منذ شهر و"الماء والملح" هو ما يدخل جوف عشرات
الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، في خطوة رافضة للاعتقال الإداري الذي يبقي الأسير رهن الاعتقال والتمديد دون تهمة محددة.
كيف يستطيع الأسرى تنفيذ
الإضراب؟ وما هي عوامل نجاحه؟
وكيف تعمل إدارة
السجون الإسرائيلية على إفشاله؟
أسئلة نقلتها "عربي 21" لأسرى محررين للوقوف على خلفيات إضرابات الأسرى الفلسطينيين.
الأسير المحرر مفيد جلغوم عرف الإضراب عن الطعام في حديث مع "عربي21" بأنه الامتناع الكلي عن تناول الطعام لفترة محددة، وفي الحالة الفلسطينية الحالية هو إضراب مفتوح عن الطعام، أي الامتناع التام عن تناول الطعام دون تحديد لفترة زمنية، أما السوائل فيسمح بشرب الماء فقط، وهذا يعني أن شرب الحليب والعصير والشوربات غير مسموح به خلال فترة الإضراب، أما مادة الملح فإنه يتم تناولها بقدر يسير فقط كل يوم (عدة غرامات) لمنع تعفن الأمعاء.
وأشار الأسير المحرر خضر عدنان، وهو أول من أضرب عن الطعام بشكل فردي رفضا للاعتقال الإداري، في حديث مع "عربي21"، أن الاضراب عن الطعام ككل ليس سهلا ومراحله صعبة، فالأيام الأولى تكون شديدة على الأسير لأن ترك الطعام في البداية يكون قاسيا ويرافقه صداع شديد، وبعدها الاستفراغ المستمر، وأيضا هناك فترة لا تتقبل فيها المعدة المياه، بالإضافة الى آلام المفاصل.
التحضير للإضراب
وقال جلغوم، وهو محاضر في جامعة القدس المفتوحة، إنه يتم التحضير للإضراب نفسياً لتهيئة الأسرى لمعركة صعبة وقاسية وهي معركة الأمعاء الخاوية والتي ليس لها فترة زمنية محددة، هذا هو التحضير النفسي، أما التحضير الجسدي فيكون بالتوقف عن الرياضة وتوفير كامل السعرات الحرارية والتعرف على حالات المرض لدى الأسرى لاستثنائها من الإضراب.
وهناك التحضير التنظيمي من خلال تشكيل لجنة من الأسرى لقيادة الإضراب، عليها تحديد البداية والنهاية للإضراب وما بينهما من مفاوضات مع إدارة السجون لتحقيق أهداف الإضراب.
بدوره يشير عدنان إلى أن الاستعداد للإضراب يبدأ بعرض إنجازات الإضراب، والوضع الصحي للأسرى المضربين سابقا، وقابلية إدارة السجن، ويتأكد الأسير من صحة عظامه، كل هذا يشكل حافزا ودافعا للدخول في إضراب عن الطعام، كما يدخل بعض الأسرى في إضراب فوري عن الطعام في حال الاعتقال الإداري، ويمكن أن يحصل إضراب جماعي في السجن أو من خلال بيان يصدر من حركة الأسير، ومن كل تنظيم وكل جماعة وكل قسم في السجن، لشد الهممم ولرفع المعنويات والتنويه الى أن هناك معركة ينفذها الأسرى".
أما الأسير المحرر محمد طبيش، والذي خاض إضرابا عن الطعام لمدة 85 يوما دعما لشقيقه أيمن، قال في حديث مع "عربي21" أن تهيئة الأسير للإضراب لا تكون في وقت قصير، فالإضرابات العامة والجماعية يتم إعدادها قبل موعدها بأشهر، ويسبقها تدريبات ودروس من الأسرى الذين لهم خبرة، وإذا كان الإضراب فرديا لا يتجاوز التخطيط له يومين أو ثلاثة.
مطالب الإضراب
تتعدد مطالب المضربين عن الطعام من إضراب لآخر بحسب ما قاله الأسرى المحررون الذين قابلتهم "عربي21".
جلغوم، قال إن المطالب حسب حاجات وأولويات الأسرى، ولكنها عادة ما تكون أكثر من مطلب بغية تحقيق أكبر عدد من المطالب أو بعضها من خلال إضراب واحد، فمثلاً الإضرابات الأولى للأسرى بداية السبعينات تركزت على الحق بالزيارة والرسائل وإدخال الأوراق والأقلام، وفي الثمانينيات تركزت حول الحصول على راديو وتلفزيون وتقليل الاكتظاظ، أما الإضراب الأخير عام 2012 فتمحور حول إنهاء حالات العزل والاعتقال الإداري والمحطات التلفزيونية والتعليم، وأخيرا الإضراب الحالي 2014 فيتركز حول إنهاء سياسة الاعتقال الإداري.
"الإضراب يستخدم كوسيلة من أجل الحرية"، يقول عدنان، ويضيف "في السابق كان من أجل تحسين مطالب الحياة والمعيشة داخل الأسر، اليوم يستخدم كوسيلة نظامية من أجل الحرية".
