حاورت صحيفة "لوموند" الفرنسية الناشط السياسي
التونسي محسن مرزوق، الذي هاجم في مقابلته حزبه السابق "
نداء تونس"، وتحدث فيها عن رأيه بأحزاب "الإسلام السياسي"، فضلا عن المأزق في علاقة بلاده مع ليبيا.
وفيما يلي نص الحوار الذي ترجمته "عربي21":
محسن مرزوق هو ناشط سياسي سابق في "اليسار المتطرف"، وهو اليوم من أبرز الشخصيات السياسية التي تنتمي للتيار الحداثي المعارض للإسلام السياسي في تونس.
كان محسن مرزوق أمينا عاما لحزب "نداء تونس"، الحائز على الأغلبية في الانتخابات التشريعية التونسية، لكنه أعلن استقالته من الحزب في أواخر سنة 2015، بعد تصاعد الخلافات الأيديولوجية بينه وبين نجل الرئيس التونسي، حافظ قايد السبسي.
مهدت هذه الخلافات إلى ظهور انقسامات داخلية، دفعت مرزوق الذي كان يُعَدّ إلى وقت غير بعيد "ولي عهد" الباجي قايد السبسي في منصب رئاسة الجمهورية، إلى إعلان استقالته وتأسيس "حركة مشروع تونس"، التي تتبنى المبادئ التأسيسية للأب الروحي للدولة التونسية الحديثة، الحبيب بورقيبة.
لماذا غادرت نداء تونس؟
كنت مضطرا، لقد كنت أحد مؤسسي الحزب، عندما استقلت من منصب وزير مستشار لدى رئيس الجمهورية، كنت أعتقد أنه سيتم تكليفي حصريا بإعادة هيكلة الحزب. لقد تأسس حزب نداء تونس في ظرف وجيز، وكان شكلا من أشكال الترقيع السياسي التي كانت ضرورية في الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية والرئاسية في سنة 2014، وهو ما نجحنا في تحقيقه. لكن بعد نجاح الحزب في الانتخابات، كان لا بد من إعادة ترتيب البيت الداخلي بسرعة عن طريق سد الثغرات؛ ليضطلع الحزب بدوره في الحكم، باعتباره حزبا ديمقراطيا ومنظما. كانت هناك حاجة أكيدة لإعادة الهيكلة، لكن يبدو أن إرادة الإصلاح لم تكن للأسف مشتركة بين الجميع.
لقد خسرت المعركة داخل حزب نداء تونس في مواجهة حافظ قايد السبسي الذي أصبح أمينا عاما للحزب. هل تعتقد أن هناك شكلا من أشكال الوراثة في الحكم؟
لا يمكنني أن أذهب في التأويل إلى هذا الحد، هناك فقط محاولة لتوريث السلطة لشخص يفتقر إلى المؤهلات والقيادة، ولا يملك سوى اسم عائلته. لا أعتقد أيضا أن رئيس الدولة التونسية وراء هذه العملية، إنها مجرد آلية نفاق تذكرنا بممارسات نظام بن علي.
ربما خسرنا معركة إنقاذ المبادئ التأسيسية لحزب نداء تونس، لكننا في المقابل فزنا في معركة المشروع الأصلي، المشروع الإصلاحي الحداثي الذي من المنتظر أن يسهم في بناء مشروع تونس الغد.
ستعلن يوم 20 آذار/ مارس عن تأسيس حركة جديدة تسمى "حركة مشروع تونس". علام يقوم برنامجكم؟
سيكون حزبا تقدميا، حداثيا، وطنيا، وعلمانيا، يسير على خطى الزعيم الحبيب بورقيبة، بما يتماشى مع التطور الاقتصادي السياسي والاجتماعي في تونس بعد الثورة.
ما هو رأيك حول الإسلام السياسي؟
يقوم نشاطنا على الفصل بين الدين والدولة، نحن نعتقد أن كل التباس، كل خليط بين الدين والسياسية، يؤدي بالضرورة إلى العنف. إن محاولة إضفاء شرعية على الفعل السياسي من خلال الشرعية الدينية يؤدي حتما إلى مواقف تعصب أيديولوجي.
إن الاختلافات بين الطوائف السلفية الجهادية ومن نسميهم بالإسلاميين المعتدلين هي اختلافات تتعلق بالتأويلات، بينما القاعدة الفكرية هي نفسها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المشكلة الحقيقية بالنسبة للأحزاب الإسلامية، وتحديدا الإخوان المسلمين، هي أن مفهوم الأمة بالنسبة لهم يتعلق فقط بالأمة الإسلامية، إن لديهم رؤية تتجاوز كل الحدود، بينما ينص دستورنا على العكس تماما.
حزب النهضة الإسلامي يمثل جزء مهما من الحكومة الائتلافية التي نتجت عن الانتخابات التشريعية في سنة 2014، والحكومة في حاجة إلى دعمها البرلماني لإدارة البلاد. هل تعتقد أن النهضة أصبحت تلعب دورا أكثر أهمية في تحديد اختيارات الحكومة منذ أن خسر نداء تونس الأغلبية لصالحها في مجلس نواب الشعب؟
هنالك مستويان ينظر إليهما فيما يتعلق بهذا الموضوع، يوجد التأثير "العلني" للنهضة، باعتبارها الحزب الذي فاز بنسبة 28 في المئة من الأصوات، لذلك أعتقد أنه أمر عادي أن يكون لديها ما تقوله في ظل النظام شبه البرلماني الذي يجب مراجعته وتعديله، ومن جهة أخرى، هناك تأثير آخر اكتسبته
النهضة افتراضيا، فقد رفض نداء تونس الذي تحصل على 37.5 في المئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية أن يلعب دوره القيادي، وأضف على ذلك ضعفه الكلي بسبب الخلافات الداخلية، لعبت النهضة إذن دورا طبيعيا، بما أن الطبيعة ترفض الفراغ، لقد أصبح نداء تونس قوقعة فارغة في السلطة التنفيذية.
