تمثل قضية التبادل
التجاري بين دول أوروبا والمستوطنات التابعة للاحتلال الإسرائيلي جدلا واسعا، حيث تتراوح
العلاقات التجارية بين هذه الدول والمستوطنات من استيراد المنتجات الزراعية
والتجارية إلى التعاون في المجالات التقنية والصناعة.
ونشر موقع
"
ذي انترسبت"، تقريرا أعده أرثر نيلسن، قال فيه إن
الاتحاد الأوروبي
يقوم بـ "تغيير" القواعد من أجل السماح باستمرار
التبادل التجاري مع
المستوطنات الإسرائيلية.
وأشار نيلسن إلى
قرار محكمة العدل الدولية الذي طلب من الدول وقف دعم
الاحتلال الإسرائيلي، ولكن
ليس في وثيقة داخلية تحتوي على نصيحة قانونية للاتحاد.
وقال نيلسن إن
مسؤول الدائرة القانونية في الممثلية الخارجية للاتحاد الأوروبي، نصح فيها مسؤولي
الممثلية بأن الرأي القانوني من قضاة محكمة العدل الدولية لا يعني أن على دول
الإتحاد الأوروبي منع البضائع القادمة من المستوطنات غير القانونية في الضفة
الغربية.
وعلق خبراء
القانون الدولي أن هذه
النصيحة القانونية تتناقض مع حكم محكمة العدل الدولية الذي يقضي بأن تنهي الدول كل
أشكال الدعم للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي مذكرة من
سبع صفحات، زعم فرانك هوفميستر، مدير الدائرة القانونية، أنه في حين يتطلب القانون
الأوروبي وضع علامات على منتجات المستوطنات، فإن حظر استيرادها وبيعها لا يزال قيد
المناقشة.
وجاء في
النصيحة: "يتطلب قانون الاتحاد الأوروبي وضع علامات تشير إلى أن المواد
الغذائية منشؤها من الضفة الغربية والمستوطنات".
وأضافت نصيحة
هوفميستر أن " الأمر يتعلق بمزيد من التقدير السياسي فيما يتعلق بإعادة النظر
في سياسة الاتحاد الأوروبي المتعلق باستيراد السلع من المستوطنات".
وقد تم إرسال
المشورة القانونية إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب
بوريل في 22 تموز/يوليو 2024، أي بعد ثلاثة أيام من قرار محكمة العدل الدولية بأنه
يتعين على الدول عدم "تقديم المساعدة أو الدعم لمواصلة" الاحتلال
الإسرائيلي غير القانوني.
وأشار التقرير
إلى ما قالته المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة،
فرانشيسكا ألبانيز، لموقع "ذي إنترسبت" إن موقف الاتحاد الأوروبي من رأي
محكمة العدل الدولية "معيب قانونيا ومضر سياسيا ومهدد أخلاقيا".
وقالت: "إن
الاتحاد الأوروبي يتخلى عن مسؤوليته في دعم القانون الدولي. إن لي عنق القواعد من
أجل الملاءمة السياسية يقوض مصداقية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ويخون ثقة
الناس خارج فلسطين".
وقالت ألبانيز
"إن نهج الاتحاد الأوروبي يؤسس أيضا لسابقة خطيرة من خلال النظر لالتزاماته
بموجب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية على أنها اختيارية، خاصة في ظل
الفظائع المستمرة" و"هذا يعني أن الامتثال للقانون الدولي تقديري ويقوض
الثقة في النظام القانوني الدولي".
وقد ردد دانيال
ليفي، المفاوض الإسرائيلي السابق في عملية السلام ورئيس مشروع الولايات
المتحدة/الشرق الأوسط، نفس الانتقادات، واصفا نصيحة هوفميستر بأنها "تفسير
زائف جدا ويمكن دحضه بسهولة".
وقال بيت ستانو، المتحدث الرئيسي باسم الشؤون
الخارجية وشرطة الأمن في المفوضية الأوروبية، في بيان لموقع "ذي
انترسبت"": كقاعدة عامة، لا نعلق على تسريبات الوثائق الداخلية المزعومة".
