أجرت صحيفة لوموند الفرنسية حوارا مع الباحث الألماني يان أسمان، المهتم بدراسة التاريخ والآثار، حول العلاقة بين
الأديان السماوية والعنف، ورد فيه أن
العنف هو وليد طموحات إنسانية، وليس متأصلا في الدين، رغم تسجيل ظهور تيارات متطرفة في تاريخ الأديان السماوية الثلاثة.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن العالم يان أسمان يبحث في تاريخ ظهور الأديان السماوية، وعلاقتها بظهور الحركات الدينية المتشددة، خاصة أن العصر الحديث شهد تفاقما لظاهرة التشدد والتطرف.
وقد علق أسمان على هذه الظاهرة، بالقول إن "العنف الديني لا يمكن اعتباره عنفا باسم الله، إذ إنه يجب التفريق بين الدافعية والشرعية، رغم الخلط الكبير بين المفهومين. فالجرائم الوحشية التي يرتكبها تنظيم الدولة على سبيل المثال، ليست بدافع ديني، بل هي بدوافع ذاتية كامنة في كل عنصر من عناصر التنظيم، مثل الطمع والتعطش للدماء والرغبة في الانتقام وحب التسلط والسيطرة، أما الحجج الدينية فهي لا تعدو أن تكون ذريعة يعتمدها التنظيم لإضفاء الشرعية على نفسه، واستقطاب المزيد من المقاتلين".
واعتبر أسمان أن العنف الديني ليس مرتبطا بشكل مباشر بالأديان السماوية، رغم أن هذه الأديان تدعو للإيمان بالله إيمانا مطلقا وطاعة أحكامه طاعة مطلقة، ورغم أن هذه الأديان تشرع استعمال القوة أحيانا في بعض المسائل.
وذكر أسمان أن تاريخ الديانة
اليهودية تخللته ممارسة العنف، حين قام اليهود الذين يعتبرون أنفسهم "شعب الله المختار" بالاعتداء على الكنعانيين الذين يعيشون في أرض فلسطين، وممارسة التهجير والتقتيل الجماعي ضدهم، والواقع أن الفكرة التي شرعت لهذا العنف ليست صحيحة، بل تم اختلاقها في وقت لاحق بعد ظهور هذه الديانة. كما أن حرب المكابيين ضد الهيمنة الهلسنتية في القرن الثاني للميلاد تخللها الكثير من العنف باسم الدين، ثم جاءت اليهودية الحاخامية لتشكك في النظريات العنيفة وتقوم بتهميشها.
وفي إجابة على سؤال حول العلاقة بين العنف والدين والقومية، قال أسمان إن الفكر القومي استعمل العنف الديني عير التاريخ، حيث يكون الصراع قوميا ويتم إلباسه رداء الدين للتحفيز على القتال، بداية من حرب التحرير ضد نابليون، إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي تشكل اليوم محركا للصراع المتواصل بين الهندوس والمسلمين، كما أن العنف الهندوسي في هذه الحالة ينفي اقتصار ممارسة العنف على أتباع الأديان السماوية فقط.
واعتبر أسمان أن الشيء نفسه ينطبق على اليمين الإسرائيلي المتشدد، الذي يستغل الخطاب الديني لتبرير السياسات الاستيطانية وقمع الشعب الفلسطيني، وينطبق الخلط بين الدين والقومية أيضا على تنظيم الدولة، الذي يتكون من مقاتلين سابقين في جيش صدام حسين البعثي، ولكن في هذه الحالة فإن هذه المجموعة من الضباط السابقين لا تقاتل من أجل القومية، بل من أجل مصالح ذاتية، وقد وجدت فرصة لتغطية أعمالها بغطاء ديني عبر انضمامها لتنظيم الدولة.
وقال أسمان إن الأديان السماوية بطبعها سياسية، وهي تتضمن تعاليم وأفكار متعلقة بممارسة السياسة، وخلال هذا العمل السياسي ظهرت في فترات معينة تيارات متطرفة، تتبنى أفكارا راديكالية في الأديان الثلاثة، مثل الزيلوتيين اليهود والسلفيين الجهاديين في الإسلام.
وأكد أسمان أن نبذ العنف يبدو الحل الوحيد ليكون للدين موقع في العصر الحديث، الذي طغت عليه العولمة، فممارسة السلطة والحفاظ على السلمية لا يتعارضان بالضرورة، والمهاتما غاندي أثبت ذلك بالتجربة.
كما ذكر أسمان أن المدافعين عن التشدد والعنف لا يتوقفون عن استغلال النصوص الدينية من قرآن وإنجيل وتوراة، فخلال الحرب العالمة الأولى برر الألمان غزوهم لبلجيكا، وهو غزو مثل جريمة حرب حقيقية باعتبار أن بلجيكا كانت تقف على الحياد، باستعمال مقاطع من الإنجيل، تتحدث عن شعب نزل عليهم العقاب لأنهم لم يسمحوا لبني إسرائيل بعبور أراضيهم، وحتى من وجهة نظر الدين فقد مثل الاعتداء الألماني خطيئة كبرى وانتهاكا للوصية الثالثة، التي تحذر من استعمال الدين لتبرير العنف.
وأشار أسمان إلى أن هؤلاء المتشددين الذين يستعملون الدين، يقومون باستغلال بعض النصوص الدينية، ويتجنبون التطرق لما يدحض روايتهم، ويعمدون لتهميش وتزييف كل دليل يكشف خطأ ادعاءاتهم. ولذلك وجب على المؤرخين والعلماء والدعاة تنزيل النصوص الدينية في إطارها التاريخي.