لنفترض أن حزبك المستقبلي شارك في انتخابات سنة 2014، وفاز بها دون أن يحقق الأغلبية، هل كنت ستقبل بتحالف مع النهضة؟
سيكون على أعضاء الحزب أن يتخذوا القرار المناسب في هذه الحالة، إن السؤال المطروح هنا هو "الحكم أو رفض الحكم". أفضّل ألا أجد نفسي في وضعية تؤدي إلى تعطيل عمل الحكومة. في كل الأحوال، نحن نتفاعل لننتصر، لنسيطر وننفذ مشاريعنا. يجب في كل الأحوال ألا نخلط بين التعايش والتحالف.
فيما يتعلق ببرنامجكم، ما هي وصفتكم للخروج بتونس من الركود الاقتصادي والاجتماعي الذي يشل العملية الديمقراطية؟
قبل الحديث عن الوصفة، يجب الحديث عن الرؤية خلال السنوات العشرين والثلاثين القادمة. لقد قمنا بالثورة، لكن بعد الثورة ظلت البلاد تفتقر لرؤية واضحة، ما هي الثورة؟ هي تعبير عن إرادة التغيير قبل كل شيء، تفتقر البلاد للحرية، ليس فقط سياسيا، ولكن أيضا اجتماعيا واقتصاديا، نحن ندافع في برنامجنا عن ثلاثة محاور رئيسة: المشاركة، والحرية، والاندماج.
تتم إدارة البلاد اليوم وفقا لنظام بيروقراطي ومركزي، وهي أساليب لم تعد تتلاءم مع مقتضيات العصر، يجب تغيير كل ذلك: فكرة الدولة المقدسة، يجب تحرير الاقتصاد من خلال إصلاحات جذرية. يجب السماح أيضا لعديد الفاعلين بالتدخل في هذه العملية. ما نحتاجه هو دعم الثروة قبل إعادة توزيعها، وإلا فإنها لن تكون سوى إعادة توزيع البؤس.
المحور الثاني لعملنا هو المشاركة، يجب أن يتاح للمناطق هامش من الحكم الذاتي؛ حتى تصبح فاعلا اقتصاديا يستطيع التصرف في ثرواتها الذاتية ضمن إطار وطني. يجب أن يكون هناك نظام للحكم الإقليمي وفقا لضوابط معينة تحترم السلطة المركزية. وفي النهاية، يجب تشريك الشباب، وخصوصا الشباب العاطلين عن العمل.
هل لديك نظرة ليبرالية للاقتصاد؟
أفضّل عبارة "إصلاحي"؛ لأني لم أعد أؤمن أبدا بالأيديولوجيات. إن مشروعنا يحمل توجه توني بلير: لم يعد هناك سياسات يمينية أو يسارية فيما يتعلق بالاقتصاد، هناك فقط سياسة جيدة، وسياسية سيئة.
عديد الناشطين الذين انسحبوا من نداء تونس لا يفضلون الانضمام إلى حزبك؛ لأنهم يخشون من تمركز الحزب بصفة مفرطة حول شخصك.
أتفهم مخاوفهم، لقد مروا بتجارب صعبة حقا، لكني شخصيا اقترحت تحديد عدد الولايات الرئاسية، بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. أعتقد أن أربع سنوات كافية للقيام بعمل جيد.
على الحدود الشرقية لتونس، دخلت ليبيا في حالة فوضى عارمة. ما يستدعي تدخلا عسكريا دوليا ضد قواعد تنظيم الدولة. هل تؤيد هذا التوجه؟
هناك فوضى عارمة في ليبيا، وتعدّ تونس أكثر الدول المهددة من هذه الوضعية، نحن نأمل أن يتمكن إخواننا الليبيون من حل مشكلاتهم بطريقة سلمية، ثم يتم تزويدهم بالوسائل الضرورية في معركتهم ضد الإرهاب. إذا كان لا بد من هذا التدخل العسكري-الذي لا نحبذه- فإن تونس يجب أن تستعد جيدا.
المشكل سيكون مضاعفا في هذه الحالة؛ ستكون بلادنا قبل كل شيء في حاجة إلى قوات مسلحة كافية ومزودة بإمكانيات كبيرة في حال خروج الأمور عن السيطرة، إن ما حدث في بن قردان يوم سبعة آذار/ مارس الجاري يرجح تكرار مثل هذه السيناريوهات، وسيكون علينا أيضا أن نتعامل مع تدفق محتمل للاجئين. إن تدخلا مبكرا وقصير المدى دون برنامج واضح للمرحلة التي تليه لا يمكن أن يكون ناجحا، فقد واجهنا نتائج الحرب في ليبيا في سنة 2011، دون أن نتلقى أي دعم من المجتمع الدولي.