وعلق خبراء
القانون الدولي في تصريحات للموقع إن تحليل هوفميستر غير صحيح بالنسبة للمنتجات
التي نشأت في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، فإن وضع العلامات المحددة لا
يفي بمتطلبات محكمة العدل الدولية بعدم الاعتراف باحتلال إسرائيل.
وقالت مديرة
مركز حقوق الإنسان في كلية القانون الدولي بجامعة بوستن سوزان أكرم: "كانت
محكمة العدل الدولية واضحة بأنه: يجب وقف كل الدعم والمساعدة مهما كان نوعه ومن كل
الدول إلى المستوطنات، وتقييمي هو أن هذا يقتضي من الإتحاد الأوروبي مراجعة
سياساتها ووقف كل التجارة والتمويل والمساعدة الأخرى والدعم للاحتلال
الإسرائيلي"
وقالت إن موقف
الإتحاد يساوي بطريقة غير صحيحة بين مطلب محكمة العدل بعدم الاعتراف بالاحتلال مع
سياسة الإتحاد الأوروبي العمل مع الشركاء الدوليين باتجاه إحياء العملية
السلمية" وحل الدولتين.
وأضافت: "هذا ليس ما طلبته المحكمة، فقد
ذكرت أن الاحتلال بأكمله غير قانوني ويجب إنهاؤه في أسرع وقت ممكن. وهذا لا يتوقف
على المفاوضات، سواء من أجل حل الدولتين أو غير ذلك".
كما حذر تحليل
هوفميستر الاتحاد الأوروبي من توقع "مزيد من التقاضي أمام المحاكم الوطنية
فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة أو أي شكل آخر من أشكال المساعدة لإسرائيل".
وجاء في التقرير
أن محكمة العدل الدولية هي أعلى هيئة قانونية في العالم تنظر في النزاعات بين
الدول وأحكامها، على الرغم من أنها غير ملزمة، تحمل "ثقلا قانونيا وسلطة
أخلاقية كبيرتين"، وتعتبر المعيار الذهبي في القانون الدولي.
وفي أيلول/
سبتمبر، ردت الجمعية العامة للأمم المتحدة على حكم محكمة العدل الدولية بقولها إن
إسرائيل يجب أن تنهي احتلالها الذي دام 57 عاما في غضون 12 شهرا.
وأشار الموقع
إلى أن هومفيستر مؤلف النصيحة القانونية للاتحاد الأوروبي في بروكسل هو أيضا مدير
مجموعة العمل المعنية بالسياسة الخارجية والأمنية في الحزب الديمقراطي الليبرالي
الحر الألماني، والذي يدعم بقوة حرب إسرائيل في غزة. وقد دعا الحزب الذي كان
هوفميستر يشغل في السابق منصب نائب رئيسه في بروكسل، إلى تجميد المدفوعات
الأوروبية والألمانية للمؤسسات والبرامج الفلسطينية حتى يتم إجراء تدقيق خاص يضمن
عدم استخدام أي أموال "لتمويل الإرهاب الإسلامي".
ولفت الموقع
إلى أن الدول الأوروبية لعبت ومنذ أكثر من 100 عام، لعبت دورا محوريا في دعم
الاستيطان اليهودي في الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. ومنذ
إنشاء إسرائيل في عام 1948 واستيلائها على الأراضي المحتلة في عام 1967، عزز دعمها
التجاري والسياسي السيطرة الإسرائيلية على المنطقة.
وقدم المستثمرون
الأوروبيون بين عام 2020 وأب/أغسطس 2023، ما يقدر بنحو 164.2 مليار دولار من
القروض والضمانات للشركات "المشاركة بنشاط" في المستوطنات الإسرائيلية -
واحتفظوا بـ 144.7 مليار دولار من الأسهم والسندات في نفس الشركات، وذلك حسب
تقديرات تحالف من المجموعات المعارضة للاستثمار الأوروبي في المستوطنات.
وتعتبر أغلب دول
العالم المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غير قانونية بموجب القانون
الدولي. ولكن اليوم يبدو أن مشروع الاستيطان يتسارع، حيث يتم بناء بؤر استيطانية
جديدة في الضفة الغربية والتخطيط لها في قطاع غزة.
