ملفات وتقارير

"عربي21" تخترق شبكات النصب على المصريين في تركيا (شاهد)

تركيا تعد ملاذا أمنا لعديد من الشباب ممن يسعون للهروب من واقع يخنق أحلامهم - جيتي
بين ليلة وضحاها تحول أحد الميادين الرئيسية في إسطنبول "ميدان شرين إيفلار" إلى مأوى لأعداد هائلة من العمال المصريين، الذين يفترشون الأرض في انتظار "الفرج" بحثا عن قوت يومهم، بعد أن غُرر بهم وجاءوا من خلال بعض الشركات على أمل الحصول على فرصة عمل تنجيهم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعشيها المواطن المصري.

وبداية الأمر تأتي من أرض الكنانة، حيث وجد الكثير من المواطنين أنفسهم في مواجهة واقع اقتصادي قاسٍ، مجبرين على التفكير في حلم "تخطي الحدود"، والبحث عن حياة أفضل بأي وسيلة ممكنه، ولكن لصعوبة تحقيق هذا الحلم اتخذ العديد منهم القرار الأصعب والمؤلم آلا وهو مواجهة المجهول والهجرة بطرق غير الشرعية.

لماذا تركيا ؟
وتعد تركيا ملاذا أمنا لعديد من الشباب الصغار وكبار السن ممن يسعون للهروب من واقع يخنق أحلامهم ويجعل من الصعب تأمين احتياجاتهم الأساسية، أو حتى دعم أسرهم، خلف كل مهاجر قصة كفاح مليئة بالآلام، وأمل في غد أفضل، حتى وإن كانت هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر والمصاعب التي تفطر القلوب، كونها تحميهم من ركوب مراكب الموت والتعرض لمخاطر الغرق في البحر المتوسط أو الموت في الصحراء كصحراء ليبيا، إلا أن الحلم المحفوف بالمخاطر لم يكتمل إذ يجد المواطن نفسه فريسة لعملية نصب محكمة أودت به ليفترش الأرض في انتظار المجهول.

"عربي21" اخترقت شركات اتهمت بالنصب وحاولت نقل معاناة بعض الضحايا الذين حاولوا الهروب من المعاناة رغم علمهم باحتمالية المصير المحتوم إلا أنهم يصروا على المغامرة لعلها تكون المنجية.

وهنا يظهر دور بعض الشركات التي تعلن عملها في مجال السياحة وجلب التأشيرة وتذاكر الطيران وترمي شباكها على هؤلاء الشباب بوهم توفير فرص عمل لهم في الشركات والمصانع التركية، براتب يصل إلى 20 ألف ليرة تركية، أو ألف دولار، العرض الذي يعد لمن يعيش في مصر وسط طبقة العمالة المهنية والحرفية طاقة أمل تحميهم من صعاب الحياة في مصر "من وجهة نظرهم" مهما كانت خطورة المغامرة التي تحتمل النصب لكن الأهم هو الخروج من بلاد أصبح العيش فيها صعب.



حياة بائسة واستسلام تام 
دون سابق تفكير أو بـ"تفكير يشوبه" الإحباط والضيق كما قال بعض الضحايا، لـ "عربي21"، يتهافت الشباب على تلك الشركات في استسلام تام، وتنفيذ جميع رغباتهم ودفع المقابل المادي الذي قد يصل إلى 90 ألف جنيه مصري، فقط للهروب من جحيم الحياة في مصر، رغم الشكوك التي تحوم حول تلك السفرية، والتحذيرات التي يتلقاها الحالم بالسفر من احتمالية الوقوع فريسة لعملية نصب ممنهجة، إلا أن تفكير الخلاص هو المسيطر على الضحية، إن وجد عمل وأصبح العرض حقيقي فقد فاز، وأن كانت عملية نصب أو ألقى القبض عليه فقط تخلص من حياته البائسة.

