كتب

"إسرائيل" بين غطرسة القوة ونتائج الطوفان.. قراءة في كتاب

إن الأحداث البعيدة عن الشرق الأوسط، مثل اختيار الرئيس الأمريكي المقبل، يمكن أن تؤثر على قدرة إسرائيل على العمل في غزة ولبنان، وقد تؤثر بشكل كبير على الردع ضد إيران.
نجحت إسرائيل بدعايتها وسجل حروبها في المنطقة في خلق أسطورة الجيش الذي لا يقهر، الذي تمتلك دولته واحدة من أقوى الصناعات العسكرية في العالم، وأجهزة استخبارات متعددة المسميات والوظائف من أفضل الأجهزة في العالم. ومع ذلك، ومع صباح السابع من أكتوبر وما تلاه من أحداث صار الجيش الذي لا يقهر كجلمود صخر حطه طوفان الأقصى من عل.

في هذا المقال، نقدم عرضا موجزا لدراستين مهمتين:

1 ـ "فن الابتكار العسكري: دروس من الجيش الإسرائيلي": كتاب نشرته جامعة هارفارد للخبيرين العسكريين إدوارد لوتواك وإيتان شامير. وقد شاء حظهما العثر أن يُنشر الكتاب يوم 10 أكتوبر 2023، أي بعد الطوفان بثلاثة أيام.

2 ـ "حرب السيوف الحديدية: تقييم التوازن الاستراتيجي والخطوات المقبلة": دراسة مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية في 14 يوليو تموز الماضي، وهو قراءة تحليلة للحرب للبروفيسور إيتان شامير، المشارك في الكتاب السابق، والذي عمل رئيسا لقسم عقيدة الأمن القومي في وزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية.

أولا ـ فن الابتكار العسكري: دروس من الجيش الإسرائيلي

يشرح الكتاب النجاح غير المتوقع للجيش الإسرائيلي، الذي عاني عند تأسيسه في مايو 1948 من قلة العدد وسوء التجهيز ونقص الأسلحة وغياب القاعدة الصناعية المحلية لإنتاجها، مما اضطره إلى الاعتماد على ما يمكن الحصول عليه. وقادته هذه الروح الارتجالية إلى النصر في حرب 1948. وهذه الروح نفسها هي التي جعلته أقوى جيش في الشرق الأوسط، وأحد أكثر الجيوش كفاءة في العالم.

يرى الكاتبان أن أصول هذا النجاح ترجع إلى البنية التنظيمية المميزة للجيش الإسرائيلي. فهو منذ البداية، كان الجيش الوحيد في العالم الذي ضم القوات الجوية والبحرية والبرية تحت مظلة مؤسسية واحدة، بالإضافة إلى فيلق الضباط الشباب، مما يسمح بالمبادرة من القاعدة. وكانت النتيجة: منظمة مرنة ذكية تميل إلى التغيير بدلاً من الالتزام بالتقاليد. وتنبع هذه المرونة الكبيرة من كون المسؤوليات الجسيمة يُعهد بها غالبًا إلى ضباط صغار الرتبة نظرًا للنقص المستمر في الضباط الأكبر، مما يؤدي باستمرار إلى إيجاد حلول سريعة ومبتكرة للتحديات على أرض المعركة. ويلاحظ الكاتبان أن المسألة تتمحور حول القدرة على "إزالة العقبة البارزة أمام الابتكار، ألا وهي هيمنة القديم على الجديد". وقد أدى الاعتماد على القادة الشباب لمواجهة التحديات القتالية في تغذية ظاهرة "دولة الشركات الناشئة"، وخصوصا في المجالات العسكرية وتكنولوجيا المعلومات المرتبطة بالمجال الاستخباري، مما أعطى إسرائيل مكانا مهما عالميا في هذه المجالات.

