قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن قادة من حزب
البعث السابق تسلموا مراكز قيادية في
تنظيم الدولة.
والتقت مراسلة الصحيفة ليز سلاي في سانيلفور التركية مع أبي حمزة، وهو مقاتل من سوريا وافق على الانضمام لتنظيم الدولة، وبدلا من ذلك وجد نفسه تحت قيادة شخصية عراقية غامضة انتقلت إلى سوريا.
ويشير التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21" إلى أنه عندما خالف أبو حمزة أميره
العراقي، وضع تحت الإقامة الجبرية، وحوكم أمام رجل ملثم استمع إلى محاكمته بصمت وكان يسجل الملاحظات. ولم يكتشف أبو حمزة، الذي جاء من ريف سوريا، هوية أميره العراقي الذي كان ينادى باسم مستعار، لكن كانت تقف وراء هذه الأسماء قيادات سابقة في نظام
صدام حسين، بينهم الأمير الملثم الذي عمل في المخابرات العراقية سابقا، ويقدم الآن خدماته لتنظيم الدولة.
وتكشف الصحيفة عن أن شهادة أبي حمزة وغيره ممن عاشوا وعملوا مع تنظيم الدولة خلال السنوات الماضية، تظهر الدور الذي أداه ضباط النظام السابق في إدارة وقيادة تنظيم الدولة.
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من اعتماد التنظيم على المقاتلين الأجانب، إلا أن قيادته لا تزال عراقية، بما في ذلك قادة الأجهزة الأمنية السرية وأمراء التنظيم وقادته الميدانيون.
وتذكر الكاتبة أن هؤلاء جلبوا معهم خبراتهم العسكرية والأمنية وبعض الأجندات وشبكات التهريب، التي طورت في التسعينيات من القرن الماضي؛ لتجنب العقوبات التي فرضت على النظام العراقي بعد غزو الكويت.
وتنقل الصحيفة عن أبي حمزة قوله إن قادة المناطق والأمراء المحليين ينوب عنهم عراقيون بيدهم اتخاذ القرارات المهمة. وكان أبو حمزة قد هرب إلى تركيا بعد شعوره بالخيبة من التنظيم وقادته، ويقول: "كل صناع القرارات عراقيون، والقادة هم ضباط عراقيون يتخذون القرارات التكتيكية كلها، ويخططون للمعارك"، ويضيف: "لكن العراقيين لا يقاتلون، بل يتركون للمقاتلين الأجانب أمر القتال على الجبهات".
وترى سلاي أن الحديث عن المقاتلين الأجانب عادة ما يخفي الصورة الحقيقية للتنظيم، الذي يعد نتاجا لتاريخ العراق القاسي وأمراضه. فالقسوة التي اتسم بها نظام صدام حسين، وحل الجيش العراقي، والمقاومة التي اندلعت بعد غزو البلاد عام 2003، وتهميش السنة والصراع السني الشيعي، هذا كله جزء من تاريخ التنظيم، كما يشير حسن حسن ومايكل ويز، مؤلفا كتاب "داعش: في داخل جيش الإرهاب".
وينقل التقرير عن حسن حسن قوله إن "الكثير من الناس يعتقدون أن تنظيم الدولة هو تنظيم إرهابي، وليس نافعا، ولكنه تنظيم إرهابي وهو عبارة عن تمرد محلي، وهو جزء من العراق". ويعتقد أن قرار اجتثاث البعث، الذي تبناه الحاكم المدني للعراق بول بريمر، وحل الجيش العراقي سببان من أسباب صعود المقاومة الأولى. ففي جرة قلم حرم بريمر 400 ألف موظف في المؤسسة العسكرية من رواتبهم وتقاعدهم، ولكنهم احتفظوا بالسلاح.
وتنقل الصحيفة عن الزميل الباحث في جامعة الدفاع الوطني العقيد جول ربيرن، قوله إن الجيش الأمريكي فشل في السنوات الأولى من الحرب بالاعتراف بالدور الذي أداه قرار حل الجيش العراقي في ولادة المقاومة، وفضل العسكريون الأمريكيون لوم المقاتلين الأجانب.
ويضيف العقيد ومؤلف كتاب "العراق بعد أمريكا" أن الجيش الأمريكي كان يعرف بالدور الذي أداه ضباط البعث في فصائل المقاومة، والدعم التكتيكي الذي قدموه لتنظيم القاعدة الذي ولد منه تنظيم الدولة لاحقا. ويقول العقيد السابق: "كان بإمكاننا التوصل إلى وسائل لمنع التداخل وإكمال عملية عرقنة التمرد، لكن وصفهم بأنهم ليسوا مهمين كان خطأ".
