نشرت صحيفة "هافنغنتون بوست" تقريرا حول مظاهر
العنصرية ضد
السود في
تونس، وعرضت بعض الحالات التي أثارت جدلا كبيرا مؤخرا، وسط إصرار البعض على إنكار وجود هذه الظاهرة وتجنب الحديث عنها.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي نشرته بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التمييز العرقي، وترجمته "
عربي21"، إن السنة الماضية تميزت بعدة حوادث تمييز تعرض لها أصحاب البشرة السمراء، سواء كانوا تونسيين أم أجانب.
وأشارت إلى حادثة اعتداء بالعنف على طالب من الكونغو يدعى ليونيل أومبا، في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 في منطقة العوينة بالعاصمة تونس، "وقد انتشرت صور في وسائل التواصل الاجتماعي، تبين آثار الاعتداء على هذا الطالب، وحظيت الحادثة باهتمام كبير من الرأي العام، على عكس عدة حوادث أخرى لم تحظَ بالاهتمام اللازم".
ونقلت الصحيفة عن البيان الذي أصدرته جمعية الطلبة الكاميرونيين في تونس، أن "هذا الشاب كان في طريق العودة إلى سكنه، عندما تمت مهاجمته من قبل أربعة أفراد؛ قاموا بضربه بشكل وحشي، ما خلف له تورما على مستوى الوجه، وكدمات في عدة أنحاء من جسمه، ما استوجب تقديم الإسعافات له".
وأصدرت هذه الجمعية على إثر هذه الحادثة، تحذيرا لكل الطلبة الأفارقة في تونس، وخاصة الذين يسكنون في منطقة العوينة، وطلبت منهم عدم التواجد بمفردهم ليلا، وخاصة في الأماكن الخالية من الناس، كي لا يتعرضوا لجرائم الاعتداء العنصري. وأصدرت وزارة التعليم العالي في تونس؛ بيانا استنكرت فيه هذه الحادثة، واعتبرتها اعتداء وحشيا مرفوضا.
وأشارت الصحيفة إلى حادثة أخرى كانت ضحيتها تلميذة عانت من عنصرية مدرّستها، حيث إن هذه المدرّسة اتهمت تلميذتها بكونها سبب انبعاث الروائح الكريهة في القسم، وطلبت منها نزع حذائها في مرحلة أولى، ثم طلبت منها نزع جواربها أمام زملائها، وهو ما سبّب لهذه الطفلة أضرارا نفسية، وأدخلها في حالة اكتئاب، بحسب تقرير الطبيب المتابع لحالتها.
وأضافت أن وزير التعليم التونسي أنكر وجود هذه الحادثة، وأكد أن التحقيقات برّأت هذه المدرّسة، إلا أن جمعية "منامتي" نظمت اعتصاما في 19 كانون الأول/ديسمبر الماضي أمام مبنى وزارة التربية، وطالبت الوزارة بفتح تحقيق جديد. وهددت رئيسة الجمعية سعدية مصباح، بمقاضاة هذه المدرسة في المحاكم التونسية.
وتطرقت الصحيفة في تقريرها إلى حادثة تمييز عنصري أخرى، كانت ضحيتها البطلة الأولمبية سمية بوسعيد، التي شاركت في أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة في بكين 2008 ولندن 2012، وفازت بميداليتين ذهبيتين. وقالت إن سمية (35 عاما) تعاني من الحرمان من نعمة البصر، ورغم نجاحاتها السابقة في سباقات العدو السريع 1500 متر و400 متر؛ فإنها اليوم تجد صعوبة في الحصول على تمويل من أجل القيام بالتدريبات اللازمة للتحضير للألعاب الأولمبية القادمة في ريو دي جانيرو 2016.
ونقلت "هافنغتون بوست" عن هذه الرياضية، المنحدرة من جزيرة جربة في الجنوب الشرقي التونسي، قولها: "في تونس يمكن أن تتعرض مسيرتك الرياضية للضياع لمجرد أنك من ذوي البشرة السمراء، وقد قابلت في مسيرتي عدة رياضيين أكفاء كان بإمكانهم تحقيق أفضل النتائج، ولكنهم وجدوا الأبواب موصدة أمامهم بسبب لونهم".
وأشارت الصحيفة إلى حادثة أخرى كان بطلها الصحفي والسياسي التونسي صافي سعيد، الذي تعرض للاتهامات بالعنصرية على إثر ظهوره على قناة الحوار التونسي في 18 شباط/ فبراير الماضي، حيث إنه خلال حديث عن عمليات تهريب الأسلحة عبر ميناء رادس؛ أخذ الحوار منحى "عنصريا" حين قال صافي سعيد إن "فرنسا لا تضع فرنسيين في أمن الجمارك ومراقبة البضائع، وتفضل تكليف الزنوج بهذه المهمة لأنهم لا يرحمون".
وبحسب الصحيفة؛ فقد تمادى سعيد في تفريقه بين الجنسية الفرنسية ولون البشرة السمراء، مقدما إحصائية غريبة مفادها أن "70 بالمئة من عناصر أمن الجمارك في فرنسا؛ هم من الزنوج"، وقد رد عليه ضيف آخر كان حاضرا في الحصة، وقال له إن "رائحة العنصرية تفوح من كلامك"، إلا أن رد سعيد كان عنيفا، وهاجم جمعيات حقوق الإنسان، وقال إنها تختلق المشاكل، وهي عميلة لدول أجنبية.
واعتبرت الصحيفة أن هذه الحوادث العنصرية ما هي إلا "غيض من فيض"، حيث إن أغلب الحوادث تمر في صمت، ولا تحظى بالاهتمام الإعلامي اللازم، مشيرة إلى أن تقريرا للمنظمة العالمية للهجرة حول تهريب البشر، بيّن أن تونس شهدت 57 حالة استغلال لأصحاب البشرة السمراء في عام 2012.
وأشارت إلى أن رئيسة هذه المنظمة لورينا لاندو، قالت إن أغلب هؤلاء الضحايا هم من النساء، والغالبية الساحقة منهن من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة من ساحل العاج، كما أن 48 منهن كنّ ضحايا للخدمة المنزلية، فيما تعرضت امرأتان للاستغلال الجنسي، وسجلت خمس حالات كانت فيها الضحايا أعمارهن أقل من 18 عاما.