يشرح الكتاب النجاح غير المتوقع للجيش الإسرائيلي، الذي عاني عند تأسيسه في مايو 1948 من قلة العدد وسوء التجهيز ونقص الأسلحة وغياب القاعدة الصناعية المحلية لإنتاجها، مما اضطره إلى الاعتماد على ما يمكن الحصول عليه. وقادته هذه الروح الارتجالية إلى النصر في حرب 1948. وهذه الروح نفسها هي التي جعلته أقوى جيش في الشرق الأوسط، وأحد أكثر الجيوش كفاءة في العالم.
قادت هذه البنية التنظيمية الجيش الإسرائيلي إلى ابتكار أهم التطورات في التكنولوجيا العسكرية خلال العقود الماضية. ويستعرض الكتاب أكثر من مائة مثال على الابتكارات العالمية في كافة فروع القوات الإسرائيلية، بدءًا من الاستخدام الأول للطائرات بدون طيار في الحروب، إلى نظام الدفاع الصاروخي القبة الحديدة، وصولاً إلى أول سلاح ليزر: الطيف الحديدي الداعم لمنظومة القبة الحديدية، إضافة إلى نظامي صواريخ أرو ومقلاع داود، وصاروخ جبرائيل المضاد للسفن. كما تحدث الكتاب عما يسميه فخر الصناعة الإسرائيلية "دبابة الميركافا" التي تفوق في إمكانياتها وتدريعها وحمايتها للطاقم الدبابات الأمريكية والبريطانية. وتحدث أيضا عن دور إسرائيل في إنتاج وإضافة بعض التحسينات على طائرة الشبح F35.

ويحتوي الكتاب على فصل مهم يتناول الوحدتين الأكثر تقنية في الجيش الإسرائيلي، والمتخصصتان في مجال الاستخبارات: الوحدة 8200 المعروفة جيدًا، والوحدة 81 الغامضة إعلاميا والتي حصلت على جوائز أكثر من أي وحدة أخرى.

ثانيا ـ "حرب السيوف الحديدية: تقييم التوازن الاستراتيجي والخطوات المقبلة"

رغم اعتراف الكاتب "إيتان شامير" بأنه بصعب تقييم نتائج وآثار الحروب؛ إلا أن تقييمه اتسم بالشمول والنظرة الموضوعية للحرب ومجرياتها وبدائلها وتأثيراتها على مستقبل الصراع. ولذا، تضمن هذا التقييم أربعة محاور رئيسية، هي:

ملخص التقييم

بعد مرور قرابة عام على شن حماس هجومها المباغت على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يمكن تقييم إنجازات طرفي الحرب. وعلى عكس إسرائيل، التي تعلن رسميا عن أهدافها الحربية؛ فلا يمكن تقدير أهداف حماس الحربية قبل هجوم 7 أكتوبر. وقد ادعى كثير من المعلقين أن الهدف من الحرب هو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين؛ ولكن، يمكن الافتراض أن أهداف حماس الحربية كانت أكبر من بكثير وأكثر طموحا من ذلك، كما أن بعض أهدافها قد تحقق فعلا.

ويتحدث الكاتب عن صعوبة تقييم الحرب الحالية، فيقول: للحروب أهداف مباشرة، ولها دوائر تأثير أوسع. لذلك، لا يمكن السيطرة على تأثير أحداثها ومجرياتها. ولا يمكن التنبؤ دائما بتطوراتها ونتائجها. وتستمر صعوبة التقييم لفترة طويلة، لأن بعض الآثار غير المباشرة للحرب قد تكون أكثر أهمية من الأهداف المحددة لها. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، مثل:

ـ الغزو الأمريكي للعراق في 2003: عندما أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين، لم تتوقع أن يؤدي انتصارها إلى استغلال إيران الفرصة لتصبح قوة إقليمية.

ـ حرب أكتوبر تشرين الأول 1973: لم تحدد إسرائيل عقد اتفاق سلام كأحد أهداف الحرب؛ لكن هذا ما أدت إليه الحرب في نهاية المطاف.

ـ اجتياح لبنان 1982: نجحت إسرائيل في تحقيق هدفها الحربي الرئيسي، وهو إخراج "فتح" من لبنان؛ لكن الاجتياح أدى إلى صعود حزب الله.