وأضاف الضحايا أنهم بمجرد وصولهم وتبديد الحلم، ويجد نفسه بلا عمل أو سكن، يبدأ استنزافهم ماديا من قبل نفس الأشخاص مرة أخرى والحصول على أموال أخري خارج الاتفاق مقابل السكن تارة وتارة أخري عمولة لتوفير فرص عمل الذي لا يزيد مدته عن شهر ثم تعود من جديد الكارة عمولة ثم عمل ثم طرد، دون الحصول على أدنى حقوق أو تقنين الأوضاع .

استراتيجية استقطاب الضحايا
تستخدم تلك الشركات استراتيجية معنية للإيقاع بالفريسة، وتعد اختيار الشريحة المستهدفة أهم محاور تلك الاستراتيجية، حيث شريحة المصريين تحت سن الـ 18 عام، وأكبر من 45 عام، وذلك لسهولة استخراج تأشيرة إلكترونية، دون صعوبة من الجانب التركي والاحتياج للذهاب إلى السفارة التركية بالقاهرة وغيرها من الإجراءات التي قد يأتي من خلالها رفض التأشيرة لدخول تركيا.

وبعد السفر وتحصيل الأموال تأتي "الطامة الكبرى"، إذ يسافر الشاب المصري بتلك التأشيرة التي تنتهي بعد شهر، ويجد نفسه دون عمل ولا يستطيع القدرة على العمل كونها عروض وهمية ولا يستطيع العودة إلى بلاده.

حاولت عربي21 التواصل مع تلك الشركات، وهنا كان لازما علينا التعامل بطريقين الأولى وقد كشفت لنا كيفية إدارة العملية بإحكام حتى لا تسقط تلك الشبكات، وهى التواصل مع تلك الشركات بصفة شاب يطلب الهجرة والسفر بأي طريقة ممكن ومنهم من قال على الشروط والمقابل المادي ومنهم من كان أكثر حنكة، ليبادر بالسؤال من أين تعرفني أنا لا أقوم بتلك العمليات ثم يقابلنا بوابل من "الألفاظ والسباب".

وهنا اكتشفنا أن هذا الشخص لا يتعامل مع الجمهور بشكل مباشر إنما يتعامل مع "سمسار" في مصر وهو من يقوم بالتواصل معه وإعطاءه قائمة المسافرين، لذلك هو لا يتعامل معانا مباشرة وبمجرد التواصل معه يعرف أنها مصيدة للإيقاع به، ويصبح هذا السمسار هو الوسيلة الآمنة لتسليم وتسلم الأموال والأفراد.

الطريقة الثانية كانت من خلال التواصل مباشرة مع هؤلاء الأشخاص المتهمين بالنصب وبصفتنا نطرح السؤال وعليهم الإجابة، منهم من رفض الرد ولا يستجيب بمجرد أن يعرف هوية المتصل، علما بأنه إن كان صادقا لما خاف من الإعلام بالعكس عليه أن يستثمر  نشر بعض الأخبار عليه وعن نشاطه، دليلا على مصداقيته بدلا من المصداقية الوهمية التي يخرجها من أفواه الضحايا فور وصلوهم دون العلم بما ينتظرهم.

مفاجأة مدوية 
ولكن تلك الطريقة آتت بثمارها وقد حصلنا على موعد مع "ش" جزائرية الجنسية تقوم باستقبال العمالة في المطار وتسكنهم وبعد الحصول على موعد وعنوان للقاء فجأه تغير المكان ليصبح إحدى الكافيهات، دون التعامل داخل مكاتب رسمية.

في بداية الأمر ظهر الارتباك عليها وبعد التأكد من هويتنا ورفض الحديث حتى يأذن لها كما قال "مدير أعمالها " كونها مشهورة على التواصل الاجتماعي وما تقوم به هو عبارة عن "عمل إعلانات للشركات فقط وهي ليست مسؤولة عن شيء كما أنها تقوم بما يرضى الله وتؤمن للعمال فرص عمل حقيقة".

