وسط استعار دوي انفجارات الصواريخ والقذائف المتساقطة من بطن طائرات الـ15 F والـ16F في مناطق مختلفة من
اليمن، يبحث (م. ع. أ. المخلافي)، عن كيس قمح ينقذ به أسرته المكونة من 12 فرداً، بينهم والدته الطاعنة في السن.
بين عشية وضحاها انضمت أسرة محمد، وهو مدرس بمدينة تعز (256 كم جنوب العاصمة صنعاء)، إلى عداد الأسر اليمنية النازحة جراء تفاقم الصراع الداخلي المسلح على السلطة.
وطبقا لبيان صحفي صدر في السادس من نيسان/ أبريل الجاري عن منظمة اليونيسيف فإن "100 ألف يمني من مختلف أرجاء البلاد غادروا منازلهم بحثاً عن الأمان".
وتتفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن، بشكل مطرد، منذ اندلعت الحرب الأهلية في 19 آذار/ مارس الماضي، إثر اجتياح جماعة الحوثي مدعومة بقوات من الجيش التابع للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، مدينة عدن الجنوبية، التي اتخذها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مقرا جديدا له لإدارة شئون البلاد منذ 21 شباط/ فبراير الماضي، عقب انقلاب
الحوثيين على سلطاته الرئاسية وسلطات حكومته التنفيذية.
وتضاعفت الأزمة أكثر عقب دخول حلف عربي مشكل من عشر دول بقيادة السعودية على خط المعركة في 26 آذار/ مارس الماضي، عبر شن غارات جوية على مواقع عسكرية تابعة لقوات صالح والحوثيين المدعومين من إيران، وذلك ضمن عملية عسكرية أطلق عليها أسم "عاصفة الحزم".
• خسائر اقتصادية
وطبقا لتقديرات قدمها مؤخراً "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي" اليمني تجاوز إجمالي الخسائر الاقتصادية لليمن المليار دولار، خلال أول أسبوعين من الحرب، دون حساب الخسائر في الجانب العسكري. كما جاء في بيان صحفي صدر عن المركز في السادس من شهر نيسان/ أبريل الجاري، فيما تحدثت منظمات أخرى تتبع الحوثيين عن خسائر وصلت إلى 20 مليار دولار.
ويتجاوز معدل الفقر في اليمن نسبة الـ60% لمن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، في دولة تعد من أفقر بلدان الشرق الأوسط، وظلت طوال السنوات الخمس الأخيرة تتأرجح بين كومة أزمات ثلاثية متداخلة: سياسية واقتصادية وأمنية.
وترى منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة أن سوء التغذية المزمنة في اليمن، والتي تطال نحو 48% من السكان في 2014، من شأنه أن يزيد من صعوبة الوضع ومأساويته.
وتأتي الحرب الأخيرة لتضاعف من حجم المعاناة، خالقة أزمة إنسانية هي الأقوى والأكبر، وربما الأخطر، التي تمر بها البلاد منذ سنوات كثيرة، بحسب اقتصاديين.
وتوقع مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن يزيد عدد المواطنين اليمنيين الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة إلى أكثر من 12 مليون مواطن. وهو رقم يتجاوز نصف عدد سكان اليمن البالغ عددهم تقريبا 25 مليون (23 مليون نسمة في آخر تعداد سكاني عام 2004).
ويقول مصطفى نصر، مدير المركز لـ"عربي 21" إن الاقتصاد اليمني ونتيجة للصراع الداخلي المسلح والتدخل الخارجي العسكري أصيب بحالة ركود شبه كلي، موضحا أنه وخلال الأسبوع الثاني من الضربات الجوية لدول التحالف تضررت عدد من المنشآت الاقتصادية، وانعدمت العملة الصعبة في السوق اليمنية، وتوقفت الموانئ البحرية والجوية عن استيراد وتصدير السلع والمنتجات من وإلى اليمن.
• النفط والغذاء.. أزمات غير مسبوقة
وتصدرت أزمة انعدام المشتقات النفطية في البلاد، واجهة الأزمة الاقتصادية، كما أدت الأحداث العسكرية إلى اختفاء السلع الأساسية في البلاد، وارتفعت أسعارها في السوق السوداء إلى معدلات غير مسبوقة.
ويؤكد سامي نعمان، وهو صحفي يمني لـ"عربي21" أن سعر لتر البنزين تجاوز في معظم المناطق اليمنية الخمسة دولارات في السوق السوداء، بدلا عن السعر الرسمي الحكومي المثبت عند (1.5) دولار فقط للتر الواحد. وبيعت الدبة البنزين (20 لتر) بـ(100) دولار وأكثر، بدلا عن السعر الرسمي الحكومي بـ(14) دولار فقط. ومع ذلك فيعتبر سعيد الحظ من يحصل على دبة بنزين.