لذلك، يجب النظر بحذر إلى ميزان إنجازات وإخفاقات طرفي الحرب الحالية. فهناك صعوبة في تحديد الوزن الاستراتيجي لكل إنجاز مقارنة بإخفاقات أو إنجازات الجانب الآخر. وبدون القدرة على تحديد هذا الوزن، فإنه يصعب إجراء تقييم شامل. ورغم ذلك، فمن المستحسن فحص ميزان الإنجازات لأطراف الحرب:

إنجازات حماس ومحور المقاومة

وفقا لتقييم الكاتب، حققت حماس، الإضافة إلى محور المقاومة، أحد عشر إنجازا مهما لم نشهد لبعضها مثيلا منذ القيام المشئوم لدولة إسرائيل. ولها آثارها المهمة في معادلات الصراع ومجريات المستقبل:

1 ـ أعمق صدمة تلقتها إسرائيل:

استفادت حماس من الأزمة في المجتمع الإسرائيلي لإعداد وتنفيذ هجوم مفاجئ صدم إسرائيل إلى درجة مماثلة لصدمة حرب 1973. ويراها البعض صدمة أعمق نظرا لكثرة الخسائر الإسرائيلية في الساعات الأولى.

2 ـ تقليص سيادة إسرائيل لأول مرة في تاريخها:

استفادت حماس من الأزمة في المجتمع الإسرائيلي لإعداد وتنفيذ هجوم مفاجئ صدم إسرائيل إلى درجة مماثلة لصدمة حرب 1973. ويراها البعض صدمة أعمق نظرا لكثرة الخسائر الإسرائيلية في الساعات الأولى.
نتيجة لهجوم حماس والخوف من هجوم بري لحزب الله، فقد تم إخلاء مستوطنات غلاف غزة والمستوطنات الحدودية الشمالية مع حزب الله، مما أدى إلى إجلاء حوالي 200,000 شخص. ومن الصعب المبالغة في حجم ما حققه محور المقاومة في فرض إخلاء مساحات كاملة من الأراضي وتقليص سيادة إسرائيل، وهو أمر لم يحدث منذ إعلان قيام الدولة.

3 ـ خسائر مرتفعة في الجيش الإسرائيلي:

على الرغم من القتال العنيف واحتلال قطاع غزة، إلا أن الخسائر في صفوف حماس كانت أقل مما كان متوقعا. وبالنسبة للجيش الإسرائيلي، فلا يزال عدد القتلى مرتفعا، إذ خسر منذ بداية الحرب ما يعادل لواء كاملا من القتلى والجرحى، بينهم مقاتلون ماهرون في الوحدات الخاصة وقادة ميدانيون بارزون.

4 ـ جبهة دولية واسعة معادية لإسرائيل:

نجح هجوم حماس في حشد جبهة دولية واسعة تجاهر بمعاداتها لإسرائيل، وتشن حربا عليها في الأمم المتحدة ، وتنظم ضدها مظاهرات وداعمة لحماس في العواصم الكبرى في العالم الحر.

5 ـ حرب قانونية دولية ضد إسرائيل:

هناك حملة قانونية تُشن ضد إسرائيل في محاكم القانون الدولي، حيث لا تزال هناك دعاوى قضائية منظورة ضدها وضد قادتها. وهذه الحملة ضارة بإسرائيل، ولها عواقب طويلة الأجل عليها.

6 ـ أكبر احتجاجات طلابية واسعة وحملة مقاطعة في التاريخ المعاصر:

تشهد الولايات المتحدة وأوروبا احتجاجات طلابية مناهضة لإسرائيل لم يسبق لها مثيل منذ حرب فيتنام في ستينيات القرن العشرين. وهناك مقاطعة اقتصادية متزايدة من قِبل الدول والشركات. وحظرت دول مختلفة، مثل أسبانيا، المساعدات العسكرية أو حتى نقلها كمحطة توقف.

7 ـ تحديات صعبة أمام الاقتصاد الإسرائيلي:

يواجه الاقتصاد تحديات صعبة، وتراجع توقعات النمو الاقتصادي وهبوط التصنيف الائتماني من قبل المؤسسات الدولية، وصعوبة الحصول على قروض رخيصة لتمويل العجز الناجم عن الحرب.

