عضّ رجل كلبا، هو الخبر، وليس عضّ كلب رجلا.
الكلاب لا تعضّ في ألمانيا إلا نادرا، هي تقبّل فقط، بل هي لا تنبح! اللاجئ لا يجوز له
التحرش، التحرش من "حق" المواطن فقط.
إذا تحرّش الألماني، فجنحة وغرامة، أما إذا تحرش الوافد بألمانية، فبربرية ودواعش! التحرش مرفوض طبعا، لكن لا بد من توصيفه بمعيار واحد بغض النظر عن جنسية المتحرش.
والألمانية بيضاء صهباء، رماح، عيطبول، نصف عارية غالبا في الصيف.. ألقى الدكتاتور العربي شعبه في اليم مكتوفا، جائعا، محروما، وقال إياك إياك أن تتحرش بالحسان.
الممثلة السويسرية ميلو موراي، المثيرة للجدل وأشياء أخرى غير الجدل، تعرّت في ساحة ألمانية بالكامل، بالكامل يعني بالكامل، فأوراق التوت في ألمانيا يحوّلها الدود المعدني فورا إلى حرير.
تعرّت الممثلة احتجاجا على التحرّش، ورفعت شعارا يقول: احترمونا. شخصيا أحترمك يا مولاتي، وأشياء أخرى طبعا، أحترمك بالكامل..
.. نساء كثيرات تعرين في الساحات احتجاجا على الرئيس المنتخب مرسي، وحملت مذيعة كفنها، أما السيسي والأسد فلم تحتج أي امرأة عريا، في الشرق أو الغرب على براميله أو أباتشياته، فهؤلاء رؤساء يحترمون السيدات العاريات العفيفات الحرائر!
في الليلة ذاتها، ليلة التحرش العظمى، المطينة بطين، توقفت لدقائق عند فيلم قديم هندي اسمه "ديوار" في قناة "زي"، من بطولة أميتاب باتشان، وهو يقول لزينات أمان: سيدتي أنت من عائلة كريمة، شبه عارية، وأنصحك بلباس محتشم، فقالت: جسدي من حقي، فردّ عليها قائلا: التصفير أيضا من حق المتحرش ففمه من حقه.
التصفير كان تحرشا آنذاك في الهند! والتحية الصباحية الذكرية لأنثى كانت تحرشا في مصر في الخمسينيات!
والأيام تتحول، والغراب شعره يشيب من هول.. الاحترام، في هذه الأيام النحسات.
لعل موعظتي لا تنفع في ألمانيا، فاللاجئ ضيف، والضيف عسيف، والثقافة الألمانية مختلفة. العري لا يعني دعوة جنسية في بلاد بني الأصفر. وفي أمريكا يزود الطلاب الذكور بدليل حقوقي وقانوني معقد، حتى لا يغتصب زميلته في غرفته، وإن نامت في فراشه، فعليه أن يستكتبها وثيقة تحريرية برغبتها في المواقعة الجنسية، وإلا كانت تحرشا واغتصابا يعاقب عليه القانون!
ضجت ألمانيا بواقعة رأس السنة، ويمكن تأويلا أن يقال إن هذا تحرش سياسي بالسيدة ميركل نفسها، وسياسة استقبال النازحين: واااعمَّتاه.
أمس أشاعت مواقع "الصديق"، التلفزيون الروسي حصرا، إشاعة جديدة. حادثة إفك جديدة ضد النازحين، وهي أنّ
اللاجئين اغتصبوا قاصرا روسية، وهي تهمة أقسى من تهم تحرشات رأس السنة، فالمتحرش بهن في رأس السنة بالغات راشدات.. يقال إن السلطات الألمانية كانت بالمرصاد وفنّدت الكذبة، المشكلة "أن الحجرة التي لا تصيب، تدوش".. التهمة تمهد لغيرة بوتين على عرض ناتاشات روسيا الشريفات!
تعددت التقارير حول واقعة رأس السنة، ويقال إن السلطات تعرف أمورا وتخفيها. وكتبت ثلة نبيلة من المثقفين الألمان في كولن، "رسالة كولن"، يشرحون الواقعة، ويكبرون في كولن الضيافة والترحيب والإنسانية الجامعة، ويتهمون زعّارا من شمال أفريقيا مدربين، ومع سبق الإصرار والترصد، كما تقول الجملة الشهيرة في علم الجنايات، على التحرش والسرقة.. وكانت عبارة مشابهة قد جرت على أقلام السوريين في صفحات التحارب الاجتماعي تتهم الأفارقة "بالغزوة"، وهي تهمة لا تخلو من عنصرية، فالسوريون؛ أبرياء، والأفارقة وحوش؟
يذكر اعتذار المثقفين الألمان في الرسالة الطويلة إلى الرأي العام، معلومة، جعلتني أزداد احتراما للممثلة السويسرية، تقول المعلومة: إن جريمة اعتداء جنسي تحدث في ألمانيا كل ثلاث دقائق! وغالبا ما تكون عائلية! وهي جريمة سفاح قربى!