وتوضح سلاي أنه في ظل أبي بكر
البغدادي أصبح قادة البعث السابقون مهمين جدا، وأداة في ولادة التنظيم، الذي كبد الجيش العراقي المدرب أمريكيا هزيمة نكراء، وأدى بالضرورة إلى عودة الأمريكيين مرة أخرى إلى العراق.
وتجد الكاتبة إن عقيدة البعث العلمانية وتنظيم الدولة وعقيدته المتشددة دينيا تبدوان متناقضتين، ولكنهما تتداخلان في الكثير من الملامح. فالقسوة التي طبعت حكم صدام حسين هي ذاتها وأكثر التي تطبع ممارسات تنظيم الدولة. ومثل تنظيم الدولة يرى حزب البعث العراقي في ذاته عقيدة عابرة للحدود، ولديه فروع في معظم أنحاء العالم العربي.
وتلفت الصحيفة إلى الميول الدينية التي طبعت نظام صدام في سنواته الأخيرة، أي قبل غزو عام 2003، والحملة الإيمانية عام 1994، وهو ما أثر على تحول البعث من عقيده علمانية إلى إسلامية. ففي هذه الفترة تم العمل بأحكام الشريعة، وأضيفت عبارة "الله أكبر" إلى العلم العراقي. وبدأ بعثيون سابقون بالتحول نحو السلفية، وتوقفوا عن شرب الخمر، وأصبحوا أكثر التزاما بالشعائر الدينية.
ويورد التقرير أنه في العامين الأخيرين من حكم صدام تمت مداهمة بيوت الدعارة، وهي الممارسات التي قام بها "فدائيو صدام". ويقول حسن إن وحشية تنظيم الدولة تذكر بممارسات "فدائيي صدام". وأصبح بعض البعثيين المتسلفين جنودا في تنظيم القاعدة، الذي أسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي، فيما تم تحول عدد من العراقيين إلى التشدد في "كامب بوكا" جنوب العراق.
وتنقل سلاي عن باحث عراقي قوله إن الزرقاوي أبعد نفسه عن البعثيين؛ لأنه لم يكن يثق بهم. ولم يتحول تجنيد البعثيين إلى استراتيجية إلا في عهد أبي بكر البغدادي، الذي تولى القيادة في عام 2010. وكان من بين المجندين الجدد في تنظيم البغدادي أفراد قاتلوا تنظيم القاعدة عام 2007 إلى جانب الأمريكيين، ولكنهم غيروا مواقعهم. وساعد البغدادي في جهوده لتجنيد البعثيين حملة اجتثاث بعث جديد قادها نوري المالكي، رئيس الوزراء المعزول بعد رحيل الأمريكيين عام 2011.
ويفيد التقرير بأن من بين من الذين طالتهم قرارات المالكي الجنرال حسن الدليمي، الذي جنده الأمريكيون للعمل في قيادة شرطة الرمادي. فبعد شهر من رحيل الأمريكيين عزل من منصبه، وخسر راتبه وتقاعده مع 124 من الضباط السنة. ويقول: "لم تحدث أزمة تنظيم الدولة بالصدفة، بل كانت تراكما للمشكلات التي خلقها الأمريكيون والحكومة العراقية". مشيرا إلى حالة صديق طرد من المخابرات في بغداد، وكافح من أجل توفير لقمة العيش لعائلته. ويعمل الآن وال في دولة البغدادي، "لقد شاهدته عام 2009، وكان يشكو من الفقر، وكان صديقا قديما وقدمت له بعض المال، وكان مرنا فلو أعطاه بعضهم وظيفة وراتبا فلم يكن لينضم إلى تنظيم الدولة". ويضيف: "هناك مئات الآلاف مثله، والرجال الذين يقودون العمليات في تنظيم الدولة كانوا من أفضل الضباط في الجيش العراقي، ولهذا السبب تفوق تنظيم الدولة في الاستخبارات وساحات المعارك".
وتبين الصحيفة أن سياسات المالكي كانت وراء سيطرة تنظيم الدولة على مناطق في العراق، لكن تدفق ضباط البعث للتنظيم، وإحاطة أبي بكر البغدادي نفسه بالعديد منهم منذ عام 2013، كانا وراء توسعه في سوريا والعراق.
وتكشف الكاتبة عن أن من بين الأسماء الذين يقودون التنظيم أبا مسلم التركماني ونائبه أبو أيمن العراقي، وكلاهما كان في الجيش العراقي السابق. ونظرا لخوف القيادة من الاختراقات فهي تحاول عزل نفسها عن المقاتلين الأجانب.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أنه سواء آمن بعضهم بعقيدة تنظيم الدولة أم لا "فهو تحالف تكتيكي"، وهدفه الحقيقي هو إدارة العراق.