كتب

تقييمات إسرائيلية وأمريكية لسقوط بشار الأسد وتأثيراته على المنطقة والعالم

ـ الأنظمة الاستبدادية لها جذور عميقة، وغالبا ما يمكن أن تلحق أضرارا قاتلة في أعقاب الإطاحة بها.. (فيسبوك)
كان الطريق إلى دمشق قصيرا بشكل مدهش، وسيطرت جماعات المعارضة السورية يوم الأحد 8/12/2024 على دمشق بعد هجوم سريع البرق في جميع أنحاء سوريا. وبعد خمسة عقود من حكم آل الأسد، فقد فتحت الإطاحة به فصلا جديدا في تاريخ سوريا والمنطقة وصراعات القوى الإقليمية والدولية، وسيؤدي إلى تغيير خريطة موازين القوى في الشرق الأوسط وخارجه، ويقدم هذا السقوط نموذجا لمثل يقول: الدرس المستفاد في الشرق الأوسط، هو أن الجهود المبذولة في بلد ما غالبا ما تسفر عن نتائج غير متوقعة في بلد آخر.

وفي هذا المقال، نقدم موجزا لتقييمات مراكز الأبحاث ومنصات الفكر الإسرائيلية والأمريكية حول هذا الحدث المهم، ومصادرنا في هذا المقال هي:

1 ـ كارميت فلينسي، سقوط نظام الأسد بين المخاطر والفرص، معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب INSS، 8/12/2024.

2 ـ داني سيرنوفيتش، سقوط الأسد: ضربة دراماتيكية لمحور المقاومة الإيراني، معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب INSS، 8/12/2024.

3 ـ روبرت سيلفرمان، ثلاثة أفكار حول القتال الحالي في سوريا، منصة القدس الاستراتيجية، ديسمبر كانون الأول/ ديسمبر 2024.

4 ـ إيهود يعاري، مع رحيل الأسد ماذا بعد؟ منصة القدس الاستراتيجية، كانون الأول/ ديسمبر 2024.
5 ـ خبراء المجلس الأطلسي بواشنطن أتلانتيك كونسيل، ما هي الخطوة التالية لسوريا والشرق الأوسط والعالم؟ 8/12/2024.

6 ـ خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن CSIS، تقييم انهيار نظام الأسد، 9/12/2024.

7 ـ يوئيل جوزانيسكي، دول الخليج والصقوط المفاجئ للأسد: توازن المكاسب والخسائر، معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب INSS، 12/12/2024.

وحتى تتم الاستفادة من هذه التقيميات المبدئية المهمة، فسنعرضها من خلال: خمسة محاور رئيسية، لعل أهمها المحور الأخير المتعلق هل سوريا بداية طوفان عربي جديد؟!

أولا ـ  الأهمية الجيواستراتيجية لسوريا

تبدو سوريا، في خريطة الشرق الأوسط، وكأنها حجر الزاوية. إذ يحدها كل من: تركيا، إسرائيل، الأردن، والعراق. كما أنها لا غنى عنها للأمن اللبناني، وأمن البحر الأبيض المتوسط. ومنذ عقود، استثمرت فيها كل من روسيا وإيران لأهميتها في الاستراتيجية الأمنية لكل منهما.

تبدو سوريا، في خريطة الشرق الأوسط، وكأنها حجر الزاوية. إذ يحدها كل من: تركيا، إسرائيل، الأردن، والعراق. كما أنها لا غنى عنها للأمن اللبناني، وأمن البحر الأبيض المتوسط. ومنذ عقود، استثمرت فيها كل من روسيا وإيران لأهميتها في الاستراتيجية الأمنية لكل منهما.
لم يكن لدى سوريا ثروة؛ لكن كان لها جغرافيا. لذلك، وضعها حافظ الأسد بذكاء في قلب السياسة العربية، وكان على استعداد لإثارة المتاعب وقمع مثيري الشغب، واتخذت منظمات مقاومة دمشق نُزلا لها. وفي الوقت نفسه، فقد ناقش حافظ الأسد مع إدارة كلينتون مسألة عقد اتفاقية سلام.