الأمر الثاني أن تقريرا صحفيا ألمانيا مضادا يقول: إن أربعين واقعة تحرش ألماني ذكري بلاجئات قد سجلت! المثل الشعبي يقول: إن "نكاح الغريب حلو"، والألماني الذي عاش "ثورة" جنسية مثل باقي بلاد الغرب، وحيّدت مشاعره الجنسية قليلا، فإن الشهوة آلة لا تشبع، وقد تتحول من جنس لجنس، لكنها لا تتوقف أبدا.
رسالة كولن تذكر باغتصاب عشرات الألوف من سيدات البوسنة والهرسك من قبل المسيحيين، من غير أن تتهم المسيحية كما يتهم الإسلام حاليا!
تابعت برامج حول الواقعة في تلفزيون "ديو": تحدثت إحدى الضحايا عن الواقعة، فهمت منها أن الاعتداء كان محاولة عناق بالقوة، أي أن الاغتصاب لم يقع، وأفتت ضيفة شامية قائلة إنها كانت بالشام، ترحب بالتحرش اللفظي! الفتوى تتغير بتغيير المكان والزمان.
أداعب صديقة ألمانية (عمرها محيّر بين العشرين والتسعين) بمخاطبات لطيفة: مثل يا روحي، يا حجة، مال القمر مالو مجيناش على بالو، أنت تأشر يا جميل، دخيل الله.. وأترجمها لها بالمترجم الآلي اللعين فتضحك، حتى يختال الربيع ضاحكا، والخريف أيضا.. البارحة تجنبت تحية المعانقة، وقلت لها أخشى أن يكون تحرشا، فضحكت حتى أوجع الضحك خاصرتها، تقول لي الصديقة: هل من مزيد؟
جدير بالذكر:
أن الصراع حول المرأة هو الصراع الأول في التاريخ البشري. لم يكن على النفط، ولا على الأرض، ولا على بطاقات التموين والإعاشة.. ويمكن أن نقدر بأن القاتل قابيل تحرش بلبودا الأخت الجميلة لهابيل بحسب الإسرائيليات.
حرصت فضائيات الفرس غير المجوس، وآخر القلاع العلمانية على لصق تهمة التحرش بطائفة، هي الأمة، كما فعلنا نحن السوريين ولصقناها بجنس الأفارقة، ويمكن أن نشير هنا عرضا إلى فيلم شهير يعرض فيه أحد جنرالات جيش النظام تقديم صبية لضابط روسي على بطولاته في سلمى "المحررة" مكافأة!
ترافقت غزوة رأس السنة بإشعار لصحفي سوري معروف يقول: إنه يحسد مصر على حذف مناهج التربية الإسلامية وإبدالها بكتاب القيم والأخلاق! فكدت أن أعضّ عيني، فلو كان نظام السيسي قد أحدث شيئا سوى إنجازات الكفتة والترامادول وسد النهضة لكان له الحق في التباهي بأخلاق نظام السيسي، فلو أصبحت مصر مثل ألمانيا دولة فيها عدل وقانون، وليس فيها تشهير بطائفة أو جنس، قلنا: هذا عارض ممطرنا.
ثمة صورة صدرها صحفي سوري صفحته وهي لإحدى لوحات بيكاسو يعرض فيها عربيا يبيع جارية! الصحفي أورد اللوحة، وهي خيال صورة نمطية اشتغل عليها الاستشراق قرونا عدة، برهانا على ضِعة العرب والإسلام وشراهتهم الجنسية، وافتراسهم للمرأة وحقوقها!
اجتهدت فضائيات الفرس وآخر قلاع العلمانية في التخويف من موجات النزوح، فكلهم تكفيريون، والتكفيري متحرش أبا عن جد، لن ننفي تهمة التحرش عن شعب فيهم الصالحون والطالحون. لكن المشكلة هي الميديا العملاقة التي تجعل الحبة قبة، والبوسة اغتصابا.
الجرائم الجنسية تقع لكل شعوب الأرض، مشكلتنا الأساسية سياسية، وهي أن الديكتاتور العربي اغتصب أمة، وأنه يستقبل ويودع في الغرب شرعيا بوصفه بطلا ضد الإرهاب..
اقرأ كتاب "شهرزاد ترحل إلى الغرب" وسترى بعين عقلك أن الغرب هو الذي يتاجر بالجواري، بل بالشعوب ذكورا وإناثا، شبانا وشيبا، أرضا وسماء..
في الإنجيل: "أنت ترى القشة التي في عين أخيك، بينما الخشبة التي في عينك لا تراها".
القشة في عين الإعلام المعاصر العوراء تصير.. خازوقا.
الكيل بمكيالين والقياس بمقياسين: تقيسون أطوالكم بالذراع، وأطوالنا بالخازوق.
أنتم نور عينينيا.. ولاّ إيه؟!