تميزت العمليات الفدائية التي نفذها فلسطينيون ضد
الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في الأيام القليلة الماضية؛ بأنها جاءت من خلال مبادرات فردية، الأمر الذي جعل أجهزة الأمن الإسرائيلية تتخبط إزاء كيفية التعامل معها.
هذا النوع من العمليات؛ دفع المحلل العسكري في القناة العبرية العاشرة "ألون بن دافيد" إلى القول بأن "هكذا عمليات لا يمكن التعامل معها، لأننا نتحدث عن قرار ذاتي يكمن داخل الشخص، وليس من السهل التنبؤ به سلفاً".
القرار الذاتي للقيام برد الفعل على الانتهاكات الإسرائيلية المتلاحقة للمسجد الأقصى، "أوقع المخابرات الإسرائيلية في حالة إرباك وتضليل أمني واستخباري" بحسب الدكتور عدنان أبو عامر أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشأن الإسرائيلي.
وأوضح أبو عامر في حديثه لـ"عربي21" أن هذه الحالة من الإرباك تتسبب في "شل قدرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على وضع يدها على الشبكات المسلحة، لأن من ينفذ العمليات لا يُعرف من هو، ولا إلى أي تنظيم ينتمي"، مشيراً إلى عدم قدرة الاحتلال على توقع تلك العمليات "التي تنوعت بين الدهس، والطعن، وإطلاق النار".
ورفض أبو عامر وصف العمليات الفردية بأنها تتسبب في وقوع حالة من الفوضى، مؤكداً أنها تهدف إلى "الثأر من العصابات الإسرائيلية، وليس من مهامها إحداث الفوضى".
من جانبه؛ أكد أستاذ الاعلام بالجامعات الفلسطينية، الدكتور نشأت الأقطش، أن العمليات الفردية هي "أشد خطراً على الاحتلال من العمل الجماعي المنظم".
وأضاف أن العمليات الفردية تقوم على "تخطيط وتنفيذ آني، ولا يوجد لها خطوط، وبالتالي يصعب على الاحتلال وقفها"، مشيراً إلى أن إسرائيل وضعت الفلسطينيين بلا خيار آخر غير
المقاومة، "وعليها ان تتوقع الكثير من ذلك".
طبيعة الصراع
وكانت كتائب "أبو علي مصطفى" الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قد تبنت عملية
القدس التي نفذها الشهيدان غسان محمد أبو الجمل (27 عاماً) وابن عمه عدي عبد أبو الجمل (22 عاما)، واستهدفت كنيساً يهودياً في القدس المحتلة، والتي أسفرت عن مقتل خمسة إسرائيليين وجرح ثمانية.
وبحسب مراقبين؛ فإن إعلان الكتائب التابعة للجبهة الشعبية تبنيها للعملية أعادت إلى الواجهة تساؤلات حول طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لما للقدس المحتلة من مكانة دينية لدى الشعوب العربية والإسلامية، خصوصاً أن الجبهة الشعبية لا تحمل في أجنداتها أي أيديولوجية دينية.
عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية كايد الغول، قال لـ"عربي21" إن لا أحد يريد أن يتحول الصراع في القدس المحتلة إلى صراع ديني، مطالباً الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته وأيديولوجياته بـ"الدفاع عن حقوقه ومقدساته".
وأضاف أن "إسرائيل لم تتوان عن إعطاء الصراع في القدس صبغة دينية"، مشيراً إلى أن "الاحتلال طرح العديد من القوانين التي تؤكد أن القدس المحتلة جزء من الدولة القومية لليهود".
وشدد على أهمية الوحدة الوطنية في الوصول إلى التحرر الكامل، معتبراً أن "الكل الفلسطيني مستهدف، وعليه التوحد للحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية".
وأشاد الغول بالعمليات الفردية التي قال إنها "تعبر عن حالة النهوض المتنامية في القدس والضفة الغربية"، مؤكداً أنْ "لا تعارض بين أعمال المقاومة الفردية، وتلك التي تقوم بها فصائل المقاومة".
القدس تعني الجميع
من جانبه؛ علق الدكتور عدنان أبو عامر على إعلان كتائب "أبو علي مصطفى" مسؤوليتها عن العملية؛ بالقول إن الاحتلال يستهدف "القدس التي هي ملك الكل الفلسطيني، لذلك ليس بالضرورة أن يكون منفذو العمليات ذوي قناعات أيديولوجية معينة، ويكفي أنهم فلسطينيون يشعرون بأن حقوقهم تنتهك".
ونفى وجود "بوادر جادة لحرب دينية"، مستدركاً أن الانتهاكات الإسرائيلية التي تستهدف المقدسات الإسلامية بشكل أساسي من شأنها أن "تدخل الطرفين في حرب دينية".
أما الدكتور نشأت الأقطش؛ فمال إلى أن "صراع الفلسطينيين ضد الاحتلال هو صراع ديني بامتياز منذ وجود الكيان الإسرائيلي"، مبيناً أن ملامح هذا الصراع "بدأت تتكشف الآن".
وأضاف: "عندما تقع الواقعة، ويدنس المسجد الأقصى؛ سيتحرك اليساري قبل الحمساوي، وابن فتح قبل ابن الجهاد الاسلامي، لأن القدس تعني الجميع".