الكتاب: التداعيات الاقتصادية للحرب
الإسرائيلية على قطاع غزة وكلفة إعادة الإعمار، دراسة حقلية
الكاتبان: مازن صلاح العجلة ومحمود حسين
عيسى
الناشر: مركز فينيق للأبحاث والدراسات
الحقلية فينيق غزة - فلسطين ديسمبر 2024
عدد الصفحات: 155 صفحة
ـ 1 ـ
لمّا أُعلنت الحرب على غزة، كان القطاع يشهد
أدنى مستويات المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تاريخيا، فقد جاء العدوان بعد أكثر
من عقد ونصف من خضوعه حصار شامل، استبعده إلى حدّ كبير من جدول أعمال التنمية، وبعد
خمسة اعتداءات تدميرية سابقة. فكانت كل المعطيات تشير إلى هشاشة بنيته الاقتصادية
وهيكلها العام، بحيث تراجع حجم الاقتصاد في
القطاع من ثلث الاقتصاد الفلسطيني عامة حتى عام 2006 إلى 17% عام 2022. وكان معدل
نموه الاقتصادي العام 2022 سالبا، بحيث وصل إلى 2.6- %، بينما كان في عامة الأراضي الفلسطينية في حدود 2.6%
إيجابي.
وانعكس هذا الوضع المتدهور على سوق العمل، فسجلت معدلات البطالة في القطاع خلال
الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023 معدلا يصل إلى نحو 46%. وكانت معطيات برنامج
الأغذية العالمي تؤكّد أن أكثر من ثلث سكانه يصنفون بأنهم يعانون من انعدام الأمن
الغذائي، فقد طال الفقر 60% من مجموع سكانه، مقارنة بنحو 19% في الضفة الغربية.
ـ 2 ـ
في هذا السياق الخاص جدّا، ينزّل الباحثان
مازن صلاح العجلة ومحمود حسين عيسى أثرهما "التداعيات الاقتصادية للحرب
الإسرائيلية على قطاع غزة وكلفة إعادة الإعمار، دراسة حقلية". فيعملان على
تقدير حجم التداعيات الاقتصادية، وحجم التمويل المطلوب لعملية إعادة الإعمار والبحث
في السيناريوهات المتوقعة لخطة التعافي بعد انتهاء العدوان، ولا يخفيان إدراكهما
أن تدهور الوضع يتزايد باستمرار مع كل يوم إضافي يعيشه القطاع تحت القصف، ويعوّلان
في تحليلهما على استقصاء الإحصاءات التي تقدمها المصادر المؤسسات الرسمية، التي تديرها
السلطة أو مخرجات المعاهد والمراكز التابعة لمؤسسات المجتمع المدني، وعلى المصادر
الخارجية الصّادرة عن المؤسسات الدولية في شكل تقارير دورية عن تداعيات العدوان،
مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي والأونكتاد والأوتشاء ووكالات الأمم
المتحدة ذات العلاقة، وبرنامج الغذاء العالمي، واليونيسيف.
ـ 3 ـ
أدت الهجمات العسكرية على قطاع غزة إلى
خسائر فادحة في الأرواح، وهذا ما تتداوله وسائل الإعلام، فوصل عدد الشهداء حتى 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 لحظة الانتهاء من تحرير هذا الكتاب إلى 42227 شهيدا، فضلا عن عدد كبير
من المفقودين تحت الأنقاض، بحيث يمثل العدد الجملي ما نسبته 1.8% من السكان. وتعرض 83% من سكان القطاع
للتهجير، وأصبح أكثر من نصفهم على حافة المجاعة، ولكن وجوها أخرى من الإبادة يتعرض
لها القطاع، تشمل المرافق الصحية والفلاحة، وتوجه ضد الذات الفلسطينية جسدا دون أن
تسلط عليها أضواء كافية، فالتدمير المنهجي المستمر للمنشآت الصحية، يستهدف تفكيك
النظام الصحي.
أعتقد أنّ "اليوم الموالي" لإعلان وقف إطلاق النار، يجب أن يضع على رأس أولوياته التفكير في خطة تضمن بقاء الذات الفلسطينية وضمان صمودها، اعتمادا على مواردها الذاتية على المدى القصير، وإقناع المؤسسات العربية والإسلامية بالعمل على انتزاع النفوذ المالي والإعلامي من اللوبيات الصهيونية على المدى الطويل؛ لأنه وحده الكفيل بتحقيق التوازن وضمان تحرير فلسطين.
