التقى الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان ورئيس النظام
المصري عبد الفتاح
السيسي، في أنقرة، في أول لقاء بينهما، منذ تولي الأخير السلطة في مصر، عقب الانقلاب العسكري قبل نحو 12 عاما.
وعقب مراسم استقبال رسمية أجراها الرئيس التركي لنظيره المصري في العاصمة
أنقره، عقد الطرفان جلسة مشتركة وقعا خلالها على عدد من مذكرات التفاهم بين
البلدين.
وقال أردوغان، الأربعاء، في مؤتمر صحفي عقب التوقيع، إن مساهمات
تركيا ومصر
في السلام والاستقرار الإقليميين تشكل أمرا حيويا، فيما أعرب السيسي في تدوينة
عبر حسابه على منصة "فيسبوك"، عن "سعادته البالغة بزيارته الأولى
للجمهورية التركية، ولقائه مع فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان".
وتعد زيارة السيسي مهمة خاصة أنها تأتي بعد سنوات هي الأكثر برودة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية التركية المصرية.
علاقات تاريخية
وتبادلت مصر وتركيا التمثيل الدبلوماسي عام 1925 على مستوى القائم
بالأعمال، ورفعتها إلى مستوى السفراء في 1948.
وشهدت العلاقات الدبلوماسية تباينات في فترات ما بين الستينات والثمانيات،
قبل أن تعود مشاوراتها في 1988، وفي فترة التسعينات، شهدت العلاقات المصرية
التركية تطورا بعد زيارة رئيس الوزراء التركي آنذاك نجم الدين أربكان إلى مصر عام
1996 ووافقت القاهرة على طلبه بالانضمام لمجموعة الثمانية الإسلامية.
وتطورت العلاقات بعهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وزار عبد الله غل رئيس
الوزراء التركي آنذاك القاهرة في كانون الثاني/ يناير 2003، ووقع البلدان اتفاق
التجارة الحرة في كانون أول/ ديسمبر 2005.
في آذار/ مارس، وعقب بعد ثورة " 25 يناير 2011" في مصر كان الرئيس التركي عبد الله غل، أول رئيس
يزور القاهرة، بعد تنحي مبارك، وكانت مصر هي أول دولة عربية يزورها عقب انتخابه
رئيسا لتركيا عام 2007.
وتأكيدا على مكانة علاقات البلدين، قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب
أردوغان في 12 أيلول/ سبتمبر 2011، مصر، بأول زيارة خارجية له عقب فوزه في
الانتخابات البرلمانية التي أجريت في حزيران/ يونيو 2011، مصطحبا وزراء ورجال
أعمال بهدف تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
ومع انتخاب الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، رئيسا لمصر، في صيف 2012، شهدت علاقات البلدين تطورا كبيرا، حيث قام الرئيس المصري بزيارة لتركيا في 30 أيلول/ سبتمبر
2012، وألقى كلمة تبرز رغبة القاهرة في دعم التعاون بين البلدين.
روابط مستمرة رغم انقطاع العلاقات
وعقب الإطاحة بمرسي من حكم البلاد صيف 2013، لم تنقطع العلاقات وبقيت في
مستوى قائم بالأعمال وسط استمرار التعاون الاقتصادي بشكل قوي وكافة المسارات
الثقافية.
وتقول الخارجية التركية عبر موقعها بشأن العلاقات السياسية بين البلدين:
"تم الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر بشكل متبادل على مستوى
القائم بالأعمال منذ عام 2013، وعقد اجتماعات قصيرة بين وزيري خارجية البلدين في
مناسبات مختلفة، وتواصل سفارة مصر في أنقرة وقنصليتها في إسطنبول وسفارة تركيا في
القاهرة وقنصليتها بالإسكندرية أنشطتها دون انقطاع".
كما "تم الحفاظ على الروابط الاقتصادية والاجتماعية العميقة الجذور
بين البلدين، والتي يدعمها تراث تاريخي مشترك، فيما لا يزال حوالي 3500 مواطن
يقيمون في مصر، التي تعد أكبر شريك تجاري لتركيا في القارة الإفريقية فضلا عن عقد
لقاءات متكررة بين رواد الأعمال الأتراك والمصريين"، وفق الخارجية.
وفي حزيران/ يونيو 2016، قال رئيس الوزراء التركي آنذاك بن علي يلدريم، إنه
لا مانع من تطوير العلاقات الاقتصادية بين تركيا ومصر وعقد لقاءات بين مسؤولي
البلدين.
إزالة وصف انقلاب
ومنذ 2019 تغير
وصف أنقرة للأحداث في مصر وألغت تعريفه بالانقلاب العسكري بعد التحول الكبير في
العلاقات التركية المصرية .
ومنذ أحداث الثالث
من تموز/ يوليو 2013 وتصف الحكومة التركية ما حدث بالانقلاب العسكري، والذي أطاح بالرئيس
المدني المنتخب محمد مرسي.