ثانيا ـ  حكم بشار وسقوطه المدوي

لم يكن بشار ماهرا مثل والده، ففشلت سياسته في الانفتاح، وأعاد تنشيط الدولة السورية القمعية. ومع احتدام المقاومة في العراق في 2005-2006، أرسل بشار الجهاديين من سوريا لمحاربة الأمريكيين هناك. واعتبر ذلك انتصارا مزدوجا: يتخلص من الجهاديين على يد الأمريكيين، وتمنحه سيطرته على تدفق الجهاديين نفوذا في المفاوضات مع الولايات المتحدة. وفي مفارقة تم إنشاؤها بعناية، كانت نقطة انطلاق حافلات الجهاديين تقع في الشارع الذي فيه السفارة الأمريكية في دمشق.

وبعد انتفاضات 2011، ضاعف بشار من قمعه للشعب السوري، فقُتل أكثر من نصف مليون سوري، وفُتحت سوريا على مصراعيها أمام التدخل الأجنبي والتمزق الداخلي:

 ـ أنقذت روسيا وإيران الأسد من الإطاحة به في عام 2015؛ لكنهما أقامتا فيها وجودا عسكريّا قويّا.

ـ جاء حزب الله من لبنان لمساعدة بشار على البقاء في السلطة؛ لكن هذا القدوم خلق نقاط ضعف للحزب، استغلتها إسرائيل في أيلول/ سبتمبر 2024 لمهاجمته في بيروت.

ـ أنشأت تركيا منطقة نفوذها في شمال غربي سوريا، ولها تفاهمات مع هيئة تحرير الشام، التنظيم الأكثر سيطرة في سوريا الآن. وتضغط تركيا على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا.

ـ لا يزال هناك حوالي 900 جندي أمريكي في سوريا في مهمة مكافحة داعش.

بشار الشيطان المفضل إسرائيليا وعربيا وغربيا

كان بشار هو الشيطان الذي تعرفه إسرائيل والأردن، ويمكنهما إدارته؛ بينما الخطر الأكبر لهما، هو عدو جهادي جديد شبيه بحماس على حدودهم، وكان الخيار الأكثر واقعية لهما وللغرب والحلفاء الإقليمين، هو بقاء نظام الأسد، وكان بشار يعرف ذلك، ويراعي الخطوط الحمراء؛ لكنه انهار في أيام قليلة.

لأكثر من نصف قرن، بدا أن سلالة الأسد لها سيطرة منيعة على سوريا اعتمادا على جهاز أمني هائل، واستخدام وحشي للقوة، وحلفاء أقوياء مثل روسيا وإيران وحزب الله. لذا، صمد التظام في وجه انتفاضات متعددة، وحتى حرب أهلية مروعة فقد فيها السيطرة على جزء كبير من البلاد، ووُقعت عليه عقوبات دولية منذ 2011، لكنه استعاد أخيرا مكانه في جامعة الدول العربية، وكان هناك حديث عن تخفيف العقوبات.

كيف سقط نظام بشار؟

لم يكن الجولاني يخطط لإسقاط النظام في هذا الوقت؛ لكنه حصل على ضوء أخضر من أردوغان لتوسيع الأراضي التي يسيطر عليها في إدلب، واتخاذ الطريق السريع M4. وعندما أدرك أن الكتيبة تلو الأخرى من الفرقة 25 المدافعة عن حلب تخلع زيها الرسمي وتهرب، اتخذ قراره بالركض إلى دمشق.

في هذا الهجوم، أعادت هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى صياعة واستخدام الكثير من الذخائر التي ألقاها على إدلب النظام من روسيا. واستخدموا طابعات ثلاثية الأبعاد لسد الثغرات المفقودة، وأنشؤوا الطائرة بدون طيار من طراز شاهين، التي ساعدت في الهجوم.