8 ـ عودة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي:

أعاد هجوم حماس القضية الفلسطينية إلى مركز الصدارة. ولم يعد من الممكن الحديث عن تقدم نحو تسوية إقليمية دون معالجة القضية الفلسطينية، مما يعني تنازلات إسرائيلية. وكجزء من الدعم العالمي للقضية الفلسطينية، أعلنت عدة دول اعترافها بدولة فلسطينية.

9 ـ تآكل الردع الإسرائيلي الإقليمي:

حشد هجوم حماس العديد من الوكلاء الإيرانيين لمهاجمة إسرائيل، مثل حزب الله والحوثيين، والميليشيات الشيعية العراقية. وفي حين اختار حزب الله شن حملة محدودة، إلا أنه تسبب في قدر كبير من الضرر لإسرائيل من خلال الكشف عن نقاط ضعفها وعدم قدرتها على وقف نيران حزب الله بشكل فعال.

أثارت هجمات الحوثيين على ممرات الشحن الدولية والهجوم الإيراني الهائل على إسرائيل ردود فعل ضعيفة نسبيا من العالم الحر. وهذا الضعف لحلفاء إسرائيل ينعكس على إسرائيل.      

تكشف هجمات إيران ووكلائها عن تآكل الردع الإسرائيلي. وعلى الرغم من نجاح العملية العسكرية في غزة، إلا أن إسرائيل لم تستعد ردعها الإقليمي.

10 ـ عودة الصراعات والانقسامات الداخلية الإسرائيلية:

بعد عشرة أشهر من الحرب، عادت الانقسامات والصراعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي إلى الظهور حول القضايا التي تخلق صدعا بين مؤيدي الحكومة والمعارضة. وأضيفت إلى قضايا الجدل السابقة قضية الرهائن ووقف الحرب. وتعتقد مجموعات كبيرة أن القيادة الحالية لا تفعل ما يكفي لتحرير الرهائن.

11 ـ ما زالت حماس هي حماس:

بعد عشرة أشهر من الهجوم، لا تزال حماس هي حماس، حتى لو ضَعُفت إلى حد كبير أو حتى فقدت قبضتها على أجزاء من القطاع، فهي الحاكم الوحيد، ولا يزال السنوار ونائبه محمد الضيف في غزة، حتى لو كانا يعملان بشكل جزئي. ولازالت حماس تحتجز عشرات الرهائن أحياء.

أهم إنجازات إسرائيل

على الرغم من ارتفاع عدد قتلى وجرحى حماس، وإن كان أقل بكثير من التقديرات الأولية، فإن الإنجازات التي حققتها إسرائيل حسب ما يراها الكاتب هي:

1 ـ تدمير القدرات العسكرية لحماس:

الإنجاز الرئيسي لإسرائيل في هذه الحرب هو تدمير القدرات العسكرية لحماس، فهي لم تعد تشكل تهديدا لإسرائيل، إذ سلبتها قدراتها الصاروخية، وقدرتها على تنفيذ غارة برية كبيرة عبر الحدود. والمعنى الأوسع لهذا الإنجاز هو إنهاء الذراع المركزية لخطة "حزام النار" الإيرانية حول إسرائيل. وفي المواجهة القادمة ضد "محور المقاومة"، ستكون إسرائيل قادرة على تركيز جهودها على مسارح العمليات المتبقية.

2 ـ كسر الحاجز النفسي الإسرائيلي ضد العمليات البرية:

يقول الكاتب: لا ينبغي الاستهانة بإنجاز آخر، وهو كسر الحاجز النفسي لدى قادة الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي ضد الحرب البرية. فقد كان هناك تردد في استخدام المناورة كأداة حاسمة بسبب اعتبارات الخسائر البشرية والضغط الدولي. ونتيجة لذلك، فقدت إسرائيل أداة مهمة في ترسانتها العسكرية وتخلت بشكل أساسي عن الحسم، مما أضر بالردع الإسرائيلي. وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى دور قوات الاحتياط وعودتها كقوة مركزية في جيش الدفاع الإسرائيلي، والتي بدونها لا يمكن تنفيذ عملية كبرى.