وقد أدى التنافر
بين هذه التحركات على خلفية ما يطلق عليه البعض "أول إبادة جماعية يتم بثها
مباشرة على الهواء" دولا مثل أيرلندا إلى إحياء قانون مقترح يحظر التجارة مع
المستوطنات الإسرائيلية والذي تم تعليقه بسبب مخاوف من أنه ينتهك قواعد الاتحاد
الأوروبي.
وفي رسالة صدرت الثلاثاء
بشأن التقدم الذي تحقق في دفع القانون إلى الأمام، حذر نائب رئيس الوزراء
الأيرلندي من أنه إذا فشل الاتحاد الأوروبي في التصرف، فقد تتحرك الدول المستقلة
لمنع التجارة وفقا لمحكمة العدل الدولية.
وكتب نائب رئيس
الوزراء مايكل مارتن، الذي يشغل أيضا منصب وزير خارجية أيرلندا قائلا:
"التجارة هي اختصاص حصري للاتحاد الأوروبي، وبالتالي كان تركيز الحكومة منصبا
على تحقيق العمل على مستوى الاتحاد الأوروبي" و"قد دعوت لاستمرار
الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة شاملة للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في ضوء
الرأي الاستشاري.
وأوضح المدعي
العام أنه إذا لم يكن ذلك ممكنا، فهناك مبررات في قانون الاتحاد الأوروبي تسمح
للدول باتخاذ إجراءات على المستوى الوطني".
كما نصحت حكومة
النرويج شركاتها في 17 تشرين الأول/ أكتوبر تجنب التجارة التي تعزز وجود "إسرائيل" في الأراضي المحتلة.
وفي اليوم نفسه،
وجهت مجموعة من 30 عضوا من البرلمان الأوروبي، تمثل أحزابا مختلفة سؤالا مكتوبا
إلى المفوضية الأوروبية تسأل فيه إن كانت ستفي "بالتزاماتها كما ينص القانون
الدولي وتحظر بشكل عاجل كل التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية غير
القانونية"، في أعقاب حكم محكمة العدل الدولية.
وفي العام
الماضي دعا هومفيستر الدول الأعضاء الإلتزام بقرارات محكمة المتعلقة بروسيا وحربها
في أوكرانيا،ولكن عندما يتعلق الأمر بغزة والضفة الغربية، كان رأيه أن الكتلة
الأوروبية "منسجمة" مع واجباتها وعدم اعترافها بشرعية الإحتلال وترك
موضوع المستوطنات لمرحلة التفاوض بشأن حل الدولتين.
وبحسب أكرم،
أستاذة القانون بجامعة بوسطن، فإن هذا يتعارض أيضا مع متطلبات محكمة العدل الدولية
التي تقضي بإزالة جميع المستوطنين من الأراضي المحتلة على الفور. وقالت:
"إنها [محكمة العدل] لا تمنح الدول سلطة لكي تترك هذه القضية لأي مفاوضات".
وقالت المقررة
الخاصة للأمم المتحدة ألبانيز، إن صورة الاتحاد الأوروبي الذاتية كوسيط بشأن
فلسطين قد تشوهت بسبب إحجامه عن التحدث صراحة عن الانتهاكات الإسرائيلية للقانون
الدولي.
وأضافت أنه:
"من خلال اللجوء إلى الخداع ولي عنق القواعد العالمية للحفاظ على التجارة مع
هذه المستوطنات وإسرائيل ككل، في وقت من الفظائع التي لا توصف، يخاطر الاتحاد
الأوروبي بأن يصبح مسؤولا عن مساعدة ودعم نظام الفصل العنصري وجرائمه
الشنيعة"، "مما يشير إلى أن الحقوق الفلسطينية ثانوية للمصالح الاقتصادية
الأوروبية، الأمر الذي من شأنه أن يلحق المزيد من الضرر بمصداقية الاتحاد الأوروبي
المتدهورة بالفعل بين الفلسطينيين وغيرهم من الشعوب في عالم الجنوب".