فوق السيارات التي حاصرت نقابة الصحفيين
المصرية وبجوار مكبرات الصوت، وقفوا يتراقصون ويشيرون بإشارات بذيئة بأيديهم وأصابعهم من خلف صفوف أفراد الشرطة، التي وقفت تراقب المشهد وتفسح المجال لهؤلاء المجموعات المعروفة في أوساط المصريين بالـ(المواطنين الشرفاء)، وهم أفراد يتم جلبهم من مناطق عشوائية ومناطق شعبية، مقابل مبالغ مالية للقيام بأعمال بلطجة أو مظاهرات مدفوعة الأجر لتأييد السلطة وتشويه المعارضين.
هذه الوجوه نفسها التي كانت تتظاهر في المظاهرات العكاشية، وتحاصر مسرح باسم يوسف قبل إيقاف برنامجه الناقد للسلطة، رآها المصريون في أيام ثورة يناير حين نظمت قيادات الحزب الوطني المنحل مظاهرات تأييد للسلطة، انتهت إلى مشهد موقعة الجمل الدامية التي هاجم فيها هؤلاء البلطجية ميدان التحرير، واعتدوا على المعتصمين تحت سمع وبصر الدولة بالمولوتوف والرصاص الحي.
يعود هؤلاء من جديد لواجهة المشهد السياسي في مصر، بعد أن تمت الاستعانة بهم لتأديب الصحفيين وترهيبهم في يوم انعقاد الجمعية العمومية للصحفيين، التي صدرت عنها قرارات مهمة هدفها رد كرامة الصحفيين والنقابة بعد اقتحام الداخلية لمقر النقابة، واعتقال الصحفى عمرو بدر ومحمود السقا من داخل النقابة، على أثر فعاليات معارضة اتفاق تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
دلالات ما حدث تشير إلى غياب أي ظهير سياسي حقيقي للنظام؛ لذلك فقد تمت الاستعانة بهؤلاء الذين يؤكدون حالة الإفلاس السياسي الموجودة في معسكر السلطة، وباستثناء اللجان الإلكترونية الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقوم بشكل منظم وموجه ومحدد توقيته بعمل هاشتاجات مضادة للديموقراطية، ومعادية للمعارضين ومساندة للسلطة بشكل دائم، باستثناء هؤلاء يبدو أن كل ما فعلته السلطة من تشكيل البرلمان والسيطرة على أغلبيته وتوجيهه لتأييدها، لم تستطع تلك الجهود خلق الظهير السياسي الحقيقي الذي يتحرك لمواجهة خصوم السلطة بشكل سياسي، وليس كما حدث في مشهد المواطنين ( الشركاء ) الذين تم دفعهم لإرهاب الصحفيين وإجهاض احتجاجهم.
صنع هذا المشهد مأزقا جديدا للسلطة بعد أن تواترت الشهادات عما حدث أمام نقابة الصحفيين بأقلام صحفيين وكتاب معروفين بولائهم للسلطة وتأييدها، رووا ما حدث ووثقوه في تحقيقات صحفية ومقالات رأي، لذلك بدأ التحرك لاتجاه جديد بتدشين مجموعة من الصحفيين الموالين للسلطة للجنة، زعموا أنها تشكلت لتصحيح أخطاء مجلس نقابة الصحفيين، الذي طالب السلطة بالاعتذار وأصر على إقالة وزير الداخلية عقب واقعة اقتحام الأمن للنقابة، وفي مقر أكبر جريدة قومية تابعة للسلطة اجتمع هؤلاء وأصدروا بيانا يدعو لجمع التوقيعات لحل مجلس نقابة الصحفيين.
مشكلة السلطة أنها تمارس الأساليب القديمة نفسها التي صارت مستهلكة من كثرة تكرارها، لذلك فغالبية الرأي العام في مصر يعرف حقيقة هذه التحركات، ويدرك أنها محاولات لاحتواء الأمر بشكل فوقي عبر هذه الأدوات، التي حمل بعضها عصا وسلاحا، وحمل بعضها الأخر أقلاما أو تصدر شاشات فضائية.
تحصر السلطة نفسها في معسكر ضيق للغاية ليس فيه سوى هؤلاء المطبلين ومجموعات البلطجة المأجورة، التي لم تنجح في دعم استمرار نظام مبارك، وتراهن على القبضة الأمنية التي عادت لتدير كل الملفات وتتعامل معها بعقلية رجل الأمن وليس رجل السياسة، لذلك فالحلقة تضيق يوما بعد يوم والسلطة تعزل نفسها في مساحة صغيرة، تعادي فيها كل من لا يرضخ لرغباتها أو يقوم بتأييدها بشكل مطلق.
غرور القوة يوحي بالمزيد من الممارسات التي تعبر عن عقلية مأزومة، تخاف من كل ما حولها وتتعامل معه بمنطق العدمية والإفناء لا الاستيعاب أو الإحتواء. أخطر ما حدث في أزمة نقابة الصحفيين هو إعادة إحياء مجموعات البلطجية المأجورين، واستخدامهم ضد المعارضين وضد الشعب بشكل عام كما حدث في مظاهرات 25 أبريل الماضي.
قمع المعارضة السلمية بأدوات البلطجة والعنف يجعلها تنسحب وتخلي الساحة لظهور مؤمنين بنظرية العنف المضاد التي ستشعل المشهد وتزيده تعقيدا، نار الجنون تلتهب في مصر ولا أحد داخل السلطة ينتبه لعواقب الأمور، رسالة قمع الصحفيين رسالة لجميع المصريين، لكن لا أحد سيقبلها لأن الزمان لن يعود للوراء، ومن يصرون على السير عكس عقارب الساعة سيرتطمون بالواقع الذي سيفيقهم من الأوهام..