ووصف الموقع
الرسمي لوزارة الخارجية التركية أحداث عام 2013 في مصر، بأنها "انقلاب"
طوال السنوات التي كانت العلاقات فيها باردة.
لكن منذ عام
2019، وعقب قرار تطبيع العلاقات، أزال موقع وزارة الخارجية مصطلح
"انقلاب"، لكنه مازال، يستخدم عبارة "بعد انتهاء
حكم الرئيس مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، جرى تنفيذ التمثيل الدبلوماسي في عاصمتي
البلدين على مستوى القائم بالأعمال منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023".
بوادر زيارة فارقة
وشهدت الفترة ما بين أيار/ مايو، وأيلول/ سبتمبر 2021، بوادر لقمة فارقة بانطلاق
أكثر من جولة لـ “محادثات استكشافية" بيم مصر وتركيا بشأن تباينات منذ 2013.
وزار وزير الخزانة والمالية التركي السابق، نور الدين نباتي القاهرة في حزيران/
يونيو 2022 للمشاركة في الاجتماع السنوي للبنك الإسلامي للتنمية، وكان أول وزير
تركي يزور مصر منذ 9 سنوات.
وفي 23 آب/ أغسطس 2022 انطلق اجتماع نظمته وزارة التجارة التركية في
القاهرة بين رجال أعمال أتراك ومصريين، وسط ارتفاع حجم التبادل التجاري بين
البلدين بنسبة 85 بالمئة خلال الربع الأول 2022 مسجلا 2.5 مليار دولار مقارنة مع
الفترة نفسها من العام 2021 بـ 1.3 مليار دولار.
وترجمت تلك اللقاءات بلقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام المصري،
عبد الفتاح السيسي، على هامش مونديال قطر أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، والتي
عدتها الرئاسة المصرية "بداية لتطوير العلاقات".
وتواصلت التصريحات الإيجابية المرحبة بدفع العلاقات لمستوى أكبر بين
البلدين، وتوجت عقب زلزال 6 شباط/ فبراير الماضي في تركيا وسوريا، باتصال السيسي
وأردوغان، وزيارة وزير خارجية مصر، سامح شكري لأنقرة في 27 شباط/ فبراير الماضي
مع توالي إرسال القاهرة مساعدات إغاثية وإيوائيه وطبية إليها.
وفي 18 آذار/ مارس الماضي، أجرى تشاووش أوغلو زيارة إلى مصر، تلبية لدعوة
نظيره شكري، في زيارة هي الأولى من نوعها لوزير خارجية تركي منذ 11 عاما في إطار
بحث العلاقات وقضايا دولية وإقليمية.
قمة تاريخية
وفي شباط/ فبراير الماضي أجري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء،
زيارة رسمية إلى مصر لأول مرة منذ 12 عاما من القطيعة بين البلدين عقب الانقلاب
العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي، وانتهى به في
سدة الحكم لثلاث ولايات على التوالي.
وتأتي زيارة أردوغان إلى القاهرة عقب جهود حثيثة بذلها الجانبان على مدى
الأعوام الثلاثة الماضية من أجل تجاوز الخلافات، التي تصاعدت في العديد من
الملفات، أبرزها: جماعة الإخوان المسلمين، وشرق المتوسط، وجنوب قبرص، وليبيا.
وكان الحاجز الفارق بين البلدين بدأ في الانصهار بشكل ملحوظ عقب الزلزال
المدمر الذي ضرب جنوب تركيا مطلع العام الماضي، حيث أسفر الحدث عن زيارة متبادلة
على مستوى وزراء الخارجية، بالتوازي مع استمرار عمل اللجان الاستكشافية، التي سعت
إلى تحديد نقاط الخلاف في أبرز الملفات العالقة لتجاوزها.
مرحلة جديدة
ومن المقرر أن تشهد الفترة القادمة مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين،
حيث شهدت الزيارة توقيع نحو 20 اتفاقية بين مصر وتركيا في مجالات الدفاع والطاقة
والسياحة والصحة والتعليم والثقافة، ويستهدف البلدان زيادة حجم التجارة بينهما من
10 مليارات دولار حاليا إلى 15 مليار دولار خلال المرحلة الأولى من خطة دعم
العلاقات بين البلدين بعد قطيعة دامت لأكثر من 11 عاما بعد إطاحة الجيش بحكم
الرئيس السابق محمد مرسي والذي كانت تنظر إليه أنقرة باعتباره أقرب حلفائها في
المنطقة، وذلك بعد مظاهرات شعبية ساندها الجيش في 30 من حزيران / يونيو عام 2013 .
واتفق الطرفان في البيان المشترك على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات
الإسكان والتخطيط العمراني، وأعربا عن أهمية تعميق التعاون في مجالات العمل
والتوظيف والضمان الاجتماعي، وتعزيز التعاون في مجال السياسات العامة بما في ذلك
حماية المرأة والأسرة والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والمساعدات
الاجتماعية.