كان بشار هو الشيطان الذي تعرفه إسرائيل والأردن، ويمكنهما إدارته؛ بينما الخطر الأكبر لهما، هو عدو جهادي جديد شبيه بحماس على حدودهم، وكان الخيار الأكثر واقعية لهما وللغرب والحلفاء الإقليمين، هو بقاء نظام الأسد، وكان بشار يعرف ذلك، ويراعي الخطوط الحمراء؛ لكنه انهار في أيام قليلة.
كان هناك القليل نسبيا من إراقة الدماء بالنظر إلى عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم على مدار هذه الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما، فسقطت مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، في يوم واحد، وتظهر التقارير أن من المحتمل وجود خلايا نائمة لهيئة تحرير الشام في حلب، وربما تمكنوا من التسلل إلى اجتماع أمني سري للغاية في حلب، ومن ثم خلقوا نوعا من الفوضى بين قيادة النظام عندما دخل الثوار إلى المدينة.

وقد أدى الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، دورا أقل أهمية في هذا المجال. لذلك، تُعد هيئة تحرير الشام هي الفاعل الأقوى والأكثر انضباطا والأكثر استقلالية، وقد سمحت لهم سيطرتهم على العديد من القطاعات المالية داخل إدلب بهذه الاستقلالية.

ثالثا ـ مستقبل سوريا

سيناريوهات المستقبل

قد تدخل سوريا في مرحلة انتقالية تتسم بعدم الاستقرار والصراعات على السلطة، مما قد يؤدي إلى عدة سيناريوهات:

1 ـ سوريا مجزأة إلى مناطق تسيطر عليها فصائل مختلفة من القوى المنخرطة في صراعات متكررة.
2 ـ الاتفاق على هيكلية فيدرالية.
3 ـ صعود نظام جديد في إطار سوري موحد.

تحديات تواجه سوريا وأسئلة تحتاج إلى إجابة

هناك عدة تحديات تواجه سوريا حاليا ومستقبلا، قد تزعزع وحدتها واستقراراها، وتؤثر بصورة كبيرة على النظام الجديد الذي لم يتشكل بعد. هذه التحديات هي:

1 ـ كيف يمكن توحيد السوريين حول المؤسسات التي سيتكون منها النظام الجديد؟
2 ـ كيف يمكن الحد من الثأر وإراقة الدماء، خصوصا من الأقليات التي كانت موالية أو محمية من نظام الأسد كالعلويين والمسيحيين؟
3 ـ كيف يمكن منع تحول سيطرة السنة على سوريا إلى حمام دم؟
4 ـ كيف يمكن السيطرة على العناصر الجهادية التي قد تستغل الفراغ في البلاد، سواء كانت هذه العناصر داخل هيئة تحرير الشام أو عناصر في أجزاء أخرى من البلاد؟
5 ـ كيف يمكن التعامل مع المشاكل الإنسانية العميقة القائمة الآن في سوريا، أو التي ستحدث مع عودة ملايين الأشخاص إلى سوريا، والكثير منهم ليس لديهم منازل يعودون إليها؟
6 ـ كيف يمكن التوفيق بين مختلف الجهات الدولية الفاعلة بكل مصالحها المتضاربة؟
7 ـ كيفية المحافظة على توافق بين الجميع، سواء النظام الجديد أو بقايا النظام القديم.

مؤشرات أولية واعدة

ستكون هناك بالتأكيد مفاوضات شاقة حول مستقبل سوريا، ومع ذلك تبدو المؤشرات الأولية واعدة. وحتى الآن، يحافظ الثوار على خطاب تعددي وشامل يدعو إلى الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع السوري كافة، والانتقال السلمي للسلطة، وعدم التمييز بين الأقليات. وأعطى أحمد الشرع "أبو محمد الجولاني" تعليمات بعدم التعرض للأضرحة ومواقع التراث الثقافي والديني للأقليات. حتى المدن العلوية الموالية تقليديا للأسد كاللاذقية، تبدو مرتاحة لأن عهد الأسد قد انتهى، وهو مؤشر إيجابي على أن الأقليات ستنضم على الأرجح إلى الانتقال السياسي بدلا من الانخراط في حرب أهلية مكلفة. ولا يتحدث الجولاني وحلفاؤه عن فرض الشريعة الإسلامية، ويؤكدون الحاجة إلى إعادة ملايين اللاجئين إلى الوطن. ووعد الجولاني الأردن ولبنان بأن سوريا الجديدة لن تصبح تهديدا لهما.  

