نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتها هبة صالح، حول الجهود التي يبذلها
التونسيون لمحاسبة العهد السابق، تبدأه بنقل حديثها مع السجين السابق في سجون
ابن علي راشد جعيدان، الذي عاش فيها لمدة 13 عاما، حيث يشير إلى أسنانه المكسرة، وإلى آثار الجروح على يديه جراء التعذيب الوحشي الذي عاشه في السجن.
ويقول جعيدان للصحيفة: "هناك صور لن أستطيع محوها من ذاكرتي، مثل الممرات المصبوغة بالدماء بعد جولات التعذيب، وفي مرحلة ما تركت عاريا لمدة شهر، وساقي الشمال مربوطة بذراعي اليمين، وكان ذلك في شهر كانون الأول/ ديسمبر، وكانوا يصبون علي سطلا من الماء البارد كل صباح".
ويشير التقرير إلى أن جعيدان ليس سوى واحد من 40 ألفا سيشهدون أمام لجنة الحقيقة والكرامة، التي أنشئت بعد الإطاحة بنظام ابن علي، لافتا إلى أن اللجنة، التي صيغت تقليدا للجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، كلفت بالكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في تونس على مدى 60 عاما من الحكم الاستبدادي.
وتذكر الكاتبة أن اللجنة تهدف أيضا إلى تعويض الضحايا، وتحقيق التعافي الوطني والإصلاح المؤسساتي، على أمل تجنب عودة الإجراءات القمعية، مستدركة بأن اللجنة، التي بدأت عملها العام الماضي، تناضل في وجه تضاؤل الدعم السياسي، ومقاومة البعض في النخبة الحاكمة.
وتنقل الصحيفة عن رئيسة اللجنة والناشطة الحقوقية المخضرمة سهام بن سدرين، قولها: "عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان، فإن هناك البعض ممن لا يحبون المساءلة ويفضلون النسيان، هؤلاء الناس لا يزالون في مواقع مؤثرة في أجزاء من الإدارة، ويحاولون عرقلة الأمور".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن التأييد الأولي للجنة بدأ بالتحول بعد انتخابات 2014، التي أنتجت حكومة يشترك في السلطة فيها الإسلاميون، الذين كانوا مقموعين سابقا، بالإضافة إلى حزب
نداء تونس، الذي ينتمي إليه أشخاص كانوا على علاقة قوية بنظام ابن علي، مشيرا إلى أن الهجمات الإرهابية لتنظيم الدولة دعمت موقف المسؤولين الأمنيين الذين يرفضون المساءلة.
وتستدرك صالح بأنه مع التغير في المشاعر، فإن الإعلام قام باستهداف بن سدرين بهجمات إعلامية شرسة، ويقول جعيدان: "سهام بن سدرين مناضلة، ولا أشك فيها، لكن مخالب النظام القديم لا تزال موجودة، وقد تنجح العدالة الانتقالية في حفظ الذاكرة، لكن لا أظن أن محاسبة من قاموا بالتعذيب ستحصل".
وتفيد الصحيفة بأن بن سدرين تدرك التحديات، لكنها تحتج بأن هناك تقدما يحصل، ولذلك، وحتى إن منعت من الاطلاع على ملفات وزارة الداخلية، إلا أنها تقول إنها استطاعت الاطلاع على بعض ملفات الأرشيف الرئاسي، بعد أن كانت منعت من ذلك في البداية.
وينقل التقرير عن بن سدرين قولها: "أرشيف وزارة الداخلية مهم؛ لأن الشرطة شكلت العمود الفقري الذي دعم النظام الدبكتاتوري، وتقوم الاتحادات، التي تمثل الشرطة، بمنع الوصول إليه، إنهم لا يفهمون أن الممارسات التي يحاولون التستر عليها هي ذاتها التي تولد الإرهاب".
وتنوه الكاتبة إلى أن إحدى المعارك التي يبدو أنها كسبتها، إلى الآن، تتعلق بقانون المصالحة المالي، الذي يسمح للحكومة بالعفو عن المسؤولين ورجال الأعمال الفاسدين المرتبطين بالنظام السابق، إن هم تنازلوا عن بعض المكاسب التي حققوها بشكل غير قانوني.
وتبين الصحيفة أن المنتقدين للقانون المقترح، الذي تسبب بتظاهرات في الشوارع، قالوا إنه سيغطي على آثام رجال الأعمال في عهد ابن علي، لافتة إلى أن هذا القانون فشل في البرلمان العام الماضي، بعد أن تم اعتباره غير دستوري، وتقول بن سدرين إن التصويت على القانون سيكون تجاوزا وتدخلا في عمل لجنتها.
ويستدرك التقرير بأن بعض السياسيين يصرون على أن القانون ضروري؛ لتحسين الأجواء التجارية، وإعادة ثقة المستثمرين في تونس، ويقولون إنه سيتم تعديل القانون وعرضه مرة أخرى على البرلمان.
وتورد صالح نقلا عن سيد فرجاني، وهو أحد قيادات
النهضة، قوله: "نظامنا الاقتصادي على المحك، نحن ضد أي شخص يحاول إضعاف لجنة الحقيقة والكرامة، لكننا نريد أن نجد طرقا تسمح لرجال الأعمال، الذين لم يرتكبوا جرائم كبيرة، لكن تجاوزوا بعض الإجراءات، بإرجاع أموالهم إلى البلاد".
وتقول بن سدرين إن أي قانون جديد يجب أن يتماشى مع المبادئ التي حددت مهمة اللجنة بإطلاق عملية يتم من خلالها التحقيق في الجرائم كلها، ويستخدم المعلومات الناتجة؛ لتحسين عملية الحكم، بحسب الصحيفة.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه بالرغم من الإخفاقات، إلا أن بن سدرين تبقى متفائلة، وتقول: "هناك نظام جديد في تونس، وهو لا يزال تحت الإنشاء، وهناك نظام قديم لم يتم تفكيكه بشكل كامل، وهناك انتقادات وحملات ضدنا، لكننا سنستمر قدما".