لقد سجلت منظمة الصحة العالمية حتى 25 أيلول/ سبتمبر 2024، 516 هجوما صحيّا، و 110
منشأة صحية متضررة، منها 32 مستشفى، و 115 سيارة إسعاف، فتم تدمير 84% من جميع
المرافق الصحية بتكلفة 554 مليون دولار أمريكي. ويبدو أنّ القصف قد طال ما بقي
فاعلا منها بعد تحرير هذا الكتاب.
ومثل تدمير القطاع الفلاحي عنصرا مضاعفا
للإبادة عبر استهداف البطون، فقد أضر العدوان بما نسبته 67.6% من الأراضي الزراعية
وأكثر من %71 من الأراضي المزروعة بالأشجار، وأكثر من 44% من البيوت المكيفة، ودمّر
70% من سفن الصيد و87% من قواربه الصغيرة.
ووُجّه العدوان ضد الذات الفلسطينية فكرا
وعقلا، فاستهدف التدمير المنهجي قطاع
التعليم، وطال 87% من المدارس، دُمّر منها ما لا يقل عن 71 مدرسة تدميرا كليّا،
وتعرضت 48 مدرسة إلى تدمير نصف مبانيها على الأقل، وكان ثلث المدارس المتضررة ممّا
تديره الأونروا، وطال نحو 200 موقع ذي أهمية تاريخية وثقافية، دمّر ثلثها تقريبا
بالكامل.
ـ 4 ـ
وبديهي أنّ الخدمات العادية ستكون المستهدف
الأول؛ ذلك شأن قطاع السكن، فقد استـأثر بالنصيب الأكبر وبلغت نسبته 72% من
إجمالي الخسائر، ونتيجة لذلك، تحوّل مليونا مواطن فلسطيني إلى نازحين. وقدر الجهاز
المركزي للإحصاء الوطني، أن عدد الوحدات السكنية المدمرة كليا وجزئيا، يصل إلى 380
ألف وحدة سكنية، ربعها تقريبا مدمرٌ كليّا، أو شأن قطاعات المياه والصرف الصحي
والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات البلدية والنقل، فقد مثلت
أضرارها نسبة 19% من مجموع الخسائر، فدُمرت 510 كيلومترات من شبكة توزيع الكهرباء بالكامل أو تضررت بشدة، وأصبحت معدات
إمدادات الكهرباء غير قابلة للإصلاح
غالبا، ويقدّر الباحثان تكلفة إصلاحها بـ
280 مليون دولار.
وخسر قطاع النقل ما قيمته 358 مليون دولار أمريكي لما كان للقصف من تأثير على
الطرقات، فقد أضر ب 62% منها، تسع أعشارها من الطرقات والشوارع الرئيسية، ودمّر
عددا غير محدّد من العربات. وطالت أضرار قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو
75% من شبكات الهاتف المحمول وشبكات الاتصالات الثابتة.
ولأن أكثر من 70% من مرافق المياه والصرف
الصحي تعرّض للتلف أو التدمير، أصبح حجم التلوث الناجم عن نقص المياه وملوحتها
مهولا، وبلغت أضرار الأصول المادية للتجارة والصناعة والخدمات نحو عشر خسائر قطاع
الخدمات. وبناء على الإحصائيات الأولية
والتقييم المؤقت للأضرار، بلغت قيمة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في قطاع
غزة نهاية كانون الثاني/ يناير 2024 فقط، حوالي 18.5 مليار دولار أمريكي.
ـ 5 ـ
ووصلت معدلات البطالة في الربع الرابع من
عام 2023 إلى 75%، مما يعني فقدان ما لا يقل عن 200 ألف وظيفة خلال هذه الفترة، وسجلت أعلى معدلات للبطالة بين الشباب (18-29) بنسبة 95%، وانخفضت كميات الغذاء
المتاحة، انعدمت الإمداداته وارتفعت أسعار جميع السلع بنسب متفاوتة، فتضاعفت أسعار
الطحين مثلا عشر مرات، ليبلغ سعر الـ 50 كغ من الطحين 825 شيكل.