وحتى يأتي الإذن لها بدأنا في الحديث بشكل هادئ لماذا تقومي بهذا؟ وأنت متهمة بالنصب ؟ قالت إنها تعمل مع مجموعة من الشخصيات محترمة ولا تنصب على أحد، وأنها تعمل في الدعاية فقط و "مستر سامح" حد محترم ولا ينصب على أحد، وفي الوقت الذي يتصل بنا كما قالت مدير أعمالها يرفض التواصل معنا في البداية حتى تعطينا الهاتف، بسؤاله عن إقامة المصريين في تركيا والإجراء القانوني قال " المهم أنك لا تأذيها وبعدين يا أخي المصريين لا يرحلوا" وطالبوا تحديد موعد أخر للتسجيل معانا ولم يتم رد بعدها.

المفاجأة التي لم يتوقعها أحد أنه قبل انتهاء اللقاء مرت سيدة وابنها " السيدة فوق الـ 45 سنه والشاب تحت 18" ويسألوننا خاصة وأننا نتحدث العربية، "ممكن نلاقي شغل هنا؟"، بسؤالهم ما قصتكم؟ أجابوا أن شخص يدعى سامح أخد مننا 65 ألف من كل فرد أنا وابني ولم يوفر لنا فرصة عمل، هنا نظرنا لها هذا هو سامح الذي تعملين معه وتؤكدي على احترامه وأمانته؟ ردت في انكسار نعم هو؟ وهنا انتهى اللقاء دون نقاش أخر على وعد بلقاء لم يتم.

التواصل الأخر مع أحد الشركات وتدعى "ح" في بداية الحديث أكدت على أن هناك مأساة بسبب النصابين وأن ما يحدث هذا بسبب رئيس النظام المصري بعد الفتاح السيسي، وأنه هو من جوع الشعب، وأوصله لهذه الحالة، وأيضا تم تحديد الموعد ولم يتم، ولكن المفاجأة أنها هي نفسها لديها جروبات على مواقع التواصل "واتساب" وتوفر فرص عمل أيضا غير مؤكدة ولمدة قصيرة دون إخبار العامل مقابل 5000 ليرة تركية أو 200 دولار حسب التفاوض.

أسباب المغامرة
ومن جانبه قال المحلل السياسي قطب العربي في تصريح خاص لـ "عربي21" إن العديد من الضحايا يكون على علم بمصيره هنا، ولكنه ليس لديه شي في مصر يخسره، نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة في مصر، وأن تركيا أصبحت أكثر أمانا كونه يأتي بشكل قانوني عبر الطيران بدلا من السفر عبر مراكب الموت.

وأضاف العربي أن العامل لا يرى أن هناك ما يخسره كون أن أقصى خسارة بالنسبة له هى القبض عليه وترحيله والعودة إلى مصر من جديد.
 
وطالب العربي بضرورة ضبط المسئولين عن تلك العمليات من النصب من قبل الحكومات سواء في مصر أو تركيا كونها تسئ إلى سمعة المهاجر المصري المتواجد في تركيا.




الوضع القانوني
 ومن ناحية أخرى، قال المحامي والحقوقي حسين صالح في تصريحات خاصة لـ " عربي21” إن هؤلاء العمال وضعوا أنفسهم تحت طائلة القانون كونهم ليس لديهم أوراق قانونية للإقامة داخل الأراضي التركية وعليهم بداية الأمر البحث في الوضع القانوني وعمل إقامات خلال مدة إقامتهم القانونية "30 يوم من دخولهم تركيا".

أكد صالح، أنه لا يمكن لجهات التحقيق الوصول لتك الشبكات دون معلومات من الضحايا أنفسهم، وعليهم الذهاب إلى النيابة العامة التركية وتسلم المراسلات بينهم وبين تلك الشركات الوهمية لتوالى التحقيق والعمل على القبض عليهم وحل المشكلة.

