كتاب عربي 21

دلالات الموازنة المصرية

1300x600
أعلن وزير المالية المصري عن توقع بلوغ قيمة العجز بموازنة العام المالي الجديد، 2016/2017 والذي يبدأ أول شهر تموز/ يوليو القادم، نحو 319 مليار جنيه مصري، بنسبة 8.9 % من الناتج المحلي الاجمالي.

ويثير إعلان الوزير بعض بيانات إيرادات ومصروفات الموازنة عدة أمور: 

- أن البيانات النهائية لموازنة العام الجديد لن تتحدد إلا بعد إقرار البرلمان لها، ثم صدور قرار جمهوري بها، خاصة أن الدستور الأخير قد أعلى للبرلمان حق تعديل الموازنة، لكنه في ضوء ظروف اختيار أعضاء البرلمان وولائهم لسلطة الانقلاب، وتمريرهم عشرات القوانين التي أصدرها الانقلاب، يتوقع تمريره أيضا للموازنة.

- أن ما أعلنه وزير المالية عن بعض بيانات الموازنة الجديدة، جاء قبيل سفره لمؤتمر الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد، وهي الجهات التي تطلب من الحكومات الإفصاح عن موازناتها، وتدخل درجة ذلك الإفصاح في تقييم الدولة عند زيارات مبعوثي الصندوق الدورية لها.

- أن ما ذكر حول بلوغ مصروفات الموازنة 936 مليار جنيه وإيراداتها 631 مليار جنيه، لا يعبر عن حقيقة الإنفاق العام بالموازنة أو مواردها، فرقم المصروفات يعبر عن ستة أبواب من أبواب الموازنة الثمانية، بينما الإنفاق العام يعبر عن كافة أبوابها الثمانية.

وبما يعني غياب بيانات باب حيازة الأصول الذي يتعلق بمساهمات الحكومة في الهيئات الاقتصادية العامة، خاصة مع الخسارة المزمنة لكثير منها مثل اتحاد الإذاعة والتلفزيون وهيئة السكة الحديد، كذلك الباب الثامن المتعلق بأقساط الديون والذي كانت قد بلغت تقديراتها بالعام المالي الحالي 258 مليار جنيه.

ومن هنا فإن ما قيل عن بلوغ تكلفة الدين العام بالموازنة الجديدة 292 مليار جنيه غير صحيح، فهذا الرقم يخص فوائد الدين الحكومي المحلي والخارجي، بينما تكلفة الدين يجب أن تشمل فوائد وأقساط الدين المحلي والدين الخارجي معا، وتمثل تكلفة الدين البند الأكبر بالإنفاق العام حيث بلغ نصيبهما النسبي منه بموازنة العام الحالي 7ر43 %.

_ أن ما يخص الأجور للعاملين بالحكومة والبالغ 288 مليون جنيه بالموازنة الجديدة، حزء قليل منه يخص الأجور الأساسية، والجانب الأكبر منه يخص الأجور المتغيرة من حوافز ومكافآت وبدلات والتي تكرس التفاوت الكبير في أجور الموظفين.

- الزعم بزيادة الدعم الغذائي إلى 42 مليار جنيه، مقابل 7ر37 مليار جنيه بالموازنة الحالية، لا يعني توقع زيادة مخصصات الأفراد بذلك الدعم والبالغ 15 جنيها شهريا للفرد، لمن لديهم بطاقات تموينية وعددهم 63 مليون شخص من إجمالي 90 مليون مصري.

ولكن الزيادة جاءت بسبب خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال العام الماضي بنسبة تجاوزت 15 %، أي أصبح مطلوبا توفير جنيهات أكثر لاستيراد الزيت والسكر والقمح، ومع كون نسبة نمو مخصصات الدعم الغذائي البالغة 11%، أقل من نسبة انخفاض الجنيه، فهذا يعني نقص المخصصات الحقيقية للدعم الغذائي. 

- أن الزعم بزيادة بند الاستثمارات بنسبة 28 %، لا يعني تحقق مثل تلك الاستثمارات الحكومية، والتي تدخل في مجالات التعليم والصحة والطرق والكباري والكهرباء والإسكان، فقبيل كل سنة مالية يتم ذكر رقم كبير للاستثمارات، ومع إعلان البيانات الختامية للموازنة، يقل الإنفاق على الاستثمارات كثيرا عما تم ذكره.

- ويعود السبب إلى أن تدبير الأجور يمثل أولوية لصناع السياسة النقدية، لإتقاء تذمر الموظفين البالغ عددهم نحو 6 ملايين موظف، يليه تدبير نفقات الدعم الغذائي ودعم الطاقة، ثم سداد أقساط وفوائد الدين حتى يتم ضمان مواصلة الجهات المقرضة للحكومة - وهي المصارف غالبا - استمرارها في تمويل الموازنة المصابة بالعجز المزمن.

- أن الزعم بخفض نسبة العجز بالموازنة إلى 8ر9 % بالعام المالي الجديد، هو أمر بعيد المنال، ويتكرر إعلانه مع كل موازنة خلال السنوات الماضية، لكن العجز النهائي يزيد عن تلك النسبة كثيرا، بسبب الاضطراب الذي يعيشه الاقتصاد.

فقد أدت مشكلة نقص الدولار مؤخرا إلى طرح البنوك العامة أوعية ادخارية ذات فائدة مرتفعة، لدفع حملة الدولار للتخلص منه، والتحول للإيداع بالعملة المحلية، إلا أن ذلك ترتب عليه رفع نسبة الفوائد على اقتراض الحكومة في صورة أذون خزانة وسندات خزانة.

وبالتالي زيادة تكلفة الدين العام، والاضطرار لمزيد من الاقتراض لسد العجز الجديد، فتزيد أرصدة الدين الحكومي الذي يحتاج إلى قدر أكبر من الفوائد والأقساط لسداده، وهكذا تدخل الموازنة المصرية في حلقة مفرغة لن تنتهي، تنتقل آثارها السلبية إلى الأجيال الجديدة.