3 ـ كي الوعي الفلسطيني والعربي:

خلق احتلال غزة وما رافقه من دمار صدمة شديدة للمجتمع الفلسطيني سيتردد صداها في الوعي الفلسطيني والإقليمي لسنوات قادمة، مما يجعلهم يدركون الثمن الذي قد يدفعونه إذا كرروا هجومهم.

4 ـ صمود المجتمع الإسرائيلي وتضامنه:

أثبت المجتمع الإسرائيلي أن لديه أسسا صحية وأنه ملتزم بالحياة. ظهر ذلك من تجنيد احتياط، وعودة العديد من الإسرائيليين من الخارج للتجنيد، وتعبئة المنظمات المدنية للمجهود الحربي.

5 ـ التحالف مع الولايات المتحدة:

إنجاز مهم آخر هو التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لإحباط الهجوم الصاروخي الإيراني الهائل على إسرائيل. لقد تدربت إسرائيل لعدة سنوات واستعدت مع شركائها لمثل هذا السيناريو، ولكن كان من الصعب معرفة ما إذا كان سيتم تفعيل مثل هذا التحالف. كان وقف الهجوم الإيراني نجاحا كبيرا ودليلا على وجوده.

إن الدعم الأمريكي لإسرائيل، هو رصيد حاسم للقوة الوطنية الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن إرسال حاملات الطائرات يشير إلى ضعف إسرائيل. كما أن الرسائل غير المتكافئة للأمريكيين خلال الأشهر الماضية، مثل الضغط لعدم دخول رفح، ووقف شحنات الأسلحة وغيرها من التصريحات، لم تضف إلى القوة الإسرائيلية، بل أضعفتها؛ فالولايات المتحدة تدعم إسرائيل، ولكن مع العديد من التحفظات والقيود.

6 ـ التعاون العربي الإسرائيلي:

شاركت الدول العربية الخليجية والأردن وحتى السعودية في صد الهجوم الإيراني. وكان هذا بمثابة ذروة إنجاز إسرائيلي آخر: الحفاظ على "اتفاقيات إبراهيم" وإمكانية التوصل إلى تسوية مع السعودية، والتي لا تزال مطروحة على الطاولة. ولا ينبغي التقليل من أهمية هذا التطور.

7 ـ الحد من اندلاع الحرب في ساحات إضافية:

يقول الكاتب: حققت إسرائيل إنجازا آخر، وهو الحد من اندلاع ساحات إضافية كانت حماس تأمل في جرها إلى الصراع مثل الضفة الغربية والقطاع العربي الإسرائيلي، على غرار ما حدث في حرب 2021.

مستقبل الحرب الحالية وتقييم البدائل

إسرائيل في حملة مستمرة وقاسية، ومن الصعب تمييز نهايتها. فقد تعرضت قصة نجاحها كقوة إقليمية وعسكرية واقتصادية وسياسية لضربة قاسية في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023. ويدرك "محور المقاومة" هذا الضعف، ويبحث عن فرصة أخرى لضرب إسرائيل وإضعافها أكثر. وفي الخلفية يأتي التسلح النووي الإيراني، الذي يضيف بعدا دراماتيكيا آخر للصراع الإقليمي الذي يتمحور حول إيران وإسرائيل والصراع السني الشيعي. إذن، تواجه إسرائيل معضلة كبيرة، وأمامها الآن بديلان:

البديل الأول: إنهاء الحرب والانسحاب من غزة:

هذا هو البديل الأول، وهو ما تطالب به حماس على أن يتم إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين، مقابل إطلاق  سراح الرهائن الإسرائيليين. ووفق هذا الخيار:

ـ سيصبح من الممكن التوصل إلى تسوية في الشمال، لأن نصر الله قال إنه سيمنع حزب الله من إطلاق النار إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في غزة.

ـ ستكون إسرائيل حرة في إعادة تأهيل نفسها داخليا وتحسين مكانتها الدولية.

ـ وستكون قادرة أيضا على الاستعداد للحملة القادمة بعد تعلم شامل للدروس وإعادة التجهيز.

ـ ستكون إسرائيل قادرة على استئناف الترويج للتطبيع مع السعودية، الأمر الذي سيفتح الباب أمام شراكة أمنية واقتصادية وتحالف إقليمي من شأنه وقف إيران ووكلائها.