وأضاف المحامي والحقوقي أنه بمجرد انتهاء الشهر القانوي يصعب على هذا العامل الحصول على فرصة عمل قانونية كون وجوده غير قانوي داخل البلد، بالإضافة لصعوبة الحصول على أوراق قانونية.

وتابع صالح أن الوضع القانوني للعمل داخل الأراضي التركية هو الحصول على عقد عمل ومنه تأشيرة عمل من قبل السفارة التركية في القاهرة، مما يؤكد على جدية العرض المقدم.

وأردف صالح أن الوضع في تركيا قد يكون صعبا بعض الشيء كون القانون التركي يجبر أصحاب المصانع والشركات على توظيف 5 أشخاص أتراك مقابل الشخص الأجنبي الواحد، وهو ما يصعب حصول الأجنبي على فرص عمل داخل الشركات التركية.

أوضاع العمل في تركيا
وتعد تركيا من الدول التي اقتحمت عالم الصناعة ولديها العديد من فرص العمل الصناعية، وهو ما يعتمد عليه تلك الشركات لاصطياد فريستهم، ولكن في حقيقة الأمر ، الوضع على أرض الواقع قد يختلف كثير حيث أكد نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين والأتراك المهندس سعيد عمار، أن الوضع في تركيا مختلف عن أوروبا حيث يعمل الشعب التركي في جميع الأعمال، ولا يحتاج إلى أيدي عاملة كثير.

ولا يتوقع عمار أن يكون هناك شركات مرخصة من قبل الحكومة التركية للعمل على جلب موظفين أجانب، وما هي إلا وسيلة لكسب الأموال من قبل العمال غير المتفهمين للواقع التركي.

وأضاف نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين والأتراك، أن حتى رجال الأعمال المصريين المتواجدين داخل تركيا يسعون لمساعدة المصريين على الأرضي التركية ولكن دون ضرر لأصحاب الشركات أنفسهم خاصة وأن العامل الأجنبي يحتاج للعديد من المعايير أهمها تعلم اللغة التركية والتواجد بشكل قانون وعكس ذلك يعرض صاحب الشركة لمخالفات عدة تصل لحد الإغلاق، فلا يمكن أن يضحى صاحب الشركة بمستقبله نظير مساعدة شخص مقيم بشكل غير قانوني.




الجالية المصرية في تركيا
أكد الأمين العام للجالية المصرية في تركيا نادر فتوح في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن وضع العمالة المصرية الذين يأتون بهذه الطريق أصبح ظاهرة خطيرة تعرضهم للسجن والترحيل.

وطالب المصريين القادمين بتلك الوعود الحذر، لأن تركيا لا يوجد بها عقود عمل بالشكل الذي تدعيه الشركات، وكذلك بعض الادعاءات بأن تركيا لا تقم بترحيل المصرين ما هو إلا مبررات واهيه تستخدمها تلك الشركات، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت تشديدات من الجهات الأمنية التركية على الإقامة القانونية للمواطنين الأجانب ولا تتساهل في المخالفات القانونية أو التواجد بدون تقنين أوضاع .

ولفت إلى أنه في حال كان هناك عقد حقيقي، فيتم إرساله من خلال السفارة التركية بالقاهرة، مضيفا أن في حالة القبض على هذا المواطن لا يستطيع أحد تقديم أي خدمة له أو مساعدته للخروج إلا في الإطار القانوني.

وأضاف فتوح أنه تلقى العديد من المكالمات الاستفسارات عن الوضع في تركيا من العديد من الأشخاص الذين يتلقون بعض العروض للسفر والعمل في تركيا وبردوه يسعى دائما إلى تقديم لهم النصيحة وتوضيح الأمر على حقيقته، خاصة وأن ما يقال للضحايا في مصر مخالفا لما يحدث على أرض الواقع.