نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، للكاتبين كارين دي يونع ومايكل برنباوم، تقول فيه إن
الانقلاب الفاشل، الذي وقع في
تركيا قبل شهرين، لا يزال يلقي بظلاله على العلاقات الأمريكية التركية.
ويقول الكاتبان إن الحكومة التركية أرسلت، ولأول مرة، في الأسبوع الماضي أول دليل على تورط رجل الدين التركي فتح الله
غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا، بالمحاولة الفاشلة في 15 تموز/ يوليو، التي قام بها الانقلابيون بقصف البرلمان التركي، وأرسلوا دبابات إلى الشوارع، وفشلوا في اختطاف الرئيس رجب طيب
أردوغان.
ويضيف الكاتبان: "لو اقتنعت وزارة العدل الأمريكية بالدليل المقدم، فإنها قد تستجيب لمطالب تركيا، وتسلم رجل الدين الذي عاش لعقدين تقريبا في منفى اختياري في منطقة ريفية في بنسلفانيا".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن رفض وزارة العدل أو أي محكمة وعدم اقتناعهما، أو إن طالت الإجراءات القضائية، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة والحليف المسلم ستواجه أزمة جديدة، مشيرا إلى أن تدفق الغضب التركي بسبب ردة فعل حلفاء الناتو الأوروبيين والولايات المتحدة على العملية الفاشلة أثر في الثقة والعلاقات بينهما.
وتشير الصحيفة إلى أن السلطات التركية، التي عبرت عن شكها من موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وعدم اتخاذه إجراءات ضد غولن، واجهت نقدا من الدول الأوروبية؛ بسبب حملات التطهير التي قامت بها في أعقاب محاولة الانقلاب.
وينقل الكاتبان عن وزير شؤون الاتحاد الأوروبي عمر تشيلك، قوله: "لم تجد تركيا الدعم الذي توقعته من الأصدقاء الغربيين والحلفاء"، وأضاف: "لم يقفوا معنا".
ويلفت التقرير إلى أن أردوغان سافر إلى روسيا، في محاولة منه لتوسيع خيارات تركيا، وأصلح علاقة متوترة بين البلدين، مستدركا بأن تعاون تركيا في عدد من القضايا، مثل مواجهة تنظيم الدولة، ومنع تدفق المهاجرين على شواطئ أوروبا، يعد مهما للولايات المتحدة، التي يبدو أنها مستعدة للتسامح مع شريك، رغم انتقادها له ولالتزامه بحكم الديمقراطية والقانون.
وتذكر الصحيفة أن الولايات المتحدة تحركت في الأسابيع الماضية لتهدئة أنقرة، واعترفت بأنها لم تعبر عن الغضب المناسب والقلق من الانقلاب، مشيرة إلى أن نائب الرئيس جوزيف بايدن قام بزيارة إلى أنقرة الشهر الماضي، حيث زار البرلمان الذي حول الانقلابيون أجزاء منه إلى أنقاض، واعتذر عن تأخر الولايات المتحدة في التعبير عن التضامن، ولم يذكر أي شيء عن حملة الاعتقالات التي شنتها الحكومة في أعقاب الانقلاب الفاشل.
وينوه الكاتبان إلى أن وزارة العدل أرسلت فريقا من النواب إلى تركيا؛ لمساعدتها في تشكيل طلب ترحيل غولن، وقالت وزارة الخارجية إنها ترحب بالتعاون بين تركيا وروسيا، حيث إن التوتر في الوقت الحالي انخفض، مشيرين إلى أنه بالإضافة إلى زيارة بايدن، فقد التقى أردوغان والرئيس أوباما هذا الشهر في قمة الدول العشرين، التي انعقدت في الصين، وقال قائد هيئة الأركان المشتركة جوزيف فوتيل إن بلاده ملتزمة بالعلاقات العسكرية الاستراتيجية بين البلدين.
