نشرت مجلة "نيوزويك" تقريرا لجوناثان بوردر، يقول فيه إن خبيرا عسكريا يرى أن أول محاولة لدحر
تنظيم الدولة ستكون فوضى عنيفة.
ويجد الكاتب أنه بعد مرور عدة أشهر ووصول آلاف المستشارين الأمريكيين إلى
العراق لتدريب الجيش العراقي، فإن الجيش العراقي لا يزال غير جاهز، وستحمل
الميليشيات الشيعية، التي تدعمها
إيران، العبء الأكبر من المعركة لتحرير مناطق سنية في معظمها، ما يثير المخاوف من مذابح طائفية، وحتى لو استطاعت الميليشيات أن تدحر تنظيم الدولة فإن بغداد ليست لديها خطة لإعادة إعمار المنطقة التي ستكون في الغالب قد تحولت إلى ركام.
ويشير التقرير إلى أن هذا هو تقييم الفريق المتقاعد في الجيش الأمريكي جيمس دوبيك، الذي أشرف على تدريب الجيش العراقي في الأشهر الأخيرة من احتلال أمريكا للعراق، الذي دام ثماني سنوات، وأولئك الجنود هم الذين هربوا عندما هجم تنظيم الدولة الصيف الماضي، نازعين زيهم العسكري وتاركين خلفهم معدات عسكرية أمريكية قيمتها ملايين الدولارات. ويقول دوبيك بألم: "نعم كان هؤلاء رجالي".
ويبين بوردر أن دوبيك، مثل بقية الخبراء العسكريين، تابع خلال الأسبوع الماضي بدء قوات مكونة من 30 ألف جندي بهجمة مضادة ضد تنظيم الدولة في
تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين. والهجوم هو مرحلة من مراحل استرجاع الموصل التي هي أكبر مدينة بعد العاصمة، وتعد عاصمة التنظيم في العراق.
ويذكر التقرير أن المستشارين الأمريكيين قاموا على مدى الستة أشهر الماضية بتدريب عدد من الألوية العراقية للمعركة. وفي البداية قال المسؤولون الأمريكيون إن أقرب وقت لبدء المعركة هو في نسان/ أبريل، لكنهم تراجعوا في وقت لاحق، ويأمل دوبيك بألا يبدأوا قبل أن يكونوا جاهزين، حيث أن "محدودية مقدرتهم وإمكانياتهم اللوجستية ستوصلهم إلى الذروة قبل إنهاء عملية الموصل".
وبحسب دوبيك فإن محاولة استعادة تكريت أولا فكرة جيدة، ويقول: "إنها مرحلة إعداد لعملية الموصل.. دعونا نرى كيف يدافع العدو، ولنشاهد كيف نتقدم ضده، ولنعرف كيف يعمل نظام الإمداد والتعويض، وسنقصر مسافة الإمداد بين بغداد والموصل، وستكون مسافة إطلاق عملية الموصل أقصر".
ويستدرك الكاتب بأن ما يقلق دوبيك، الذي يحمل الدكتوراه من جامعة جون هوبكنز، وقضى عاما راهبا كاثوليكيا قبل أن يدخل الجيش عام 1975، أنه في حال تمكنت القوات العراقية من استرجاع تكريت والموصل يجب أن يبقى أحد مسؤولا عن حوالي مليون شخص، هم عدد سكان المدينة، والآن ستسلم هذه الوظيفة إلى حوالي خمسة آلاف شرطي سني هربوا من الموصل ويتم إعادة تأهيليهم في كردستان.
ويلفت التقرير إلى أن دوبيك مرتاب من هذه الجزئية من الخطة، ويقول: "أنا أشك أن هذا العدد سيكون كافيا.. فهذا النهج لم ينجح إلى الآن، وقد تم تجريبه عدة مرات في العراق"، حتى عندما كان هناك 100 ألف جندي أمريكي وقوات جوية وشبكات استخباراتية لدعم الأمن العراقي. ويضيف "لم يكن عناصر الشرطة مدربين أو مسلحين جيدا.. وتم تجريب النهج ذاته في أفغانستان، وقد فشل فشلا ذريعا".
ويرى بوردر أن على العراقيين كسب معركة تكريت أولا، ومنذ صيف العام الماضي حاولوا وفشلوا عدة مرات. والآن تحتشد القوات العراقية لشن هجوم آخر، وقد قام مقاتلو التنظيم بنصب دفاعات قوية، بما في ذلك حواجز إسمنتية عالية وضعت في المداخل التي تم تفخيخها، إلى جانب إعداد السيارات المتفجرة، كما تم تجهيز مواقع مشرفة للمدفعية ومدافع الهاون، ما يجعل من الصعب التقدم. ووصفت ضابطة الاستخبارات السابقة في العراق وأفغانستان جاسيكا لويس ماكفيت، مدينة تكريت بالقنبلة الكبيرة، حيث لا توجد معلومات استخباراتية يمكن الاعتماد عليها، ولا حتى تقدير دقيق لعدد مقاتلي التنظيم فيها.