ويتوقع الباحثان بناء على المعطيات التي
انتهيا إليها أن تكون لهذه الحرب آثار عميقة تستمر على مدى العقود القادمة، وأنها
ستعود بمستوى التنمية البشرية لعموم دولة فلسطين ما بين 11 عاما و 16 عاما إلى
الخلف، فيتراجع مستوى التحصيل العلمي ويتدنى نصيب الفرد من الدخل، ويتأثر عميقا
بنقص التغذية.
ـ 6 ـ
يخصص الكتاب قسمه الثاني لما يُصطلح عليه
بـ"اليوم المالي" لوقف إطلاق النار، ويعرض التحديات الكبرى التي تواجه
عملية إعادة الإعمار، ومن أهمها ما هو سياسي متعلق بقدرة القادة على تدبير الشأن
العام، ضمن إطار سياسي وأمني متفق عليه، يكفل وصول السلع والمواد والمعدات على نطاق
واسع، وتمويل منسق ومرن ومتعدد السنوات، فلا يطلب إليه أن يحقّق إعادة الإعمار
فحسب، بل أن يستأنف الحياة بكل جوانبها بما فيها الإغاثة والتعافي، الذي يمثّل
مرحلة إجبارية من الناحية الموضوعية والإنسانية، بالنظر إلى تردي أحوال سكان
القطاع الإنسانية والنفسية والمعيشية، وبالنظر إلى "فداحة الخسائر واتساعها
أفقيا وعموديا، وقطاعيا وجغرافيا". هذا فضلا عن استعادة الخدمات الأساسية
ومواجهة تراكم الأنقاض والملوثات، وما
تقتضيه من إزالة وتخلص من الذخائر غير المنفجرة.
وليس المنتظر بالأمر الهيّن، فمؤسسات الأمم
المتحدة تؤكد أنّ برنامج الإنعاش المبكر سيحتاج لمدة ثلاث سنوات لإعادة مئات
الآلاف من الفلسطينيين إلى الملاجئ المؤقتة، وضمان إقامتهم في سكن كريم خلال
السنوات الثلاث الأولى بعد وقف إطلاق النار، وسيكلف ما بين 2 و 3 مليار دولار، وهو
ما يظل رهين توفر التمويل ورؤى الدول المانحة.
ـ 7 ـ
ويمثّل عدم الاستقرار من التحديات المهمة
التي قد تعيق عملية إعادة الإعمار، وهذا ما يوجب:
ـ وجود سلطة
وطنية فلسطينية موحدة، ذات مصداقية للإسهام في صندوق إعادة الإعمار وتمويل
الإغاثة الإنسانية، بما يعني ضرورة توفير اعتمادات مالية تتجاوز الـ 30 مليار
دولار، وتصل حتى إلى 40 مليار دولار.
ـ الاهتمام بالأبعاد المتعددة للقضية بما
فيها الإنساني والاجتماعي، فتكون إعادة دمج المناطق المتضررة، وإعادة تأهيلها من
الاتجاهات الرئيسية الأولوية التنمية في السنوات القادمة.
ـ تحقّق ترتيبات إقليمية ودولية لإقامة
الدولة الفلسطينية، وللقيام بالإصلاحات والسياسات الاقتصادية، ضمن شكل جديد ضمني أو
صريح للعقد الاجتماعي يشمل فلسطين بأكملها، ويقصد الباحثان بذلك إحياء العملية
التنموية بالتكامل مع الخطة الوطنية العامة لدولة فلسطين، وإعادة توحيد غزة والقدس
الشرقية مع الضفة الغربية المحتلة سياسيا وإداريا وماليا واقتصاديا واجتماعيا، في
ظل حكومة وطنية واحدة تضمن المصالحة والتكامل بين شطري الوطن.
ولا بد لإعادة الإعمار من آليات. ومما يقترحه
الكتاب تشكيل مجلس أو هيئة تسند أعمال
اللجان التنسيقية المحلية المتخصصة للعمل الإنساني والإغاثي القائمة الآن، ويقترحان أن يتحقق ذلك ضمن رؤية وطنية فلسطينية شاملة لما يعرف بـ "اليوم
التالي"، تتضمن الاستعانة بخبراء عرب ودوليين من ذوي الخبرة في مجال إعادة
الإعمار وإنشاء صندوق عربي ودولي، للإشراف على جمع الأموال في مجال إعادة الإعمار.
