسته ساعدت في جعل هذا العمل ممكنا، ويقول: "أمي تلبس الحجاب، لكن أختي لا تلبسه، إنها عائلة تركية".
ويفيد التقرير بأن توري هو من يقف خلف أسبوع الموضة المحتشمة في اسطنبول، الذي أقامه في شهر أيار/ مايو في محطة قطار، وكان هذا أول نشاط من نوعه في المدينة، وحضره مصممون من أنحاء العالم الإسلامي كله، حيث كشفوا عن تصاميمهم، مستدركا بأن معظم العارضات كن غير مسلمات، بل من روسيا وأوروبا الشرقية، وهن في العادة أطول من النساء التركيات، وأقدر على عرض الأزياء، بحسب ما قاله توري.
وينوه الكاتب إلى أن إحدى المصممات وتدعى لبنى صدوق، وهي امرآة مسلمة في الأربعينيات من عمرها، وتعيش في أمستردام، كانت قد بدأت لبس الحجاب قبل عدة سنوات، وقالت: "كنت في رحلة تدين، وأردت المزيد من السلام في حياتي"، مستدركا بأن إعجابها بهذه الموضة لم يدم طويلا، حيث تقول: "عندي نمط حياة آخر"، وأشارت إلى البكيني والبارات، واستدركت قائلة: "إنني لا أزال متدينة، وأصلي، وأرتدي غطاء الرأس عندما أذهب إلى المسجد"، والآن تعمل سيدة أعمال تبيع غطاء الرأس المصنوع من ألياف طبيعية مثل البامبو.
وتورد الصحيفة أن مصممي الموضة المسلمين يحاولون الوصول إلى إجابة على السؤال الآتي: كيف يمكن للمرأة المسلمة أن تكون عصرية ومواكبة للموضة وملتزمة بدينها في الوقت ذاته؟
ويقول توري إن الدين يطلب من النساء ألا يثرن غرائز الرجال الجنسية في الشارع، أما صدوق فتقول إن قواعد الثياب الإسلامية بسيطة، "فليس هناك فرق بين الموضة المحتشمة والموضة بشكل عام، وما عليك إلا تعديل بعض الأمور، مثل الطول والعرض، ويجب ألا يظهر الجسد، وألا يكون اللباس ضيقا، وهذا كل ما في الأمر".
وبحسب التقرير، فإن الأتراك العلمانيين يشعرون بالقلق من أن الدين بدأ يتدخل في الحياة اليومية، فيما يرى المحافظون الأتراك أن الدين أصبح مخففا جدا؛ بسبب الجشع التجاري، مشيرا إلى أن عددا من المحافظين تظاهروا خارج عرض الأزياء، وكانوا يهتفون: "الله أكبر"، وقال أحد المتظاهرين للحضور إن القرآن واضح في أن على المرأة أن تلبس الحجاب، لكنه أعرب عن أسفه لكون هذه التعليمات الربانية أصبحت "أداة للاأخلاقية المسماة موضة".
ويبين أرانغو أن غامزي أوكار، الذي تدير عائلته تجارة منسوجات، يرى أن هناك تجاوزات تتم باسم الموضة، حيث أصبحت الملابس التي تلبسها النساء أقصر وأضيق، والبناطيل أصبحت في كل مكان.
وتكشف الصحيفة عن أن زيادة الطلب في السوق على الملابس الإسلامية المصممة، دفعت شركات تصميم مشهورة، مثل DKNY وTommy Hilfiger، لتصميم مجموعة رمضان، كما أن شركة Dolce & Gabbana تبيع العباءات بحوالي ألفي دولار للقطعة.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول نور تاغوري، التي تعمل صحفية، وتريد أن تكون أول مقدمة تلفزيون محجبة في أمريكا، إنه تصل إليها رسائل إلكترونية من نساء مسيحيات، يقلن لها: "نحب تلك الملابس، ولكننا لسنا مسلمات"، فتجيبهن: "حسنا، لكن يمكنكن لبسها".