نفسية المضربين عن الطعام
وحول طبيعة الروح المعنوية للأسير المضرب عن الطعام، قال جلغوم إنه "بمجرد إعلان الأسير خوضه الإضراب عن الطعام تتفجر بداخله طاقات جبارة من القوة والعزة والكرامة، من خلالها يصبح موقعه أقوى من إدارة السجون، فهذا سلاح يحمله الأسير بداخله وينتصر به على سجانه تحت شعار (بالجوع ننتصر). فرغم حالة الضعف الجسدي التي تظهر على الأسير المضرب عن الطعام إلا ان عناصر الضعف تتحول الى قوة مثلاً: لا يقف للعدد أمام الجنود، لا يهاب الزنازين، لا يتحرك من أجل التفتيش، لا يخاف العقاب كالمنع من الزيارة أو إرسال أو تلقي الرسائل، وعليه فالأسير ضعيف جسدياً، لكنه قوي الإرادة".
وأشار عدنان، أن الأسير "يزداد شعوره بالتعالي على المحتل، ويشعر بالانتصار في الأيام الأولى من الإضراب، ويشعر بمدى إرباك مصلحة السجون في التعامل معه، ولكن يبقى حزينا وخائفا على ذويه، هذه النقطة تشغله أكثر من الخوف على حياته".
أما طبيش، فقال إن نفسية الأسير "تكون متعبة بشكل كبير لكن المعنويات دائما تكون حليفة الأسير المضرب، ومهما فعلت إدارات السجون فالأسير المضرب يشعر بأنه أعلى منها، ويشعر بأن كل أساليبهم لا تؤثر عليه ولا تحد من عزيمته وإرادته".
تعامل مصلحة السجون مع الإضراب
وعدد جلغوم طرق تعامل إدارة مصلحة السجون مع الأسرى المضربين، وتتباين ما بين إخراج الأسرى المضربين عن الطعام من الأقسام لفصلهم عن بقية الأسرى، عزلهم في زنازين إن كان عددهم قليلا، نقلهم إلى أقسام خاصة بالمضربين إن كان عددهم كبيرا، مصادرة جميع أشيائهم الخاصة، منع الرسائل عنهم، منعهم من الزيارة، منع اتصال المحامين بهم، إضافة إلى العقوبات المالية، والضغوطات النفيسة لثنيهم عن الإضراب، والتنقلات من سجن إلى آخر لإتعابهم وتفريقهم.
وأضاف عدنان، أن مصلحة السجون تقوم عادة بعزل المضربين عن الطعام، وفي بعض الأحيان تقوم بنقل الأسير المضرب إلى قسم لا يوجد فيه مضربون ليتم إحراجه وإحراجهم، ونقله من قسم إلى آخر مع أمتعته لإرهاقه وإفقاده الطاقة، ونقله من سجن إلى آخر مما يفقده كربوهيدرات وبروتينات، إضافة إلى إحضار الأسرى المدنيين الإسرائيليين إلى الأقسام لشي البطاطا والخضروات واللحمة أمام الأسرى المضربين، كما تعمل على التضييق على الأسرى في زيارة المحامي والمؤسسات الحقوقية والصحية له.
ويضيف طبيش "مصلحة السجون تواجه المضربين بسياسة شديدة وعنجهية، في البداية تقوم بتفريق الأسرى المضربين بالعزل الانفرادي، بالإضافة الى العقوبات والغرامات ومنع زيارات الأهل ومنع إرسال الرسائل، ونوع آخر من العقوبات وهو تجريد الأسرى المضربين من ملابسهم كاملة، ومصادرة كل أمتعتهم مع ترك رداء واحدا فقط".|
نتائج الإضراب على الأسير
ويصاب الأسير المضرب عن الطعام بأمراض مختلفة، وأوضح جلغوم أنه خلال الإضراب يفقد الأسير كيلو غراما كل يوم من وزنه في الأيام الأولى، وبعد فترة يقل الفقدان إلى نصف كيلو، وفي نهاية الإضراب لا يبقى شيء يخسره لأنه يمسي جلدا على عظم فقط".
كما ينخفض السكر في الدم وينخفض الضغط والنبض، وتظهر أمراض المعدة والأمعاء والأسنان، وبعد أسبوعين لا يقوى على الوقوف فلا يخرج للفورة ولا يقف في الصلاة ويمضي جل وقته ممددا على الفراش".
هل يحقق الأسرى المضربون مطالبهم؟
يرى الأسير المحرر مفيد جلغوم، أن النتائج تختلف من إضراب لآخر، فـ"الإضراب الفاشل هو الذي يتسرب منه الأسرى واحدا تلو الآخر، أما الإضراب الناجح، فهو الإضراب الذي ينتهي بشكل جماعي بعد الاتفاق على وقفه نتيجة تحقق مطالب الإضراب كلها أو أغلبها، والذي يتم عادة صياغته في وثيقة توقع عليها إدارة السجون ولجنة الإضراب ويشهد عليه المحامون".
الأسير المحرر خضر عدنان قال إن بعض الإضرابات حققت نجاحا مثل إخراج الأسرى من العزل الذين قضوا فيه مدة طويلة، أمثال محمود عيسى، عبد لله البرغوثي، وأيضا نتج عن ذلك السماح لأهالي الأسرى بزيارتهم، وكذلك تحسين الحاله الحياتية، ونال بعض الأسرى الذين أضربوا الحرية، أمثال أيمن شراونة وسامر العيساوي وأيمن جرادات وجعفر انجاص وطارق الرجبي".