وأغلقت أكثر من 95% تقريبا من المحطات التي تزود بالوقود نتيجة انعدامه، فيما اُتهمت جماعة الحوثي والقوات التابعة للرئيس السابق بمصادرة مادتي البنزين والديزل من الأسواق واستحواذها على ما تبقى منها لمصلحتها كوقود للحرب.
وفي موازاة ذلك أيضاً شهدت المواد الغذائية الأساسية انعداماً تدريجياً ما أدى إلى ارتفاع اسعارها بشكل خيالي في السوق السوداء. بعضها ارتفعت بنحو (4-5) أضعاف أسعارها الرسمية. وتسببت الحرب بإقبال كثيف من المواطنيين على شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية لتخزينها خشية أن تطول فترة الحرب، الأمر الذي تسبب في اختفائها من الأسواق، واحتكار بعض التجار لها تحسبا لمزيد من ارتفاع أسعارها خلال الأيام القادمة إلى مستويات أكبر، مع توقف الإستيراد نتيجة إغلاق الموانئ.
ورُصد في معظم المحافظات ارتفاع كبير لأسعار السلع الأساسية كالقمح والدقيق والسكر، تراوح بين 40-50%، على الأقل. حيث وصل سعر الكيس الدقيق زنة 50 كيلوا إلى 10.000 ريال في بعض المناطق، أي ما يعادل 46.5 دولار مقارنة بـ 24 دولار في السابق.
وأدى إغلاق الموانئ البحرية والجوية اليمنية إلى مفاقمة المعاناة في هذا الجانب، حيث أدى ذلك إلى توقف عملية استيراد المشتقات النفطية والسلع الأساسية من الخارج.
وطبقا لمنظمة "أطباء بلا حدود"، ساعد إغلاق جميع المطارات الدولية في صنعاء وعدن والحديدة، والقيود الصارمة المفروضة على الموانئ البحرية، في إعاقة إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن.
• خصوصية عدن المأساوية.. وتحذيرات دولية
تعيش محافظة عدن (363 كم جنوب العاصمة صنعاء) بشكل خاص وضعاً إقتصادياً وكارثياً أكثر من غيرها من المحافظات بفعل تواصل وتوسع المعارك المسلحة هناك.
وفي حين أعاقت الإشتباكات في عدن المواطنين من الوصول إلى المواد الغذائية الأساسية والدواء لاسيما بعد أن أغلقت المحلات والصيدليات أبوابها نتيجة استمرار القصف العشوائي، فقد عجزت مستشفيات المدينة من استيعاب أعداد الجرحى المتزايد، كما عجزت ثلاجات المستشفيات من استيعاب كافة أعداد القتلى جراء المعارك المتواصلة.
وحذرت منظمات إنسانية وإغاثية وطبية عالمية من أن يؤدي تواصل الصراع المسلح في عدن ومناطق مختلفة أخرى من البلاد إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في حال لم يتم التوصل إلى أتفاق هدنة فوري يؤدي إلى وقف القتال لإيصال المساعدات الإغاثية والإنسانية الأخرى قبل أن تتعقد الحالة أكثر ويصعب معها تقديم تلك المساعدات.
وقالت منظمة اليونيسيف في بيان صحفي في 6 نيسان/ أبريل الجاري إن المستشفيات تعاني من ضغط متزايد لتتمكن من التعامل مع أعداد الحالات الكبيرة في ظل تناقص الإمدادات وتعرُّض العديد من المستشفيات والمرافق الطبية للهجوم.
ومؤخرا ناشد الصليب الأحمر أطراف الحرب في اليمن ضرورة الاتفاق على هدنة فورية لتسهيل توصيل المعونات، فيما أشار مسؤول بالصليب الأحمر إلى أن "الحرب في كل شارع وكل زاوية" في عدن، وقال إن أقل وصف للوضع الإنساني في عدن هو أنه "كارثي".
ويقول سكان عدن إن إمدادات الكهرباء والماء مقطوعة في العديد من المناطق، وتتراكم القمامة في الشوارع وتعجز المستشفيات عن مواجهة تدفق الجرحى.
وبلغ عدد الضحايا، خلال العشرين يوما الأولى من اندلاع وتوسع الصراع المسلح منذ 19 آذار/ مارس الماضي، حوالي 650 قتيلا، وقرابة 2200 جريح، طبقا لمنظمة الصحة العالمية.