على سوريا الجديدة التعلم من أخطاء التجربة الليبية

تعيد الأحداث الأخيرة في سوريا إلى الأذهان سقوط نظام القذافي في 2011، والأحداث التالية له، فهل هناك ما يجب أن تتعلمه سوريا وشعبها من تاريخ ليبيا؟

1 ـ الأنظمة الاستبدادية لها جذور عميقة، وغالبا ما يمكن أن تلحق أضرارا قاتلة في أعقاب الإطاحة بها. لذا، يجب البعد عن تنفير وتهميش مؤيدي النظام السابق، ولو كانوا أقلية صغيرة فقط، حتى لا يشكلوا مع مرور الوقت مجموعة متشددة معارضة لأي عملية انفتاح وتطوير المؤسسات.

2 ـ كيفية التعامل مع القوى الأجنبية؛ إقليمية أو عالمية. فقد سمح الليبيون لهذه القوى الأجنبية بتقسيمها وفصلها، وتمارس كل واحدة منها حق النقض على التطورات السياسية والاقتصادية.

3 ـ يجب على النخب السورية الجديدة أن تسعى جاهدة لإيجاد قاسم مشترك، وبدلا من التسرع في الانتخابات، عليها تنظيم مؤتمر مصالحة وطنية لصياغة المبادئ والقيم الرئيسية التي تنطبق على جميع السوريين، فقط بعد هذه اللحظة من التفكير العميق وبناء الأسس لمصلحة وطنية جديدة تقوم على هوية مشتركة، يجب أن تمضي البلاد في الانتخابات.

رابعا ـ الرابحون والخاسرون إقليميا ودوليا

1 ـ إسرائيل

مثل سقوط بشار إخفاقا استخباراتيّا إسرائيليّا؛ فقد كانت أجهزة المخابرات الإسرائيلية عمياء عما يجري داخل سوريا، وعن الاستعدادات المكثفة لهجوم الجولاني، كما لم تكن على دراية بدرجة الدعم التركي له، وفشلت أيضا في فهم أن الجيش السوري هو بيت من ورق، وجاهز للسقوط عندما يتم إطلاق الطلقة الأولى. وأخيرا، لم تفهم إسرائيل كيف جعلت العقوبات الدولية الوضع الاقتصادي في سوريا بائسا للغاية، وأن الأسد يعتمد على الجنود الذين أفلسوا، وأصبح السوريون غارقين في الفقر واليأس.

وعلى الرغم من أن التطورات الأخيرة قد تؤدي إلى عدم الاستقرار والفوضى مما يشكل تحديًا أمنيًا لإسرائيل، إلا أن سقوط الأسد يفصل سوريا عن محور المقاومة؛ مما يقوض أكثر فأكثر من مكانة هذا المحور وفعاليته، كما أن القدرات العسكرية للفصائل السورية، بأشكالها المختلفة، لا يمكن مقارنتها بقدرات إيران ووكلائها. ولذلك، توصي التقييمات الإسرائيلية حكومة الكيان بأن عليها: مواجهة التهديدات على طول الحدود الشمالية، وتعميق الحوار مع الجهات الفاعلة في الساحة السورية، بما فيها الدولة والجهات الفاعلة غير الحكومية، وفهم مسار سوريا بشكل أفضل، والتأثير على مستقبلها بطريقة تتماشى مع المصالح الإسرائيلية.

2 ـ  إيران والمحور الشيعي

شكل سقوط الأسد مسمارا آخر في نعش المحور الإيراني، مما سيدفع طهران إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية، وربما إعادة النظر في سياستها النووية، ومن المرجح أن تسعى إلى إتمام صفقة سوخوي 35 مع روسيا، وإعادة بناء قدراتها الدفاعية الجوية، وتجديد إنتاجها الصاروخي، أو تقديم تنازلات أكثر أهمية للغرب على أمل التوصل إلى اتفاق نووي. ومع ذلك، فمن دون المظلة الواقية لحزب الله، إلى جانب قدرة إسرائيل على ضرب إيران، ووجود ترامب في البيت الأبيض، يمكن أن تواجه إيران معضلة أمنية غير مسبوقة.