في ظاهر الأمر، هذا البديل له العديد من المزايا. فهو فكرة مغرية يدعمها الكثيرون. ومع ذلك، فله العديد من المخاطر، وقد تجد إسرائيل نفسها خاسرة في كل اتجاه:

ـ سيكون الانسحاب من قطاع غزة وإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين استسلاما إسرائيليا، وتخليا عن معظم مكاسب الحرب، وسيمثل انتصارا هائلا لحماس وجبهة المقاومة.

يمكن أن يؤدي التغيير في نتيجة الصراعات في مناطق الأزمات الأخرى في العالم إلى إحداث تغيير في الصورة بشكل كبير. إذ أنه من المرجح أن يشهد الاهتمام العالمي تحولا نحو مراكز الأزمات الأخرى، وتلاحما في الصفوف بين دول العالم الحر، مما قد يوفر دعما أكبر لإسرائيل وسياساتها.
ـ ليس من المؤكد على الإطلاق أن حماس ستطلق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم.

ـ الانسحاب الإسرائيلي، بما في ذلك من محور فيلاديفيا، يعني استعادة سريعة لقدرات حماس العسكرية بمساعدة إيرانية.

ـ ستجد إسرائيل، التي تضرر ردعها بشدة، صعوبة في حشد الشرعية والدعم سواء محليا أو دوليا لحملة برية تهدف إلى تدمير حماس.

ـ سيكون من الصعب إقناع الإسرائيليين الذين أُجلوا في الشمال بالعودة تحت مظلة حزب الله.

البديل الثاني ـ مواصلة جز العشب:

تواصل إسرائيل "جز العشب" في غزة، بينما تضغط على حماس، وتحاول التوصل إلى اتفاق رهائن. وفي الوقت نفسه، تبني إسرائيل بديلا حكوميا لحماس. وستضطر إسرائيل إلى التوصل إلى تسوية في الشمال، وإذا لم ينجح ذلك، فلن يكون أمامها خيار سوى شن هجوم محدود لإبعاد حزب الله عن الحدود.

هذا البديل مليء بالمخاطر، وهو أبعد ما يكون عن البساطة، وليس له نهاية واضحة إذ يمكن أن تجد إسرائيل نفسها في حرب إقليمية بينما هي غارقة في حرب عصابات طويلة الأمد في غزة. أما ميزة هذا البديل فهو القضاء على حماس في غزة، وضمان عدم عودتها إلى السلطة.

نظرة إلى مستقبل الصراع بشكل عام

يختم الكاتب تقييمه بعبارة مهمة توجز الآثار الاستراتيجية الحالية والمستقبلية لطوفان الأقصى، فيقول: "بعد عشرة أشهر من الحرب، فإن ما هو متاح أمام إسرائيل يشير إلى أنها لن تعود إلى واقع ما قبل الحرب، فهي تواجه سنوات صعبة من الصراع الوجودي المطول". لذا، ينهي الكاتب تقييمه بقوله: "من الضروري أن يكون على رأس إسرائيل قيادة تتمتع بثقة واسعة من الجمهور. وأن نتذكر أن التاريخ مليء بالمنعطفات والتقلبات غير المتوقعة". ويذكر مجموعة من الأمنيات لواقع إقليمي ودولي جديد قد يفيد إسرائيل، فيقول:

ـ إن الأحداث البعيدة عن الشرق الأوسط، مثل اختيار الرئيس الأمريكي المقبل، يمكن أن تؤثر على قدرة إسرائيل على العمل في غزة ولبنان، وقد تؤثر بشكل كبير على الردع ضد إيران.

ـ يمكن للتطور الذي أدى إلى تغيير النظام في إيران أن يحدث منعطفا يغير قواعد اللعبة.

ـ يمكن أن يؤدي التغيير في نتيجة الصراعات في مناطق الأزمات الأخرى في العالم إلى إحداث تغيير في الصورة بشكل كبير. إذ أنه من المرجح أن يشهد الاهتمام العالمي تحولا نحو مراكز الأزمات الأخرى، وتلاحما في الصفوف بين دول العالم الحر، مما قد يوفر دعما أكبر لإسرائيل وسياساتها.