ويورد التقرير نقلا عن المسؤولين الأمريكيين، قولهم إنهم متأكدون من مواصلة تحالف تركيا مع الغرب، ووصفوا محاولات أردوغان للتقارب مع روسيا، بعد توتر العلاقات بين البلدين، في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية العام الماضي، بأنها تهدف إلى تحسين العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وبحسب الصحيفة، فإن هناك الكثيرين ممن يعتقدون أن تركيا لا خيارات كثيرة أمامها غير التحالف مع الغرب، الذي يضمن أمنها، وأشاروا إلى محدودية التقارب مع الكرملين، من خلال تصريحات وزارة الخارجية الروسية، التي عبرت عن قلقها البالغ من التدخل التركي في سوريا، حيث يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس في اسطنبول سولي أوزيل: "بلا شك، فإن العلاقات مع الولايات المتحدة غير مرضية، لكنك لو نظرت إلى الأمور بطريقة موضوعية، فإنه لا مكان لتركيا تعتمد عليه".
ويستدرك الكاتبان بأنه مع ذلك، فإن التوتر لا يزال قريبا من السطح، وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الأسبوع الماضي إن تركيا ليست بحاجة لـ"دروس" في الديمقراطية من الولايات المتحدة، وذلك ردا على بيان أصدرته السفارة الأمريكية في أنقرة، عبرت فيه عن قلقها من النزاع الدائر بين الحكومة والانفصاليين الأكراد في جنوب شرق البلاد، لافتين إلى أن الشرطة فرقت تظاهرة هناك؛ احتجاجا على استبدال 28 رئيس بلدية، واعتبر يلدريم بيان السفارة "غير مقبول"، وأكد أن رؤساء البلديات المفصولين كانوا يقدمون معلومات للإرهابيين.
ويورد التقرير نقلا عن وزير الداخلية سليمان صوليو، قوله إن "مبعوثي الدول، التي نعدها صديقة وحليفة، لا حق لهم بتقديم تقييمات حول الوضع"، وقال نائب مسؤول الشؤون الأوروبية في الخارجية التركية مراد إسينلي: "لا مشكلة عندنا في النقد، لكن يجب أن يكون نقدا بناء".
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين غربيين داخل الإدارة الأمريكية، قولهم إن أردوغان يعتقد أن القادة الغربيين يحاولون الإطاحة به، مشيرة إلى أن هذا الانطباع تعزز من خلال الطريقة التي رد فيها الغرب على المحاولة الانقلابية، التي كانت تتكشف أمام عيون قادته، حيث بدا أوباما والقادة الغربيون متفاعلين وقلقين أكثر بشأن حملة القمع التي تبعت فشل المحاولة الانقلابية، التي قتل فيها 241 شخصا، وتم اعتقال 40 ألف شخص، فيما فصل أكثر من 100 ألف شخص.
ويفيد الكاتبان بأن القادة الأتراك يقولون إن عملية التطهير ضرورية لهزيمة المؤامرة التخريبية، لافتين إلى أن تعرض أردوغان لمحاولة انقلابية يعبر عن نقطة ضعف أدهشت القادة الغربيين.
وينقل التقرير عن سيمون موردو، الذي يقود ملف انضمام تركيا المحتمل للاتحاد الأوروبي، قوله: "ما كشفت عنه محاولة الانقلاب ربما كان هشاشة بعض المؤسسات، التي لم نكن نحن ولا الحكومة التركية نتوقع ضعفها".
وتشير الصحيفة إلى أن مجموعة من برامج التعاون تعرضت للإلغاء أو التعليق، حيث قامت تركيا بوقف برنامج يدعمه الاتحاد الأوروبي للبعثات العلمية في أوروبا، وعلقت وزارة الخارجية سلسلة من برامج التبادل التعليمي هذا العام على خلفية الوضع الأمني.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أنه على المستوى الدفاعي، فإن مسؤولين غربيين عبروا عن تخوفهم من تطهير نسبة 40% من الجيش التركي، الأمر الذي قد يؤثر في قدراته، بصفته ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته قال عدد من المسؤولين الأوروبيين إنهم لا يتخيلون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في حياتهم.