مثل سقوط بشار إخفاقا استخباراتيّا إسرائيليّا؛ فقد كانت أجهزة المخابرات الإسرائيلية عمياء عما يجري داخل سوريا، وعن الاستعدادات المكثفة لهجوم الجولاني، كما لم تكن على دراية بدرجة الدعم التركي له.
أما بالنسبة لحزب الله؛ فقد حذر المعلق سهيل كريمي على التلفزيون الإيراني من أنه "دون الأسد، لن يكون هناك حزب الله". لذا، فإن حزب الله، بعد إضعافه وقطع رأسه، سيفقد الكثير من نفوذه السياسي داخل لبنان، وسيسعى الكثيرون إلى منعه من استخدام الفيتو على انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، وقد يسعون أيضا إلى حرمانه من إعادة التسلح.

أما الحوثيون، فإن سقوط الأسد سيجعلهم حليفا لا غنى عنه لإيران؛ مما يعني أن طهران قد تضاعف دعمها لهم. ولكن، قد تتأثر قدرتها على تزويدهم بالأسلحة، وقد يحفز سقوط الأسد القوات الحكومية اليمنية وحلفاءها، مما قد يؤدي إلى إعادة إشعال الحرب بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الهدوء النسبي في اليمن.

3 ـ روسيا

يمثل انهيار نظام الأسد خسارة كبيرة لقدرة روسيا على إبراز قوتها في المنطقة وادعائها أنها قوة عظمى، وقد تفقد قاعدتيها البحرية والجوية، مما يضر بقدرتها على المناورة في أفريقيا والبحر المتوسط وتأثيرها الاستراتيجي ونفوذها في جميع أنحاء العالم. أما المكسب المحتمل لموسكو، هو أن النظام الذي سيخلف الأسد لن يكون مواليا للغرب، كما قد يوفر حدوث صراع على السلطة في سوريا لموسكو فرصة للعمل مع فريق ضد آخر، ودعم قيام دويلة علوية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث تقع القاعدتان الروسيتان.

4 ـ  تركيا

يبدو أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي كانت لديها استراتيجية رابحة في سوريا: معارضة الأسد في أثناء التفاوض مع داعميه، استضافة اللاجئين، دعم المعارضة السورية سياسيا وعسكريا، محاربة وحدات حماية الشعبة التابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا. ولذلك، فإن أنقرة تتمتع الآن بنفوذ اقتصادي ودبلوماسي وعسكري لا مثيل له في عملية استقرار سوريا وإعادة الإعمار.

5 ـ أمريكا

على مدى العقد الماضي، انهار النهج الأمريكي تجاه سوريا الذي قام على: التسامح مع الأسد ورعاته الإيرانيين، التركيز على تنظيم الدولة الإسلامية، وتقديم المساعدات الإنسانية ووقف المساعدات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية، وتقديم دعم مفتوح لوحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني. لذا، سيتعين على واشنطن التوصل إلى نهج متماسك وبنّاء للإدارة الجديدة في دمشق. وهناك بالتأكيد فرصة غير عادية في سوريا، إذ تتمتع الحكومة الأمريكية بسلطة الاعتراف بهيئة تحرير الشام، وإزالتها من قائمة الإرهاب، وتعظيم نفوذها والحفاظ على خفة الحركة في المشهد السوري، واستعادة النفوذ في دمشق. وعليه، يجب على إدارة ترامب إعطاء الأولوية لمساعدة الحكومة الانتقالية في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتمكين السوريين من تشكيل مستقبلهم.

6 ـ الدول العربية

تعدّ الأنظمة العربية التغيير السياسي من أي نوع، عنيفا أو غير عنيف، تهديدا وليس فرصة؛ لذلك لن يكون هناك ترحيب بالتغيير أو اندفاع لاحتضان نظام جديد من المرجح أن يهيمن عليه الأصوليون السنة. ومن غير المرجح أن تكون هناك استجابة سريعة لاحتياجات الشعب السوري؛ فقد كانت معظم الدول العربية تدعم بشار الأسد علنا، مفضلة ديكتاتورية قاسية مدعومة من إيران على أي خيارات أخرى.