ويفيد التقرير بأن سجل الجيش العراقي الضعيف دفع عددا من الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا بالتوسع لإخراج التنظيم من تكريت والموصل. ويعمل معها عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين، بينهم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وهو رجل مكروه عند العسكريين الأمريكيين الذين عانوا خلال احتلال العراق من خسائر كبيرة، نتجت عن هجمات ضدهم من الميليشيات الشيعية التي يوجهها سليماني.
ويوضح الكاتب أن التدخل الإيراني خلق وضعا مزعجا لإدارة أوباما، التي تشن غارات جوية ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا منذ شهر آب/ أغسطس الماضي، على نحو جعل أمريكا وإيران تحاربان عدوا مشتركا. ويقول المسؤولون في الإدارة الأمريكية إن الغارات الجوية غير منسقة مع إيران، ولكنهم يعترفون بأن هناك تنسيقا مع القادة العراقيين الذين يتأكدون بدورهم من عدم تضارب ذلك مع الفعل الإيراني والميليشيات الشيعية الموالية لها.
ويورد التقرير أن الميليشيات الشيعية، مثل فيلق بدر وكتائب حزب الله، تشكل ثلثي القوة المؤلفة من 30 ألف مقاتل، وقد تجمعوا بالقرب من تكريت، ويتطلع هؤلاء المقاتلون الشيعة لمحاربة التنظيم الذي يكفرهم ويدعو إلى قتلهم، ولكن وجود مقاتلين شيعة على أرض غالبية سكانها من السنة يثير القلق، بحسب دوبيك والمحللين العسكريين الآخرين.
ويذكر بوردر أنه بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق قامت الميليشيات الشيعية في أكثر من مرة بارتكاب مذابح ضد العراقيين السنة، وتقوم الحكومة العراقية بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي بالتحقيق في آخر المذابح، حيث تتهم الميليشيات الشيعية الموالية للحكومة بارتكاب مذبحة راح ضحيتها 70 سنيا في كانون الثاني/ يناير، عندما طردوا تنظيم الدولة من منطقة شمال شرق بغداد.
وتنقل الصحيفة عن المحلل العسكري في معهد بروكنغز مايكل أوهانلون، قوله: "إن السؤال المهم هو هل يمكن إقناع الميليشيات الشيعية بعدم ارتكاب تطهير عرقي على نطاق واسع خلال محاربتها لتنظيم الدولة، وأن يغادروا بعد تحرير الموصل.. يقلقني هذا الجزء فلا أتوقع أن تقوم الميليشيات الشيعية بتحرير الموصل ثم تغادر".
ويذهب الكاتب إلى أن هناك جانبا آخر يبقى غير واضح في الهجوم العراقي المضاد، وهو دور البيشمركة الكردية. فمنذ أن اجتاح تنظيم الدولة شمال العراق الصيف الماضي قامت قوات البيشمركة المدربة جيدا وتتمتع بقيادة جيدة، بإضعاف تقدم التنظيم نحو مناطق الحكم الذاتي الكردية، وحتى أنها استعادت مناطق سيطر عليها التنظيم خارج حدود الحكم الذاتي، ولكن أي معركة لاستعادة الموصل قد تحتاج حربا دموية من بيت إلى بيت، ولا يبدو قادة البيشمركة متحمسين لتلك المعركة. ولذلك عرضت قيادات البيشمركة القيام بسد طرق الإمداد للتنظيم شمال وغرب الموصل لمنع وصول الإمدادات لمقاتلي التنظيم.
ويقول بوردر إنه إذا ثبتت صعوبة استعادة تكريت فإن دوبيك وغيره من المحللين العسكريين يعتقدون أن أي معركة لاستعادة الموصل ستكون معقدة جدا حتى مع وجود دعم جوي أمريكي، كما يجب على بغداد أن تتوقع أن يقوم التنظيم بشن هجمات في مناطق أخرى من العراق، وذلك لتخفيف ضغط الهجوم المضاد.
ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى ما تقوله جاسيكا ماكفيت بأنه وفي عام 2004 حارب الأمريكيون تنظيم القاعدة للسيطرة على الفلوجة، وهي بلدة أصغر بكثير في محافظة الأنبار، واحتاجوا إلى كتيبتين وشهرين لتأمين المدينة. والفلوجة لا تساوي حيا من أحياء الموصل، وما لم يغادر مقاتلو التنظيم المدينة فإن أي معركة ستحولها إلى أنقاض.