تناولت الصحافة
الإسرائيلية الهجوم الذي شنّه
تنظيم الدولة على الجيش المصري بسيناء واغتيال النائب العام المصري بالنقاش والتحليل وأثره على مستقبل إسرائيل، وأظهر مخاوف إسرائيلية من عجز نظام
السيسي وقدرته على ضبط الأوضاع الداخلية، فضلا عن اقتراب تنظيم الدولة من الحدود الإسرائيلية بشكل كبير جدا، سيمكنه في المستقبل من استهداف إسرائيل.
المحلل الإسرائيلي يوسي ملمان أثار تساؤلات كثيرة حول قدرة الجيش المصري على مواجهة تنظيم الدولة وإمكانية الانتصار عليه.
وفي مقالته لصحيفة "معاريف" الخميس، قال ملمان إن الهجوم الإرهابي الذي حدث في
سيناء هو الأكبر لداعش منذ بدء حربه ضد الحكومة في القاهرة، قبل نحو أربع سنوات، مشددا على أن الهجوم شكل الضربة الأكثر إيلاما التي يتعرض لها الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف.
وأشار ملمان إلى أن أحداث سيناء أثبتت أنه رغم تصميم السيسي على محاربة التنظيمات الإرهابية واستخدامه الجيش المصري وقوات الأمن دون قيود، فإن هذه المهمة صعبة وباهظة الثمن. يجب قول الحقيقة: إن مصر لم تنجح حتى الآن في الحرب على الإرهاب، وهذا يثير الأسئلة حول قدرة الجيش المصري، وغياب المعلومات الاستخبارية، وأخطر من ذلك الإهمال وعدم الجدية، على حد تعبيره.
قوة تنظيم الدولة بسيناء
وحول قوة تنظيم الدولة في سيناء أشار ملمان إلى أنه وبحسب تقديرات القوات الأمنية والاستخبارية في إسرائيل، فإن تنظيم الدولة في سيناء يملك بضع مئات من النشطاء المدربين والمسلحين، وعددا مماثلا من المساعدين الذين هم في معظمهم من البدو المحليين.
لقد حقق الجيش المصري في الأشهر الأخيرة منذ الهجوم في كانون الثاني/ يناير 2015 حيث قتل 30 جنديا، الكثير من الإنجازات. فقد نجح في فرض الهدوء النسبي على باقي أجزاء سيناء، الوسط والجنوب، وحصل على ولاء رؤساء قبائل في هذه المناطق سواء بواسطة تقديم الإغراءات لهم أم بالتهديد بالعقوبات، بحسب ملمان.
تنظيم الدولة يقترب من إسرائيل
من جهته، حذر المحلل العسكري المعروف أليكس فيشمان، من مغبة اقتراب تنظيم الدولة من حدود إسرائيل، مؤكدا أنه إذا لم تنجح مصر في تعطيل تنظيم الدولة ومصادر معيشته في سيناء ولم تنجح في قطع غزة بشكل تام عن سيناء، فإن هذه المشكلة ستصل إلينا، آجلا أم عاجلا.
وقال فيشمان في مقالته لصحيفة "يديعوت"، إن الأنباء التي تدفقت من ساحة المعارك أفادت بسيطرة رجال داعش على آليات ثقيلة تعود للجيش المصري، بما فيها دبابة واحدة على الأقل، مضيفا أنه وفي آب/ أغسطس 2012 أيضا بدأ هذا بالإرهابيين السلفيين الذين ذبحوا 16 شرطيا مصريا وسيطروا على شاحنة ومجنزرة عسكرية، وعندها اقتحموا الحدود وتسللوا بضعة كيلو مترات داخل الأراضي الإسرائيلية، وبمعجزة فقط صُدّوا قبل أن يتمكنوا من تنفيذ عملية تفجيرية في كرم سالم.
وأشار إلى أن من فتح الهجوم أمس هم ذات السلفيين، معظمهم مصريون من سكان سيناء. في 2012 عملوا برعاية الجهاد العالمي تحت اسم "أنصار بيت المقدس"، ولكن في السنة الأخيرة "غيروا الملكية" وأمس باتوا يعملون برعاية "داعش- فرع سيناء".
