في مصر لم يتجاوز الأمر حدود فرض غرامة 500 جنيه على من يمتنعون عن التصويت في انتخابات الرئاسة، وبالطبع معطوفا على حملة إعلامية شرسة، وتذاكر مجانية، ويوم تصويت إضافي، إلى غير ما هنالك من وسائل استخدمت لرفع نسبة التصويت، لكن الوضع في سوريا لا يبدو كذلك في زفة
تتويج بشار
الأسد رئيسا ديمقراطيا على سوريا!!
يطيب لنا هنا، ربما من أجل التنغيص على الشبيحة المنبثين في كل مكان من هذا العالم العربي (قليلون عددا إذا استثنينا الطائفة الشيعية التي تؤيد غالبيتها بشار مع الأسف تبعا لإيران)، يطيب لنا أن نذكّر القوم بأن بشار هو عبارة عن ملك وليس رئيسا، فقد جاء إلى السلطة كما يأتي أبناء الملوك، وليس الرؤساء، وكل ما احتاجته اللعبة هو قيام المؤسسة الأمنية الراسخة، والتي تسيطر عليها الطائفة العلوية، بجمع ما يسمى مجلس الشعب كي يصوت في 5 دقائق على تغيير الدستور لكي ينطبق على الرئيس الملهم، وذلك بعد أن قدر الله أن يقبض شقيقه المعد للمهمة من قبل القائد (الوالد) الذي كانت صوره وتماثيله تزين الشوارع من أقصى البلاد إلى أقصاها، مشفوعة بعبارة "إلى الأبد يا حافظ الأسد". هل ثمة سخف في الكون أكثر من هذا السخف؟!
في انتخابات السوريين في الخارج تابعنا قدرا كبيرا مما يثير السخرية والازدراء، فقد علمنا أن بيروت قد دخلت في زحام خانق يوم الأربعاء؛ حين كانت شاحنات حزب الله تنقل العمال السوريين إلى الصندوق الوحيد المتاح للتصويت قي السفارة السورية، وبالطبع تحت طائلة التهديد، إذ من يجرؤ من أولئك العمال الغلابى على مخالفة أوامر من يحكمون البلد عمليا؟! كما أخبرتنا وكالة فارس الإيرانية أن الجالية السورية في طهران (كانت المرة الأولى التي أسمع شخصيا عن جالية سوريا في إيران، لأن إيران لا ترحب بالغرباء، وقد سمعنا على هذا الصعيد كلاما مرا من عراقيين شيعة ممن رحّلهم صدام بعد الحرب العراقية الإيرانية)، أخبرتنا أن تلك الجالية قد أقبلت على التصويت بكثافة في السفارة السورية هناك!! واكتملت دائرة السخرية حين أعلنت وكالة سانا الرسمية السورية أن المطارات تعد أماكن للتصويت بالنسبة للمغتربين، أعني المطارات السورية، ما يعني أن على كل قادم أو مغادر مِنْ وإلى سوريا أن يصوت؛ وبالطبع لبشار، مع أن ذلك ليس مهما، لأن النتيجة ستحدد بناءً على رغبة المعنيين، فيما يعلم الجميع أن الدولة الوحيدة في العالم التي يمعن فيها المرشحان المنافسان للرئيس (المرشح) مدحا فيه هي سوريا، إذ من عادة المرشح المنافس أن ينتقد منافسه، لا أن يمدحه، ويمدح عظمة أبيه من قبله!!!
يوم الثلاثاء 3/6 (بعد غد) ستتواصل الزفة، وهو موعد الانتخابات، وهنا تحديدا ستكون هناك انتخابات بالفعل في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وهي عمليا أكثر المدن الرئيسة باستثناء حلب والرقة، فيما تخضع مناطق كثيرة من الأرياف لسلطة الفصائل المقاتلة.
في سوريا لا يوجد مراقبون دوليون، لأن ذلك يمسُّ السيادة (التفتيش الدولي على الكيماوي لا يمسُّها بحال!!)، وربما يكون هناك مراقبون من إيران، أو روسيا (حزب الله لديه مقاتلون وليست مراقبة الانتخابات من مهماته!!)، والنتيجة أن الأرقام والنسب تقرر في الأروقة الأمنية، وليس في لجان الانتخابات والعد والفرز، لكن ذهاب الناس إلى الصناديق سيكون مهما للإيحاء بأن البلد يعيش وضعا عاديا، وأقله شبه عادي، وأن الشعب يحب القائد، ويلتف من حوله، ولولا ذلك لما تمكن من الصمود (لا قيمة هنا لسيل من تصريحات القادة الإيرانيين التي تؤكد أنه لولا إيران لما كان بوسعه الصمود، كما في تصريح مساعد محمد جواد ظريف (عبداللهيان) قبل أيام).
في ضوء ذلك، من يجرؤ على تحدي الإرادة الأمنية بعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع في مناطق سيطرة النظام؟!لاسيما أن الثمن لن يكون بالليرات السورية، بل بالرصاص والقتل، وأقله الاعتقال، وإذا ذهب المعني، حتى وهو يعرف أن صوته بلا قيمة، فإن أحدا لن يجرؤ على كتابة اسم آخر غير اسم الرئيس الملهم.
وحدهم الموتورون والطائفيون والحزبيون من أنصار بشار هم من يمكنهم الزعم بأن الشعب السوري، أو حتى نصفه يريد بشار رئيسا، ففي ظل انفجار الهويات القومية والدينية (والسلوك الطائفي المفضوح من تحالف إيران)، يغدو من العبث الحديث عن تأييد الغالبية السنيّة لذلك الكائن، إن كان قبل المجازر أم بعدها، ولا قيمة هنا لحكاية الفصائل والتشدد، لأن السنّة يقبلون بهتلر، ولا يقبلون ببشار وعسكره وأمنه.
أيا يكن الأمر، فهي مهزلة ستمر كأنها لم تكن، وهي لا تؤثر بحال على مجرى الصراع في سوريا الذي بات واضحا أنه حرب استنزاف ستدفع إيران ثمنها الأكبر (طبعا بعد سوريا شعبا ووطنا)، وستواصل الدفع حتى تقتنع بأن عليها أن تتجرع كأس السمِّ وتمرر تسوية يرضى بها السوريون. متى سيحدث ذلك؟ لا ندري.