ربما تتقدم قطر وحدها لمساعدة سوريا، فهي التي قدمت مساعدات لبعض قوات المعارضة السورية. أما معظم الدول العربية، وإسرائيل، فستنظر إلى الثورة في سوريا على أنها إضافة صافية لتركيا دون مكاسب للمصالح العربية.

وفي حين أن مستقبل سوريا غير مؤكد؛ إلا أن هناك رسائل واضحة للأنظمة العربية. فعلى سبيل المثال، قامت الحكومات المتنافسة في ليبيا والحكام العسكريون في مصر بتفريغ الدولة، وتحولوا إلى التهريب والجريمة للبقاء واقفين على أقدامهم بمعزل عن رعاياهم. وتثير الأحداث الأخيرة في سوريا تساؤلات حول استدامة هذا المسار، إلى جانب الاستراتيجية الأوسع المتمثلة في لعنة السكان وازدراء مفهوم الشرعية ذاته. كما يشكك سقوط الأسد في القدرة النهائية للجيوش والمليشيات والمرتزقة الأجانب على دعم الحكومات التي رفضتها شعوبها إلى أجل غير مسمى".

خامسا ـ هل سوريا هي بداية طوفان عربي جديد؟

انتهج نظام الأسد سياسة تقوم على القسوة الموغلة في السادية، لبث اليأس في نفوس السوريين وإقناعهم بأنه حاكمهم إلى الأبد، ونسي بشار وداعموه أن انهيار الأنظمة الاستبدادية يحدث تدريجيا وببطء، ثم فجأة دفعة واحدة، وأن أتباع الطاغية يظلون مخلصين له فقط مادام يستطيع توفير الحماية لهم من غضب مواطنيهم. ورغم أن المشهد في سوريا قد يكون ضبابيا وسيناريوهاته كثيرة؛ إلا أنه قد يكون بداية عهد جديد في المنطقة:

هاية نظام الأسد تخلق شيئا جديدا، ليس فقط في سوريا؛ إذ لا يوجد شيء أسوأ من اليأس، ولا شيء أكثر تدميرا للروح من التشاؤم والحزن؛ لذا، يوفر السقوط المفاجئ للنظام المدعوم من روسيا وإيران إمكانية التغيير، وهذا سوف يبعث الأمل في جميع أنحاء العالم.
1 ـ كتبت الصحفية والمؤرخة الأمريكية "آن اليزابيث أبلباوم" في مجلة أتلانتيك 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي: "نهاية نظام الأسد تخلق شيئا جديدا، ليس فقط في سوريا؛ إذ لا يوجد شيء أسوأ من اليأس، ولا شيء أكثر تدميرا للروح من التشاؤم والحزن؛ لذا، يوفر السقوط المفاجئ للنظام المدعوم من روسيا وإيران إمكانية التغيير، وهذا سوف يبعث الأمل في جميع أنحاء العالم".

2 ـ يرسل هذا السقوط المدوي لبشار رسالة مهمة للنظم الإقليمية والدولية، توجزها مقالة ناتاشا هول وجوست هيلترمان في فورين آفيرز يوم 9 كانون الأول/ ديسمبر: "هذه الاضطرابات السريعة التي لم تكن الجهات الفاعلة الخارجية مستعدة لها، تظهر حماقة تجنب الصراعات التي طال أمدها في الشرق الأوسط، بغرض الحفاظ على الوضع الراهن الذي لا يطاق، ولا يتوقع أقل من ذلك من الدول التي سمحت لسنوات عديدة باستمرار معاناة الشعوب على حسابها".

8 ـ يتساءل يوئيل جوزانسكي بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب ، 12/12/2024، عن تأثير الدومينو، فقال: "على الرغم من أن ما حدث في سوريا هذه الآونة لم يكن ثورة شعبية على غرار "الربيع العربي"، إلا أن نجاح القوى الإسلامية في الإطاحة بنظام الأسد بقبضة حديدية، إلى جانب النجاح المثير لحماس ضد إسرائيل في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، يثير مخاوف بين الأنظمة الخليجية بشأن موجة إسلامية محتملة تجتاح المنطقة، وهو ما يعدّونه تهديدا سياسيا رئيسيا لهم".