لم يسبق أن دُرس المجتمع السوري بشكل علمي؛ لا قبل
الثورة ولا بعدها. فلا يمكن لباحث أن يتحرك بحرية، سواء لإجراء مقابلات فردية أو استطلاعات رأي. وحتى الإحصاءات العامة التي ظلت تجريها الدولة، يوجد تشكيك كبير فيها؛ سواء ما تعلق بتعداد السكان وتوزيعهم على المحافظات، أو تلك الخاصة بالاقتصاد والمالية العامة.
بعد الثورة، فتحت نافذة مهمة؛ من خلال دراسة اللاجئين والمهجرين الذين يشكلون نسبة كبيرة من السوريين، توزعوا بين تركيا والأردن ولبنان. وإذا كانت أكثرية المهجرين من المعارضين، إلا أن لبنان تحديدا توجد فيه نسبة كبيرة من الموالين للنظام.
قبيل "الانتخابات" الرئاسية، تمكن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، من خلال فريق أداره الدكتور محمد المصري الذي يعد من أبرز خبراء الرأي العام في المنطقة، من إجراء أول استطلاع علمي، لا يكشف فقط رأي اللاجئين السوريين من آخر فصول المأساة المتمثلة في انتخابات البراميل المتفجرة، بل أيضا آراءهم قبل الثورة وتطورها وتغيرها بعد اندلاعها سلما وتسلحا. ومع أني واحد من المشتغلين بالملف السوري قبل الثورة وبعدها، فقد كانت النتائج مفاجئة لي. ليس لأن 78% من المستطلعة آراؤهم يرون أن ما يجري ليس انتخابات، وأنها تفتقر للشرعية، بل بسبب زيادة من يؤيدون الثورة بعد الكلفة التي يمكن تخيلها، وهو ما يخالف التوقعات.
يدهشنا السوريون بشجاعتهم وصبرهم وصمودهم. فالدراسة تُظهر أن تأييد الثورة كان في حدود 52% في بدايتها، وارتفعت هذه النسبة إلى 60% بعد ثلاث سنوات. فيما انخفضت نسبة من كانوا يعتبرون أنفسهم أقرب إلى النظام من 19% إلى 13%. يوازي ذلك انتقال المحايدين إلى معارضين، بانخفاض نسبة المحايدين من 28% في بداية الثورة إلى 15% الآن. أي أن الناس لم تكن تتوقع أن النظام بهذا السوء، ومنهم من كان يتوهم أن بشار محاط بحرس قديم وقادر على الإصلاح. كما كان لدى الناس ما تحافظ عليه وتخشى أن تخسره، فاكتشفت أن النظام بعنفه الأعمى لا يميز بين الثائر والمحايد، وحتى المؤيد.
وما يثير الدهشة أكثر أن نصف العينة تؤيد خيار الدولة المدنية، في مقابل نسبة 30% من مؤيدي الدولة الدينية، و18% ممن لا فرق لديهم. وهو ما يشرع نوافذ الأمل بالمستقبل.
ولعل السؤال الأهم الذي تجيب عليه الدراسة هو موضوع التسلح. فقد طُرحت عبارتان على المستجيبين ليختاروا العبارة الأقرب إلى وجهة نظرهم؛ الأولى: "إنّ استخدام القتل والعنف من قبل النظام أدّى إلى أن يحمل الناس السلاح دفاعا عن أنفسهم". والثانية: "إنّ المحتجين في سورية استنتجوا/ توصلوا إلى اقتناع بأنه لا يمكن إسقاط النظام من دون العمل المسلح". وقد أظهرت النتائج أنّ ثلثي المستجيبين (67%) اختاروا العبارة الأولى، في حين أنّ 20% اختاروا العبارة الثانية، وعبّر 10% من المستجيبين عن عدم اتفاقهم مع العبارتين.
صورة الدكتاتور واضحة؛ من تعذيب أطفال درعا إلى ضرب أطفال الغوطة بالكيماوي، وصولا إلى براميله التي لم توفر مدينة سورية. وهو في "رقصة الحرب"، حسب تسمية "فايننشال تايمز" للانتخابات، لا يضيف جديدا لهذه الصورة.