وشدد فيشمان على أن انتقال السلفيين في سيناء إلى العمل تحت علم تنظيم الدولة يجعل هذا التهديد الكامن، الواقع على حدود إسرائيل الجنوبية، أكثر دراماتيكية بكثير. فالفارق يمكن أن نراه في الأفلام التي ينشرها الإرهابيون انفسهم في الأشهر الأخيرة: فإذا كان ممكنا قبل نصف سنة رؤية لابسي الجلابيب يحملون الكلاشينات – وهو شيء يذكر بعصابات البدو المسلحين – فإنهم يظهرون اليوم ببزات رسمية مع رتب وستر واقية وعتاد عسكري متقدم للغاية.
وأشار فيشمان إلى أن الاستراتيجية التي انتهجها نظام السيسي حيال السلفيين في سيناء، وعزلهم عن السكان المدنيين كي يلفظهم هؤلاء، فشلت، ولذلك فإن داعش ستصل إلينا، آجلا أم عاجلا.
استراتيجية جديدة
ومن وجهة نظر محلل الشؤون العربية لصحيفة "هآرتس" تسفي برئيل، فإن المشكلة لا تقف عند حدود سيناء فقط؛ لأن التنظيمات الإرهابية لا تكتفي بسيناء، فهي تعمل أيضا في المدن، واتبعت استراتيجية جديدة تقوم على توسيع رقعة الجغرافيا والأهداف.
وقال برئيل إن تقديرات الجهات الأمنية المصرية تشير إلى وجود مليوني قطعة سلاح غير قانونية في مصر، بعض منها استخدم في قتل نحو 500 شرطي مصري منذ عام 2013.
ونوه إلى أن معظم هذا السلاح موجود في سيناء وبعضه في القاهرة ومدن أخرى.
وتابع بأن الجيش المصري اعتقد في البداية أنه قادر على مواجهة هذه المنظمات من خلال استراتيجية محاصرة مصادر التمويل والتسليح والمطاردة في بؤر في سيناء والصحراء الغربية. وقد أخلى الجيش في سيناء أكثر من ألفي منزل على طول الحدود مع غزة، ووسع المنطقة "المعقمة" بين غزة وسيناء، وتم وضع أجهزة إلكترونية متقدمة على طول الحدود، وتم تدمير أغلبية الأنفاق وإغلاق معبر رفح (الذي فتح فقط مؤخرا).
واستدرك برئيل بالقول، إن هذه الخطوات الاستباقية لا تعتبر بديلا للمطاردة الميدانية، وهنا تكمن الصعوبة التكتيكية للجيش الذي حصل على الإذن من إسرائيل لخرق اتفاق كامب ديفيد واستخدام الطائرات العسكرية. لكن الجيش يجد صعوبة في الكشف عن المغارات والأكواخ التي يختبئ فيها نشطاء التنظيمات في سيناء.
ومقابل الاستراتيجية المصرية قامت التنظيمات الإرهابية بتطوير استراتيجية خاصة بها تستند إلى توسيع ساحة النشاط، سواء من الناحية الجغرافية أم من ناحية الأهداف.. في السابق تركزت في سيناء ضد رجال الجيش والشرطة، وفي العام الأخير فهم يعملون ضد الأماكن السياحية في الأقصر، ويزرعون العبوات الناسفة في محطات القطار في القاهرة، ويفجرون السيارات المفخخة في المراكز السكانية ولا يترددون في التعرض للشخصيات الرسمية والعامة، وفقا لبرئيل.
وأكد أن هذه الاستراتيجية تشير إلى أن التنظيمات نجحت في بناء قاعدة لوجستية داخل المدن، تُمكنها من تجاوز المخابرات المصرية. صحيح أن مصر اعتبرت الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، واعتقلت معظم قيادتها السياسية، وبعضهم، مثل الرئيس السابق مرسي، حُكم عليهم بالإعدام، إلا أن هؤلاء هم "المشبوهون العاديون".
وأضاف برئيل أن العقوبة الصعبة والمطاردة لم تضائل من نسبة العمليات ومحاولات تنفيذ العمليات. ففي حين أنه توجد للإخوان قيادة معروفة، وتعمل بشكل هرمي يمكن تحديده بسهولة، فإن منظمات الإرهاب مثل "أنصار بيت المقدس" تعمل بشكل مستقل وبدون تنسيق. وليس هناك لهذه المنظمات الجديدة قيادة روحية معروفة وموحدة كما كان في الثمانينيات والتسعينيات.