ـ 8 ـ
يمكن تنزيل هذا الأثر ضمن ما يعرف
بـ"علم المستقبليات" أو "استشراف المستقبل"، الذي يتزامن مع
الحروب عادة. فمن التعابير الجاهزة في الحديث عن الحرب، أنّ خوضها يرتبط مباشرة
بالتفكير في "اليوم الموالي" لنهايتها، وأن مع إطلاق أول رصاصة يبعث أول
مفاوض.
وتنطلق هذه المصادرات من كون الحرب ليست
غاية في حدّ ذاتها، وإنما هي جدال عنيف بين طرفين لم يسعفهما الحوار الهادئ
بالتفاهمات الضرورية. والسؤال المطروح هنا هو: أي حدّ يمثل العدوان على غزة حربا
تقليدية، تنسحب عليها هذه المصادرات؟
ليس المنتظر بالأمر الهيّن. فمؤسسات الأمم المتحدة تؤكد أنّ برنامج الإنعاش المبكر، سيحتاج لمدة ثلاث سنوات لإعادة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الملاجئ المؤقتة، وضمان إقامتهم في سكن كريم خلال السنوات الثلاث الأولى بعد وقف إطلاق النار، وسيكلف ما بين 2 و 3 مليار دولار، وهو ما يظل رهين توفر التمويل ورؤى الدول المانحة.
يتحدث الكتاب عن "ضرورة تجنب أخطاء
الماضي"، وعن "معالجة الأسباب الجذرية بما في ذلك الحصار الذي تتعرض له
غزة ومواصلة إسرائيل لعدوانها"، وعن "التزام الأطراف بالمعاهدات"
ضمن "ترتيبات إقليمية ودولية لإقامة الدولة الفلسطينية"، في "إطار
سياسي وأمني متفق عليه". ورغم صدوره في غزة نفسها، تبدو هذه المقترحات بعيدة
كل البعد عن إدراك الواقع؛ فهو لا يعي كفاية بأن ما يحدث إنما هو حرب إبادة جماعية
تجري بمباركة دولية، ولا ينزله ضمن تعقيدات الصراع العربي الصهيوني، بما هو:
ـ هروب من صدام اليهودي المسيحي الذي ظهر مع ظهور الدولة
القومية في أوروبا، وتحويله إلى تحالف يستهدف الحضارة العربية الإسلامية، في إطار
الصراع المعلن بين الحضارات.
ـ ارتهان من سياسيي الغرب للوبيات الصهيونية، ذات النفوذ المالي والإعلامي؛ لذلك فإن مواقفهم من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي
ارتشاء لها؛ لضمان الوصول إلى السلطة أو الاستمرار فيها.
ـ تأثير الاتجاهات الصهيونية المسيحية (الإنجيلية) الفاعلة في الولايات المتحدة
الأمريكية خاصة، التي ترى في إسراف الإبادة تعجيلا بعودة المسيح، وفق نبوءة الكتاب
المقدس، ليخوض معركته ضد الشرّ .
ولهذه العوامل جميعا، لا ينتبه هذا الكتاب
إلى أن "اليوم الموالي" لإعلان وقف إطلاق النار، سيرتبط بقضم الأرض
الفلسطينية ضمن خطة للتطهير العرقي، التي تعمل على إحلال "شعب بلا أرض" في "أرض بلا شعب".
بالنظر إلى هذه المعطيات وإلى الوضع العربي والدولي،
نعتقد أنّ "اليوم الموالي" لإعلان وقف إطلاق النار، يجب أن يضع على رأس
أولوياته التفكير في خطة تضمن بقاء الذات الفلسطينية وضمان صمودها، اعتمادا على
مواردها الذاتية على المدى القصير، وإقناع المؤسسات العربية والإسلامية بالعمل على
انتزاع النفوذ المالي والإعلامي من اللوبيات الصهيونية على المدى الطويل؛ لأنه وحده
الكفيل بتحقيق التوازن وضمان تحرير فلسطين.